لا يخفى على أحد ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من عجز في الموارد المائية اللازمة لتلبية متطلبات التنمية بمجالاتها كافة، نتيجة الجفاف، وانخفاض معدلات الهطول المطري في السنوات الأخيرة، وتدني كفاءة استخدام المياه، وضعف إدارة الموارد الطبيعية، واستغلالها بطريقة غير سليمة.

سورية وبحكم موقعها ضمن منطقة الشرق الأوسط تأثرت كثيراً بهذه العوامل ولاسيما في مجال الزراعة، فكان التأثير كبيراً وواضحاً في تراجع الأرقام الإنتاجية لمعظم المحاصيل ولاسيما محصول القمح الذي تراجع من 4.7 مليون طن عام2002 خلال المواسم ما بين عامي 2002-2006 إلى 1 مليون و125 ألف طن خلال موسم 2007-2008، ولئن كان القمح هو أساس الأمن الغذائي، فإن الأمر يستدعي منا جميعاً البحث عن أفكار ورؤى، تمكننا من تحقيق أعلى إنتاجية من القمح، مع الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة لتحقيق مبدأ استدامة الأمن الغذائي.

هذا يعني توفير مستلزمات إنتاج الغذاء ذو المنشأ الحيواني "منتجات الألبان واللحوم والأسماك والبيض" الذي يعتبر جزءاً من الوجبة الغذائية الأساسية للإنسان ونسبته مؤشر على جودة الغذاء

موقع eSyria حمل هذه الحقائق والمخاوف من آثار الجفاف على أمننا الغذائي ليلقيها في جعبة الأستاذ الدكتور "محمد فواز العظمة" مدير عام الهيئة العامة للتقانة الحيوية، والأستاذ الجامعي في كلية الزراعة بجامعة "دمشق"، ليضعنا في صورة الأفكار والآراء العلمية والواقعية، التي يمكن البناء عليها لتحقيق ديمومة الأمن الغذائي.

د."محمد فواز العظمة"

فكان جواب الدكتور "العظمة" وبلا تردد أن البحث العلمي هو العنصر الحاسم في تعزيز واستدامة الأمن الغذائي في سورية مضيفاً: «يزرع في سورية نحو مليون هكتار بالقمح البعلي في مناطق الاستقرار الأولى والثانية مقابل 750 ألف هكتار تقريباً للقمح المروي الذي يوفر الجزء الأكبر من الإنتاج الكلي لارتفاع مردوده نسبياً 4.4طن/هـ عام 2006 أي ما يعادل نحو 60% من الإنتاج في السنوات العادية، وأكثر من ذلك بكثير في السنوات العجاف كالموسم الحالي 2008».

وأوضح الدكتور "العظمة" أن تنبؤات تغير المناخ فيما يخص منطقتنا تشير إلى ارتفاع الجفاف النسبي العام وانحسار الهطولات عموماً مع ارتفاع نسبي عام في درجات الحرارة وازدياد كبير في تذبذب الحرارة وتوزع الهطولات ضمن الموسم ومن موسم لآخر، وهذا الأمر سيؤدي حسب مدير عام هيئة التقانة الحيوية إلى تكرار فشل الزراعات البعلية، وخسارة الإنتاج، والعزوف عن الزراعة، ولذلك لا بد من توجيه المزارعين إلى أنظمة زراعية جديدة أكثر استقراراً، ويؤكد الدكتور "العظمة" أنه من خلال النتائج الواقعية لموسم 2008 أصبح القمح البعلي عاجزاً عن المساهمة في توفير الأمن الغذائي باعتباره عرضة لتقلبات مناخية متزايدة، وغير قابلة للتوقع، ولذلك فإن تحقيق الأمن الغذائي في سورية هو بالاعتماد الكلي أو شبه الكلي على القمح المروي.

