بعد الارتفاعات الأخيرة التي شهدها سعر الغرام الواحد من الذهب ولأول مرة في تاريخ سوق الصياغة السورية، متجاوزاً عتبة 1750 ل.س من عيار /21/، وعتبة 1415 ليرة للذهب عيار/ 18/، فإن اتجاه الناس إلى اقتناء أوزان من الذهب تزيد على 50 غراماً بات ضرباً من الخيال وفق ما أوضحه كثير من الصّياغ الذين التقى بهم موقع eSyria أثناء تجواله في سوق الصاغة.

التقينا عدداً من الصاغة في سوق الذهب في "الحريقة" للوقوف على آرائهم فيما يخص سوق الذهب وحركة الطلب عليه، يقول الصائغ "إنطوان أكرم": «إن الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الناس وقلة السيولة المالية وتذبذب سعر الذهب بالارتفاع جعل المواطن "يعّد للعشرة" قبل إقدامه على شراء الذهب الأمر الذي انعكس سلباً على حركة الطلب في محال تجار وأصحاب ورش الصياغة الذين انحسر عددهم إلى ما دون 60 ورشة صياغة بعد أن كانت 700 ورشة في "دمشق" وحدها، فقد كنت أحد ملاك ورش صياغة الأساور المبطنة في "دمشق" واضطررت إلى إغلاق ورشتي بعد ارتفاع سعر الذهب وغلاء أجور العمال، إضافة إلى الضرائب والرسوم المفروضة من جانب وزارة المالية والجمارك التي تزيد من العبء على أصحاب الورش وأصحاب محلات الصياغة».

كل هذه الارتفاعات التي يشهدها سعر الذهب لا يدفع ثمنها إلا المواطن الذي قلّ شراؤه للذهب الأمر الذي انعكس سلباً على الصياغ الذين باتوا يشتكون قلة الطلب على هذا المعدن النفيس

أما الصائغ "مرزوق شاوي" فلا يختلف كثيراً عن "إنطوان" فهو أيضاً وفق ما بيّنه للموقع يعاني من قلة طلب الناس على الذهب والكمية القليلة التي يشترونها والتي لا تتجاوز أحياناً خاتماً أو إسوارة، مطالباً الجهات المعنية بضرورة السماح باستيراد الذهب الخام والمشغول برسوم منخفضة ليتمكنوا من صنع موديلات حديثة تجنباً للقديمة منها ومنعاً من تكرارها، باعتبار أن ذلك يحفز التنافس بين الصياغ الأمر الذي يفسح المجال لتعدد الخيارات أمام الناس، مشيراً إلى أن "الخياسة" أو فاقد جلي وتلميع وحس الذهب تزيد من تكلفة التصنيع وبالتالي من السلعة وهو أمر هام يجهله كثير من الناس.

ليون خزنيان

كما اشتكى الصائغ "ليون جزينان" هو الآخر من قلة الطلب قائلاً: «كان الناس في السابق يشترون 100 غرام من الذهب أما الآن وبسبب غلائه فإنهم يكتفون بـ 10 غرامات فقط نظراً لارتفاع الذهب بشكل جنوني، وهذا ما دفع كثير من أصحاب ورش الصياغة في دمشق وخارجها إلى ترك هذا الكار غير المربح، كما أن عملنا اليوم أصبح مقتصراً على تبديل ما لدى الناس من ذهب قديم بالجديد».

بدوره يقول الصائغ "محمد حجازي": «في السابق وقبل 5 سنوات كان سوق الذهب يشهد حركة نشطة للناس لاقتناء الذهب وأكثرهم كان من الشباب الراغبين بالزواج، وأما الآن فسوق الذهب في تراجع وركود تامين، فمن يريد أن يشتري ذهبا فإنه يكتفي بقطعة أو قطعتين خفيفتين وبالتراضي بين شريكي الزواج».

من جهته بين "جورج صارجي" رئيس جمعية الصاغة والمجوهرات في "دمشق" سبب ارتفاع الذهب قائلاً: «أصبح الذهب ملاذاً آمناً للكثير من المستثمرين خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة الرهن العقاري والارتفاعات التي طالت سعر غرام الذهب، كما أن المضاربة في البورصات العالمية ومعدلات الفائدة المنخفضة وتصنيع الصين وتصديرها للذهب، إضافة إلى تقديسه من قبل "الهند" وتكديسه لديها كان من أسباب الارتفاع».

توقع "صارجي" أن يواصل الذهب ارتفاعاته الجنونية حتى نهاية العام الجاري إلى ما يقارب 2000 ليرة للغرام الواحد، مشيراً إلى أن أسواق الذهب تشهد ركوداً كبيراً وقلة في الطلب عليه نظراً لعدم السماح للصياغ بصناعة الذهب الخام أو عدم السماح لهم بتصدير الذهب المشغول إلى الدول الأخرى كالخيلج، إضافة إلى الرسوم المالية والجمركية وضريبة الأرباح التي تفرض على الذهب الخام، مستغرباً ذلك في حين أنه معفى من الضرائب في دول العالم الأخرى.

جورج صارجي

وبيّن "صارجي" أن «كل هذه الارتفاعات التي يشهدها سعر الذهب لا يدفع ثمنها إلا المواطن الذي قلّ شراؤه للذهب الأمر الذي انعكس سلباً على الصياغ الذين باتوا يشتكون قلة الطلب على هذا المعدن النفيس».

يذكر أن وزارة الاقتصاد والتجارة أصدرت مؤخراً قراراً بالسماح باستيراد الذهب المشغول وكذلك السماح للصياغ ببيع منتجاتهم في المعارض الخارجية إلا أن القرار لم يرض الصياغ وجمعيتهم باعتبار أن السماح بالاستيراد سيترافق مع رسوم مالية عالية ستزيد من تكاليف تصنيعه وبيعه في الأسواق.