مدينة "دمشق" من أقدم عواصم العالم وأعرقها تاريخاً وحضارةً إنسانية، فلم تقف عند التاريخ والتراث بل امتدت إلى مهن أثرتْ بتاريخها هذه المدينة، فكان كل دمشقي يتعلم مهنة منذ طفولته حتى هرمه ويعلمها لأبنائه من بعده.

مدونة وطن eSyria بتاريخ 13/3/2008 التقت في سوق "مدحت باشا" التاريخي الشاب "محمد خير علي بك" مالك أحد المتاجر هناك، فتحدث عن مهنة "الخياطة، وصناعة القبعة، والطربوش" بالقول: «نعطي الخيط للنساء العاملات ليقمن بصناعة هذه القبعة، وعادة ما يتم ارسال نوعين من القطن أو الصوف، فينجزن عملهن بالمنازل بطريقة السنارة وبعدة أشكال وموديلات أشهرها "قبعة الحجيج" البيضاء التي تصنع من خيط القطن يدوياً، وهي تمتاز بمهارة فنية في صنعها وتستهلك جهداً كبيراً، وحسب السوق فإن قبعة الحجيج هي المطلوبة بشكلٍ عام، وخصوصاً لدى الباكستانيين والأفغان لما تتميز به من أشكال جميلة في الصنع، ومقتبسة من التراث الإسلامي. وهناك نوعان من القبعات الدمشقية إحداها للرجال، والأخرى للسيدات، وأما قبعة النساء فمنها "اللف" وهي تصنع بطريقة السنارة ويضيفون إليها أحياناً الخرز، ويمكن استخدام ماكينة الخياطة اليدوية فيها، وهي مدورة وتشبه قبعة الحجيج بزيادة بعض الإضافات من أشكال أوسع وأجمل.

أنا أعشق التراث الدمشقي حتى بلباسه، وأعجب بكل شيء قديم يحوي مزجاً بين الماضي والحاضر

ومنها قبعة "المقصب" وهذه تتميز صناعتها بالدقة والصعوبة، لذلك فهي غير مرغوب بها من العاملات بالخياطة، وتصنع بنفس طريقة قبعة اللف مع إضافة أكثر للخرز والقصب.

النول الخاص بصناعة البروكار

والرجالي يقسم إلى نوعين: قبعة "التركي الرف"، و"الطربوش"، والتركي الرف عبارة عن قبعة تصنع بآلة الخياطة العادية ومن ثم تدرز مع رف تصنعه آلات خاصة بها، وهذه القبعة أكثر استخداماً للشباب والشابات».

الشاب "محمد الخير" يعتبر "قبعة الرف" مهمة جداً له وخصوصاً في الصيف، لدورها المهم في حماية الرأس من أشعة الشمس، وتعطي المظهر المناسب وخصوصاً مع الثياب المناسبة لها.

العامل أثناء تصنيع الفضة

أما "الطربوش الأحمر" فيصنع بالطريقة اليدوية بلف الكرتون المقوى على شكل يشبه الأسطوانة، ومن ثم خرزه من جانبيه وإلباسه القماشة المخملية الحمراء باستخدام اللاصق وثقب أعلاه من أجل إدخال "الشبشول" الذي هو عبارة عن عدة خيوط مجدولة مع بعضها بعضاً، ومن ثم ربطه بعقدة من الداخل بشكلٍ متين».

الحاج "حسن الفرا" قال إنه يلبس "الطربوش" في أيام رمضان عند نزوله إلى "مقهى النوفرة" وسماعه حكواتي المقهى ما يعطيه أحساساً بالتراث العربي الأصيل.

أحد محلات سوق المهن اليدوية

السائحة "ايميلي ناثان" من "اسكوتلندا" كانت تشتري القبعة فسألناها عن سبب شرائها فأجابت: «أنا أعشق التراث الدمشقي حتى بلباسه، وأعجب بكل شيء قديم يحوي مزجاً بين الماضي والحاضر».

والتقينا أيضاً السيد "هيك ليفون كبجيان" صاحب متجر "لصياغة الفضة" في سوق المهن اليدوية فتحدث عن مهنته وقال: «تعلمت المهنة من أبي، وأبي تعلمها من جدي، وأنا أحبها جداً مع أن أبي خيرني في أن أكمل دراستي، أو أعمل بالمهنة فاكتفيت بالثانوية وتفرغت للمهنة بعد ذلك. لقد أدخلت على صياغة الفضة القماش والخشب والنحاس والخزف، وأقوم بكافة الأعمال هنا مع توجيهات أبي الضرورية بحكم خبرته الطويلة بهذه المهنة، ونحن موجودون في هذا السوق منذ عقود».

الشاب "كنان طافش" يعمل بمتجر السيد "أحمد الكشكي" بالتكية السليمانية في "سوق المهن اليدوية" فتحدث لنا عن "صناعة الحرير - البروكار": «هو حرير طبيعي تدخل بصناعته الخيوط الذهبية والفضية التي تزيد من رونق القماش وجماليته، ويصنع باستخدام النول اليدوي الموجود منذ حوالي ثمانين عاماً، ويقسم إلى:

"الجاكار": وهو مثل الكمبيوتر تقريباً يوضع عليه الكرتون المثقب ويتحكم بالخيوط الذهبية التي يسمونها "الشبكة"، وكل خيط يوضع بداخل ما يسمى "النير" أو الإبر الحديدية الموصولة بالشبكة، وهناك أقسام أخرى للنول منها "الدفة، والمطوي" الذي ينقسم إلى "السداء، والقَماش" و"المكوك" الذي يدخل الألوان. وأما "المشط" فيعمل على رص الخيوط أو مزجها بالقماش، وعدد الخيوط بالحرير النولي يتراوح بين 5600 خيط إلى 8150 خيطاً، والإنتاج يتراوح بين 35 سم إلى المتر والنصف، وكلما زاد عدد الألوان في القماش يزداد عدد الخيوط فيه، وهذا يؤدي إلى جهد أكبر وصعوبة أكثر في العمل، وفي مجال الألوان الداخلة بالأقمشة تتراوح من لونين إلى سبعة. وبدخول الأجهزة الجديدة والآلية انتهى عصر نولات الحرير اليدوية وحلت الآلة مكان هذه النولات مع تمنياتنا بالإبقاء عليها وتجديدها والعمل فيها، لأن كل ما هو يدوي يتميز بالبراعة والإتقان في الصناعة. وللذكر هناك نولان للحرير في دمشق، الأول في "سوق الحميدية" بمدرسة العظم، والثاني في متجر السيد "أحمد الكشكي" ومعظم من يبتاع "البروكار" هم السياح الأجانب بنسبة تسعين بالمئة

(*) تم تحرير المادة بتاريخ 13/3/2008.