يبدو أن الفضول إلى المعرفة يدفعنا لمعرفة الماضي، فيما يجعلنا نعتز بأرضنا تاريخاً وجمالاً، فهذا الفضول لا يمكن أن يمر دون الوقوف أمام أهم المعالم الأثرية والعلمية، ألا وهي "المدرسة العادلية".

"eDamascus" التقى دكتور "غزوان ياغي" مدير معهد الآثار "بدمشق"، فيقول: «أول من قام ببناء هذه المدرسة "نور الدين الشهيد"، وكان ذلك سنة 568 هجري، وقد بدأ ببناء المسجد والمحراب، ثم توقف العمل بعد وفاته سنة، ليقوم بعدها الملك العادل "سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب" أخو "صلاح الدين الأيوبي" بإنشاء المدرسة على هيئتها الحالية، ولكنه مات دون أن يتممها، فدفن في قلعة "دمشق"، حتى قام ابنه الملك "المعظم عيسى" بإكمالها ونقل رفات والده ليعاود دفنه تحت قبتها، كما دفن بقبتها الأمير "مجبر الدين يعقوب" ابن الملك العادل، فكانت المدرسة "العادلية" من أهم المدارس الشافعية في "دمشق" ولكنها أهملت في فترات متلاحقة حتى جعلت مقراً للمجمع العلمي، كما جعلت بعض حجراتها مقراً للمتحف الوطني في بداياته، ومازالت هذه المدرسة تلقى العناية من هذا المجمع حتى بعد انتقال رئاسته».

شهدت هذه المدرسة أحداثاً كبيرة ونزل بها عباقرة العلماء والأدباء، فكانت سجلاً لتاريخ دمشق عبر العصور، وفي العصر الحديث نزل كبار المفكرين والشعراء العرب الأعضاء في المجمع العلمي العربي، وربط المدرسة الظاهرية معها أيضاً، فصارت المدرستان أكبر مؤسسة علمية في الوطن العربي في ذلك الوقت

وحول المخطط العام لهذه المدرسة يقول "ياغي": «يفتح المدخل الرئيسي للمدرسة بواسطة الواجهة الشرقية حيث يدخل منه لدركاه معقودة يفتح بها ثلاث فتحات "أبواب"، الأول على اليسار الداخل ويدخل منه للقبة، والآخر على يمن الداخل ويؤدي إلى أجزاء الطابق العلوي، والباب الثالث يؤدي مباشرة للإيوان الشرقي ومنه لصحن المدرسة ذي المسقط شبه المربع والذي تشرف عليه أربع واجهات داخلية، الواجهة الشرقية أصلية، والغربية مجددة كلياً، وواجهة جنوبية خلفها رواق الصلاة أو الحرم، بينما يفتح بالواجهة الشمالية إيوان كبير، بينما تحتل "القبة الضريحية" الزاوية الجنوبية الشرقية».

ضريح الملك العادل

يضيف الدكتور "ياغي": «بنيت هذه الواجهات بالحجر الكلسي الجيد ارتفاع مداميكها قرابة 60 سم تنتهي بأعلاها بطنف من الحجر المقولب وهي خالية من الزخارف، يفتح بها بعض الشبابيك المستطيلة المغطاة بأعتاب يعلوها عقود عاتقة، تعتبر الواجهة الشرقية أهم هذه الواجهات، حيث يحتل المدخل الرئيسي منتصف هذه الواجهة تقريباً وهو عبارة عن حنية رأسية غائرة ترتفع بارتفاع الواجهة المسقوفة بقبتين صغيرتين تتشكل كل منهما من صفوف من الحجارة المقرنصة وتفتح هذه الحنية للخارج بعقدين صغيرين، ويقع باب الدخول أسفل الحنية وهو مستطيل مكون من حجارة "بيضاء وسوداء" ويؤطر كامل كتلة المدخل وباب أيضاً شريط من الزخارف الهندسية يعلوه للأعلى شريط من الزخارف الكتابية تحمل تاريخ ترميم حديث "1919"، كما أن المدرسة العادلية دمرت على يد "غازان" وهجرت، ثم جددت وافتتحت وأعادت المدرسة سيرتها الأولى، ثم دمرت مرة أخرى على يد "تيمور لنك"، وبعدها أعيد بناؤها للمرة الرابعة».

كما التقينا "ناهد تقي الدين" مديرة "المدرسة العادلية"، فتقول: «شهدت هذه المدرسة أحداثاً كبيرة ونزل بها عباقرة العلماء والأدباء، فكانت سجلاً لتاريخ دمشق عبر العصور، وفي العصر الحديث نزل كبار المفكرين والشعراء العرب الأعضاء في المجمع العلمي العربي، وربط المدرسة الظاهرية معها أيضاً، فصارت المدرستان أكبر مؤسسة علمية في الوطن العربي في ذلك الوقت».

باب الرئيسي للمدرسة

تضيف "تقي الدين": «تعد المدرسة العادلية من أهم الأبنية الأثرية في سورية، حيث تعتبر نموذجاً للهندسة الأيوبية، من حيث التخطيط ورصانة البناء والعناصر المعمارية الصنع، المدرسة مؤلفة من واجهة شرقية يؤدي بابها ذو الهندسة الفريدة إلى دهليز واسع مسقوف بقبوة ويأتي بعده باب آخر يفتح على إيوان مطل على صحن المدرسة، وفي الصحن المربع إيوان كبير من الشمال وثمة غرف في الجهة الغربية، وواجهة المدرسة مبنية من الحجر الكلسي وينتهي في الأعلى بطنف، أما البوابة فهي غنية بهندستها وزخارفها وهي حنية عالية يغطيها عقد حجري في وسطه حجر مدلى طوله 220سم، وعلى طرفيه قوسان مفصصان ثلاثيان، وللباب إطار حجري بمداميك ملونة مع إطار آخر ذي قوالب زخرفية، ولقد غطيت أرض الصحن بحجارة ذات ترتيب زخرفي شطرنجي وفي وسطها بركة ماء مربعة، وقد طرأ على المدرسة العادلية مع الزمن بعض التعديلات نتيجة لأعمال الهدم والترميم، لكن الأقسام الرئيسة ما تزال تحافظ على وضعها القديم».

وحول التربة " القبة الضريحية" يقول "ياغي": «تقع التربة في الزاوية الجنوبية الشرقية للمدرسة، وتضم قبر الملك العادل وقبر ابنه الأمير "مجير الدين"، وهي عبارة عن مساحة مربعة ذات أربعة جدران تعلوها قبة محمولة على عدة عقود جدارية في كل جدار منها ثلاثة عقود متراكبة تبرز عن بعضها لتصغر قطر القبة حيث يعلو رقبة القبة المثمنة في زوايا المربع صفوف من الحنيات المقرنصة، ويحتل المساحة بين كل زاويتين شباكان معقودان مفتوحان بهذه الرقبة، ويعلو ذلك خوذة القبة وقطاعها نصف دائري مائلة للطول وهي ذات مقطع مدبب، وتفتح التربة على الواجهتين الخارجيتين الشرقية والجنوبية بشباكين مستطيلين يعلو كل منهما عتبة مدببة، كما يتوسط الشباكين الجنوبيين دخلة المحراب المشابه لمحراب رواق الصلاة».

دكتور؛ غزوان ياغي