"الربوة" هي موقع سياحي وتاريخي عبر العصور، وتمتلك من مقومات الطبيعة الغناء ما يجعلها كامرأة فاتنة الجمال، وهي درة من درر الغوطة الدمشقية، يشقها نهر "بردى" ليزيد من جمالها حسناً وهدوءاً وتألقاً.

مدونة وطن "eSyria" زارت "الربوة" وتنقلت بين مقاصفها ومطاعمها وأماكنها المختلفة والتقت بتاريخ 24 تشرين الثاني 2013 السيد "محمود شربجي" أحد سكان "الربوة" فتحدث عنها بقوله: «لجماليات "الربوة" وموقعها الاستراتيجي السياحي أهمية خاصة، حيث تتوضع على طريق "بيروت" القديم ويعبرها قطار النزهة البخاري في رحلته نحو "نبع بردى" و"الزبداني"، نفّذت محافظة مدينة "دمشق" مؤخراً مشروع تجميل "الربوة" الذي اكتمل أواخر أغسطس الماضي، وتناول هذا المشروع تأهيل وإصلاح طريق "الربوة" من جسر تشرين حتى جسر دمر، وجعله باتجاه واحد فقط، بعدما كان في اتجاهين، وكذلك تضمن المشروع تأهيل البنى التحتية من كهرباء ومياه وإنارة وأرصفة مع تعريضها بمتر إضافي من طرف نهر "بردى" ومن الجهة المقابلة له، مع وضع إنارة تزيينية، ونشر المسطحات الخضراء التي ضمت أنواعاً كثيرة من النباتات والشجيرات، ثم جرت حملات بيئية لتنظيف مجرى نهر "بردى" وفروعه، على طول امتداد الربوة من الأوساخ والمخلفات التي تفرزها المقاصف والمطاعم».

اختار القائمون على مشاريع السكن الحديثة في "دمشق" منطقة "دمر" المجاورة لـ"الربوة" لتكون أكبر وأجمل ضواحي "دمشق" السكنية الغربية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وأطلقوا عليها لقب "الشام الجديدة"، وتتواجد فيها معالم طبيعية لافتة منها الصخرة الرابضة في أحد جبليها وهي تلك المطلة على المقاهي والمطاعم وعرفت باسم "المنشار" وأطلق عليها لاحقاً "صخرة الحب"

أما مواطنها "هشام عدرة" فقد تحدث عن امتداد "الربوة" عبر النت فقال: «اختار القائمون على مشاريع السكن الحديثة في "دمشق" منطقة "دمر" المجاورة لـ"الربوة" لتكون أكبر وأجمل ضواحي "دمشق" السكنية الغربية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وأطلقوا عليها لقب "الشام الجديدة"، وتتواجد فيها معالم طبيعية لافتة منها الصخرة الرابضة في أحد جبليها وهي تلك المطلة على المقاهي والمطاعم وعرفت باسم "المنشار" وأطلق عليها لاحقاً "صخرة الحب"».

محمود شربجي

وتابع عن تاريخها قائلاً: «عرفت منذ تأسيسها قبل مئات (بل آلاف) السنين بأنها من أجمل مناطق العاصمة السورية "دمشق" ومحيطها، ولذلك استفاض الرحالة والمؤرخون في شرح محاسنها، ومنهم: "ابن بطوطة وابن طولون والبدري" وغيرهم، والحق أن هؤلاء لا يبالغون عندما يصفونها بأنها أعظم متنزهات "دمشق"، لأنها تتمتع بثلاث مزايا تتفرد بها عن غيرها من مناطق العاصمة ومحيطها وهي:

الميزة الأولى: أنها رفيقة نهر "بردى" الذي يعبر بجانبها في رحلته الأبدية من منبعه قرب "الزبداني" إلى أن يصل إلى حارات "دمشق" وأزقتها بأفرعه السبعة.

مقاصف الربوة ومطاعمها

والثانية: أنها تقع في المنطقة الغربية من "دمشق" مستقبلة نسائم غوطتها الغربية ومناطق اصطيافها الشهيرة في سفوح جبال "لبنان" الشرقية مثل: "الزبداني وبلودان وعين الفيجة" وغيرها، لذا فإنها تعتبر بوابة المغادرين من "دمشق" نحو مناطق الاصطياف الغربية.

أما الثالثة: فهي أنها تجاور جبل "قاسيون"، وتربو على "دمشق" بشكل حنون ولذلك سميت "الربوة"، وأيضاً لقربها من "دمشق" حيث تلاصق حاراتها كـ"المهاجرين وكيوان" وغيرهما، اختارهما كثيرون من أثرياء العاصمة مصيفاً لهم في القرون الماضية، كما اختارها عدد من المتخصصين في إنشاء المتنزهات والمطاعم منذ أواخر النصف الأول من القرن العشرين الماضي لتكون مكاناً لمطاعمهم ومقاهيهم، وهكذا نالت شهرة واسعة بين الدمشقيين وزوار العاصمة وسياحها، خاصة الخليجيين منهم الذين يستمتعون بتمضية ساعات في أحضان طبيعتها الخلابة وبين مطاعمها الجميلة ذات الشلالات والنوافير القائمة على نهر "بردى"».