لكن كيف يمكن تحقيق ذلك ولا سيما أن معدلات مردود القمح المروي في سورية منخفضة جداً بالمقارنة مع الأرقام العالية؟

يجيب الدكتور "العظمة" فيقول: «نستطيع مع الطاقة الوراثية الكامنة في الأصناف المتوفرة حالياً زيادة المعدلات الحالية والبالغة 4-4.5 طن إلى 8-9 طن هكتار وهو هدف واقعي جداً، وهذا يعني إنتاج ما لا يقل عن 7 مليون طن تمثل ضعفي حاجة القطر بما فيها البذار، كما توفر المخزون الاستراتيجي وفائضا ملموسا للتصدير، أو التبادل مع محاصيل أخرى كالرز والذرة والصويا».

وأضاف الدكتور "محمد فواز العظمة": «سيوفر نقل زراعة القمح بالكامل (أو تقريباً) إلى الأراضي المروية مساحة تبلغ حوالي مليون هكتار من مناطق الاستقرار الأولى والثانية، ما يسمح بنقل زراعات الشعير والحمص والعدس والذرة البيضاء والبقوليات العلفية إليها، مما يزيد من مردودها العام، ويجعلها أقل تعرضاً للجفاف وتقلبات المناخ».

وهنا يؤكد السيد "العظمة" ثانية وجود طاقة وراثية كافية في أصناف الشعير المتوفرة حالياً تمكن من مضاعفة المردود، إذا توفرت ظروف بيئية أفضل وبخاصة في حال تم نقل زراعة الشعير بصورة أساسية إلى مناطق الاستقرار الأولى والثانية.

ويضيف مدير عام هيئة التقانة الحيوية: «هذا يعني توفير مستلزمات إنتاج الغذاء ذو المنشأ الحيواني "منتجات الألبان واللحوم والأسماك والبيض" الذي يعتبر جزءاً من الوجبة الغذائية الأساسية للإنسان ونسبته مؤشر على جودة الغذاء».

ورأى الدكتور "العظمة" أن استدامة الأمن الغذائي يمكن أن تتحقق إذا غيرنا جزء من عاداتنا الغذائية، فالبطاطا جزء هام من الأمن الغذائي لكثير من دول العالم مثل ألمانيا، وقد بدأت البطاطا في بلدنا تحل جزئياً محل القمح بالتدريج في الوجبة اليومية للمواطن، مشيراً إلى ضرورة وضع استراتيجية معينة في توفير البطاطا على مدار العام بأسعار مقبولة مع بعض الفائض للتصدير، ومن خلال توفير البذار للعروات المختلفة، وتوفير التخزين المبرد لجزء من محصول العروة الربيعية، خاصة وأن البطاطا تختلف جذرياً عن القمح في عدم القابلية للتخزين الطويل.

ويختتم الدكتور "العظمة" حديثة بالقول: «كل ما سبق ذكره يمكن تحقيقه من خلال جملة من الإجراءات منها اعتماد نظام موحد نموذجي لري القمح بالرذاذ وإدخال الأتمتة لتوقيت الري، الاستثمار الأقصى لمشاريع الري، والهدف هو مضاعفة مردود القمح خلال مدة خمس سنوات، والاعتماد عليه كأساس للاكتفاء الذاتي بنفس المساحات ومياه الري المتوفرة حالياً، مع مضاعفة الإنتاج من محاصيل الشعير والحمص والعدس والبقوليات في مناطق الاستقرار الأولى التي أخليت من زراعة القمح حوالي مليون هكتار.

أخيراً: سابقاً كنا نعتز ونفاخر باحتياطنا الاستراتيجي من القمح مع فائض تصديري، واليوم بتنا نتحسس ونضع أيدينا على قلوبنا خوفاً على هذا الاحتياطي من الزوال، ما يستدعي البحث والتقصي عما كنا عليه وأصبحنا فيه، فهل نستفيد مما أشار إليه الدكتور "محمد فواز العظمة"؟؟.