عنه كتب الشاعر الفرنسي المعروف "لامارتين": «الشعب الذي يبني مبنى كهذا يستحق أن يعيش». لما فيه من روعة في البناء. ويعد "خان أسعد باشا" من أعظم وأجمل الخانات في الشرق، من حيث المساحة والطراز المعماري الإسلامي.

فهو يقع في مدينة "دمشق" القديمة، جنوب شرق الجامع "الأموي"، وسط سوق "البزورية"، بين المدرسة "التنكزية" وحمام "نور الدين الشهيد"، يطل من الجهة الجنوبية على "سوق الورق" الضيق ويحتوي في هذه الجهة على 16 دكانا، أما الجدار الشرقي فيطل على زقاق ضيق يدعى نزل "معاوية"، أمر ببنائه والي "دمشق" العثماني "أسعد باشا العظم"، الذي حكمها ما بين عامي (1156-1170هـ) (1743-1757م)، والذي أراد إنشاء خان يعد من أعظم خانات عصره، وكان له ما أراد، حيث استمر بناؤه 14 شهراً بدءاً من عام (1166هـ/1751م) وانتهاءً بعام (1167هـ/1753م).

القوافل كانت تدخل بجمال وأحصنة توزع البضائع ويتم التبادل التجاري فيه، وهناك باب فرعي لخروج الجمال، ومن الجدير ذكره أن الاصطبلات كانت خارجية

موقع eSyria حول الخان "عمارته، أهم الأحداث التي حصلت له، ترميمه وتوظيفه.." كانت الوقفة أولاً مع الفنان التشكيلي "هيثم مصطفى" الذي قال: «يعتبر الخان من أجمل المعالم المعمارية في سورية وهو من المعالم الخاصة والتي لها هوية معمارية تميزه، فما أن تشاهد صورة أي جزء منه حتى تكتشف أنك تنظر إلى "خان أسعد باشا"».

غادة سليمان

أما الزائرة "حنان علي" فقد قالت: «الحقيقة كلما مررت في سوق "البزورية" أجد نفسي مدفوعة للدخول إلى هذا الصرح الجميل ببنائه وفضائه، وقد سبق أن شاهدته في مسلسل "سحر الشرق" وهذا المكان حقيقة فيه سحر الشرق».

لكن الآنسة "غادة سليمان" مديرة الخان أضافت: «بدء في بناء الخان سنة 1751م، بأمر من "أسعد باشا العظم" والي "دمشق" آنذاك في القرن الثامن عشر، والغاية من بنائه أن يكون مقراً أساسياً للتجار، حيث كان "دمشق" أحد أهم محطات طريق الحرير، انتهى بناؤه سنة 1753 وذلك حسب المؤرخين المعاصرين له، فاستغرق بناؤه حوالي سنة وشهرين لا أكثر، السرعة بإنجاز العمل هي ليكون مكاناً أساسياً لتواجد التجار ويكون مكان كبير وواسع، فهو من أكبر الخانات في الشرق الأوسط، فمساحته تتجاوز الـ"2500م2"، وعمارة الخان تتميز بالعمارة المشهورة بـ"الأبلق" المتناوبة بين الأبيض والأسود واشتهرت في "دمشق" في فترة القرن الثامن عشر».

مقرنصات البوابة الرئيسية

وتحدثت عن التفاصيل المعمارية: «المدخل: البوابة من الخشب المصفح بالحديد، والحديد فيه نوع من المسامير وهي نوع من الأرابيسك العربي، عند المدخل هناك سبيلين للمياه كان يتزود منهم القادمين إلى الخان، ويشربوا المياه العذبة للشرب والغسيل والاستراحة، إضافة إلى مقاعد الاستراحة قبل الدخول، نرى على جانبي المدخل أعمدة، وهي نوع من الزخارف الجدائل، تعود إلى العصر اليوناني كزخرف معماري، إضافة إلى المقرصات من العصر الإسلامي، والخان عبارة عن مزيج من الحضارات التي مرت على سورية بالعناصر المعمارية والزخرفية».

وأضافت عن الحجارة إن كانت منحوتة للخان تحديداً، وليست مجلوبة من البيوت الدمشقية كما سبق أن فعل الوالي "أسعد باشا" عند بنائه لـ"قصر العظم" بالقول: «حجارة الخان معمولة بشكل عام له تحديداً، والفترة التي بني فيها تم صرف مبالغ طائلة لبنائه، وجند العمال والمهندسين من كل أنحاء الولاية حتى بنى هذا الصرح المعماري، هناك بعض المؤرخين يقولون إنه جند معماريين من "حلب"، وللأسف تم تغييب اسم المعماري الذي صممه نهائياً، الحجارة أحياناً من جنوب "دمشق"، أو من محيط "دمشق" بشكل عام وخصوصاً الحجارة البيضاء، منحوتة للخان تحديداً، "المقرنصات" التي ترجع للعصر الإسلامي الأيوبي، يقول المؤرخون إنه كان هناك ياقوتة على عتبة الباب ولكنها فقدت عند حدوث الزلزال الكبير الذي أحل بمدينة "دمشق"،

شموخ الخان

طول المدخل 6 أمتار، وسقفه مؤلف من جزأين، سقف فيه زخارف حجرية، والسقف الآخر فيه زخارف الحضارة العربية الإسلامية، كالنجمة والزخارف الهندسية، التي بدأت تنتشر مع الحضارة العربية الإسلامية، ويمكن القول إن المبنى عثماني وقد استفاد من كل الإرث العربي الإسلامي الذي سبقه في سورية».

