بين مجموعة من البيوت القديمة المتناثرة على الجهة الغربية لمحيط قلعة دمشق، ثمة بقعة خضراء هادئة تنقل الزائر من تلوث وضجيج المدينة المعتاد إلى نقاء الطبيعة وهدوئها الآسر، حديقة من النباتات والأزهار التي تسرق قلوب المارة بجمال ألوانها وحسن تنسيقها، باختصار منظر يريح النظر بعد مسير طويل عبر الأبنية الإسمنتية والطرقات الإسفلتية.

في تلك المنطقة التي تشهد يومياً حركة ازدحام وصفت بالأعلى بين أحياء العاصمة وأسواقها، تقع الحديقة البيئية، وحسب ما تذكر "فاتن دعبول" المسؤولة الإعلامية في الجمعية السورية للبيئة الجهة المنفذة لتلك الحديقة فهي أول حديقة في "سورية" وكانت نتيجة لاجتماع مجموعة من السيدات المثقفات اللواتي أردن إظهار جمال مكان تحوّل إلى مكبّ للنفايات بعد أن كان حديقة غنّاء، وكان الإصرار كبيراً لإعادة المكان أجمل من قبل لكثير من الأسباب منها مجاورته للعديد من الأماكن الأثرية والدينية، حيث يحدّ الحديقة قلعة دمشق ونهر بردى، ويليها المسجد الأموي ومقام السيدة رقية (ع)».

بدأت السيدات بالبحث عن المراجع التي تساعدهن في معرفة النباتات التي تلائم المنطقة، وبسبب ندرة المراجع بدأ البحث ذاتياً وإحصاء النباتات والأشجار التي يمكن وجودها ضمن الحديقة، ليتم افتتاح الحديقة عام 2005، كما تم التفكير في ضمان استمرار الحديقة لذا تم إنشاء مقهى بطابع دمشقي داخلها لتتم الاستفادة من مدخوله في تلبية احتياجات الحديقة من نباتات وأشجار وبذور وأسمدة وأدوات زراعية وغيرها

الفكرة الأولى كانت لإنشاء حديقة بيئية، ثم جاء اختيار المكان ليضيف مزيداً من الأهمية على المشروع، وتضيف "فاتن" في حديثها لمدوّنة وطن " eSyria": «بدأت السيدات بالبحث عن الجهة التي تعود ملكية الأرض لها، فكانت وزارة الداخلية التي قامت بالتنازل عن المكان لمصلحة وزارة الزراعة بعد معرفتها بالمشروع البيئي الذي تسعى السيدات لتنفيذه، وبدورها وكلت محافظة دمشق للتصرف بالملكية، ليتم وضع الأرض تحت تصرف السيدات، وبعد دراسة المشروع ووضع الأسس للبدء به كانت التكلفة المادية أكبر من قدرة السيدات، لذا توجهن لمخاطبة السفارة السويسرية التي كانت تعنى بإقامة مشاريع تنموية وبيئية في البلدان الموجودة فيها، وكي تحصل السيدات على صفة رسمية قمن بتشكيل الجمعية السورية للبيئة التي كانت أول جمعية أهلية تعنى بالبيئة في سورية، وهي تتبع اليوم لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل».

جزيرة النباتات المائية

وتتابع "فاتن" الحديث عن الخطوات اللاحقة للمشروع: «بدأت السيدات بالبحث عن المراجع التي تساعدهن في معرفة النباتات التي تلائم المنطقة، وبسبب ندرة المراجع بدأ البحث ذاتياً وإحصاء النباتات والأشجار التي يمكن وجودها ضمن الحديقة، ليتم افتتاح الحديقة عام 2005، كما تم التفكير في ضمان استمرار الحديقة لذا تم إنشاء مقهى بطابع دمشقي داخلها لتتم الاستفادة من مدخوله في تلبية احتياجات الحديقة من نباتات وأشجار وبذور وأسمدة وأدوات زراعية وغيرها».

تحوي الحديقة أنواعاً كثيرة من النباتات والأزهار موزعة بطريقة علمية، ويذكر"فريد نطفجي" المهندس الزراعي المسؤول عن الاهتمام بالحديقة: «تبلغ مساحة الحديقة 2500 متر مقسمة إلى قطع محاطة بأسوار يطلق عليها اسم جزيرة، وتتضمن الحديقة عدة جزر يختلف عددها من عام لآخر بحسب الموسم، وتفرز هذه الجزر بحسب الصفة المشتركة لدى النباتات حيث توجد جزيرة الزينة القديمة التي توجد في البيوت الدمشقية القديمة، جزيرة الياسمين وتتضمن مختلف أنواع الياسمين، جزيرة النباتات المائية وتتضمن النباتات التي تعيش على ضفاف الأنهار والتي تحتاج إلى كمية كبيرة من الماء، جزيرة الأشجار المثمرة والتي تتضمن الأشجار الموجودة في غوطة دمشق، جزيرة الورد تحوي جميع أنواع الورد الجوري والدمشقي والقزمي والمتسلق، كما تم فرز بعض الجزر بحسب البيئة التي يحتاجها النبات فتوجد جزيرة البيئة الساحلية والتي تحوي الحمضيات، البيئة الصحراوية وتشمل الصباريات، البيئة الصخرية وهي نباتات التربة الفقيرة والتي لا تحتاج إلى الكثير من الاهتمام، نباتات الزينة الموسمية والتي تسمى الحوليات تتغير كل ثلاثة أو أربعة أشهر، جزيرة النباتات الطبية تتضمن النباتات التي يمكن الاستفادة منها في صناعة الأدوية، جزيرة النباتات العطرية تستعمل في صناعة العطور، مع الانتباه إلى أن بعض النباتات تشترك بصفة العطرية والطبية معاً، وهناك جزيرة الخضار وهي جزيرة موسمية صيفية وشتوية».

جزيرة الصباريات

للحفاظ على استمرارية الحديقة خلال فترة الأزمة التي تعيشها البلاد تم التوجه كما يضيف المهندس "فريد" إلى "إقامة بيت بلاستيكي يؤمن البيئة المناسبة للبذور للاستمرار، فكنت أقوم باستخراج البذور في نهاية الموسم ووضعها في البيت البلاستيكي لأقوم بزراعتها في الموسم التالي، ذلك لأن الحديقة مقصد للكثير من الناس والطلاب سواء الصغار الراغبين بمعرفة أشكال النباتات والخضروات في الطبيعة، أو طلاب الجامعات والدراسات العليا الراغبين بالكثير من المعلومات والعينات للنباتات التي يقومون بدراستها، لذا كان من الضروري المحافظة على جميع أنواع النباتات الموجودة ضمن الحديقة".

جزيرة نباتات الزينة