وتابعت تقول: «في تفاصيل العمارة أجزاء نسيج من الحضارات السورية، قبل الدخول على الباحة هناك درج يصل للطابق الثاني من اليمين واليسار، ومن ثم الباحة تتوسطها البحرة فيها أربعة أعمدة تحمل تسع قبب مدروسة بشكل هندسي نظامي، وهي متناوبة في الارتفاع والانخفاض ومتناظرة، واحدة عالية والأخرى منخفضة لتوزيع التهوية والضوء بشكل عام، والارتفاع ليكون هناك صدى عند الكلام، وجميع القباب كانت مزخرفة ، بزخرفة عربية، لكن الأقواس عثمانية بحتة، في نهاية الأقواس بعض الزخارف البسيطة ونسميها "أطناف"، ترجع للفترة الرومانية والحضارة الرومانية التي هي جزء من الحضارة السورية، الخان عبارة عن طابقين، الطابق الأرضي مؤلف من 40 غرفة موزعة على أجنحة، كل جناحة عبارة عن غرفتين أو ثلاثة كانت مخصصة لتخزين البضائع، والسجلات، وكيف كانت تتم المبادلات التجارية ونقلها من مدينة لمدينة، الطابق الثاني مؤلف من 44 غرفة مخصصة للمنامة، غرف مختلفة المساحة والشكل عن الطابق الأرضي، بالإضافة لغرفة مرتفعة في الطابق الثاني كانت مخصصة لمدير الخان سابقاً، وتطل على السوق ليرى من خلالها الحركة التجارية وحركة القوافل».

وعن حركة القوافل داخل الخان تقول: «القوافل كانت تدخل بجمال وأحصنة توزع البضائع ويتم التبادل التجاري فيه، وهناك باب فرعي لخروج الجمال، ومن الجدير ذكره أن الاصطبلات كانت خارجية».

وعن أهم الأحداث في الخان قالت"غادة سليمان": «في عام 1757 تعرضت "دمشق" لزلزال كبير مدمر وتهدمت أجزاء كبيرة منه، تعرض أيضاً للحريق وتهدمت مجموعة من القباب، وفي بداية القرن التاسع عشر قام تجار سوق البزورية ففتحوه ورمموه واستملكوه، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي قامت مديرية الآثار ووزارة الثقافة باستملاك الخان، وأخلوا المكان وأعطوا التعويض للقائمين عليه، الغرف التي نراها كانت عبارة عن دكاكين ومحلات في الفترة التي قام فيه التجار بالمحافظة عليه ككتلة معمارية، ففي داخل الخان كنا نرى الكثير من الأسقف المهدمة والغرف المخرّبة، ولكن عندما سكن التجار رمموا القباب، وهذا ما حافظ عليه كإنشاء معماري».

وعن إعادة تأهيله من جديد توضح "غادة سليمان": «بدأت أعمال الترميم من قبل مديرية الآثار، من مواد ودراسات، تدعم السطح والقباب أثناء عملية الترميم، والأعمدة تم تدعيمها بشكل كامل من أجل مقاومة عوامل الزمن، وقد قام بذلك مهندسي مديرية الآثار المهندس "إبراهيم معماري"، والمهندسة "خزامة جبور"، وفي منتصف التسعينيات انتهت أعمال الترميم وتم توظيفه كمتحف للتاريخ الطبيعي، ولكن هذا المشروع توقف لأسباب مجهولة، ونحن الآن نستعمله للنشاطات الثقافية، فقد وظفناه ثقافياً، في عام 2005 أو 2004، حيث تم تركيب القبة الصناعية، وتم تركيبها لحماية المبنى، الغاية الأولى والأساسية من القبة الصناعية لحمايته كمتحف، حتى لا يتعرض للسرقة أو التخريب أو أي شيء، وقامت المهندسة "عبير عقابي" بالإشراف على أعمال الصيانة للقبة وبعض الغرف، توقف مشروع المتحف نهائياً عام 2006، وبقي مركزاً للنشاطات الثقافية، معارض الفن التشكيلي، وحفلات موسيقا، وندوات عامة، وتم فتحه للزيارات بشكل عام للسائحين الأجانب والعرب والسوريين، حتى يرى الناس أحد أهم معالم "دمشق" الجميلة والهامة، وهو من المباني القليلة المحافظ عليه ككتلة معمارية».

وتتابع: «بأن الكثيرين طرحوا فكرة تحويله إلى فندق، وبعض الوفود الأجنبية تطرح هذا السؤال ونجيبهم بأننا نحافظ على هويته التراثية والتاريخية، فإن تحول إلى فندق فسيفقد بعض معالمه وقيمته التاريخية والتراثية».

وعن الأبواب الموجودة في الخان توضح"غادة سليمان": «بالنسبة للأبواب والنوافذ، هي أصلية، تم ترميمها من فريق عمل من مديرية الآثار، مختص بإشراف الأستاذة "إلهام محفوظ"، لمعالجة الخشب والمحافظة عليه وتقويته بمواد حتى لا يتعرض للتسوس أو التفت الأبواب في الطابقين "الأرضي والثاني"، فيهم نماذج من الأرابيسك العربي المنفذة بخطوط عبارة عن مسامير حديدية».

وتتابع: «بالنهاية الخان نتاج ثقافي سوري عن كل الحضارات، الشيء الخشبي الوحيد الموجود في الخان هو الدرابزين الموجودة في الطابق الثاني والذي أخذت تصاميمه من لوحات المستشرقين الذين زاروا الخان ورسموه في القرن الثامن عشر».