جارة بردى

وعن أهم علمائها ومعالمها قال: «واشتهرت "الربوة" بأنها قدمت عدداً من العلماء عبر تاريخها، بينهم عالم الجغرافية الملقب بـ"شيخ الربوة الدمشقي" الذي عاش ما بين /1256 و1327/م وله كتاب جغرافية بعنوان "نخبة الدهر في عجائب البر والبحر" طبع لأول مرة في كوبنهاغن عام /1864/ ثم في لايبزيغ عام /1923/، واعتبر "شيخ الربوة الدمشقي" من أقدم الجغرافيين الذين أشاروا إلى وهمية خطوط الطول والعرض.

ويقول المؤرخون والرحالة: إن "الربوة" قبل /400/ سنة ضمت أربعة مساجد تاريخية ومدرسة قديمة وقصراً مرتفعاً على سن جبل يدعى "التخوت"، وكان فيها أيضاً خمسة مقاصف، ويذكر أنه كان فيها الكثير من القصور والأبنية على طرفي واديها، وكذلك زاوية "خضر العدوي" التي بناها الملك "الظاهر بيبرس"، ومن الصراعات التاريخية التي عانت منها "الربوة" إحراقها من قبل الصليبيين /1148/م، وقام الانكشاريون العثمانيون بحرق وتخريب قصور الأغنياء خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الماضيين ولم يتبق من هذه القصور سوى قصر "عبد القادر الجزائري"، وقد استعادت حياتها وإشراقها منتصف القرن الماضي وكانت مقصداً للكتاب والشعراء وعلى رأسهم "محمد الماغوط" ومن أشهر مقاهيها: "العجلوني- الوادي الأخضر- الشلال- القصر- الشادروان- الشعار- الجزيرة الخضراء،.... وغيرها"».

د. "قتيبة الشهابي" كتب عنها في كتابه المشترك مع الأستاذ "أحمد الإيبش" "معالم دمشق التاريخية" فقال: «هي خانق طبيعي عند مجرى "بردى" إلى الغرب من سهل "دمشق"، وهي أحد أشهر معالم "دمشق" منذ الأزل كانت ومازالت مقصداً للمتنزهين لما تتميز به من غنى بالمياه والخضرة، وصفها وأطنب في ذكر محاسنها كل المؤرخين القدامى الذين زاروا "دمشق"، ومنهم "ابن جبير الأندلسي" و"شيخ الربوة الدمشقي"، وقال "ابن بطوطة" في القرن الثامن الهجري: "هي من أجمل مناظر الدنيا ومتنزهاتها، وفيها القصور المشيدة والمباني الشريفة والبساتين البديعة"، وذكر "البدري" في القرن التاسع الهجري أنها سميت "الربوة" لأنها مرتفعة مشرفة على غوطة "دمشق" ومياهها، وكل راب مرتفع عن ما حوله يقال له "ربوة"، وذكر "ابن طولون" في القرن العاشر الهجري أنها أعظم متنزهات "دمشق" وكان لها أربعة مساجد ومدرسة، وكان فيها "التخوت" وهو قصر مرتفع على سن الجبل، وكان فيها خمسة مقاصف؛ اثنان شرقي نهر "بردى" وثلاثة غربه، وأضاف الأستاذ "محمد دهمان": إن ما يسمى اليوم "الربوة" ليس بربوة، إنما هو واد تتدفق فيه المياه وتنساب، ولكن كان في هذا الوادي محل يقصده الناس للزيارة والتبرك يسمى "الربوة" وقد زال اليوم ولم يبق منه أثر إلا كتابة كوفية فيه منقوشة على صفحة الجبل فبقيت التسمية شائعة على الوادي الذي كانت فية "الربوة"، وذكر المؤرخ أن "نور الدين الشهيد" قد بنى في "الربوة" قصراً للفقراء وأوقف عليه قرية "داريا"، وكانت "الربوة" زاخرة بمزارع الزعفران، وكان فيها "دير مران" يشرف عليها».

وتابع "الشهابي": «الجبل الغربي لـ"الربوة" يحمل اسم "الدف" لكثرة الدفوف المزروعة بالزعفران فيه، كما يحمل الجبل الشرقي اسم "الجنك" لأن رأسه يشبه آلة الطرب التركية "الجنك" وهي عود أو طنبور ذو رقبة طويلة، واليوم لم يبق من الآثار القديمة في "الربوة" سوى بقايا صخرة المنشار والكتابة الكوفية الفاطمية تحتها التي تؤرخ عمارة "الربوة" المباركة عام /444/ للهجرة في زمن خلافة "المستنصر بالله الفاطمي".

و"الربوة" هي بالأصل مغارة في سفح الجبل، ويقال إنها مهد السيد عيسى عليه السلام يزار وينذر له، وتتواجد فيها مساجد وعين ماء يقال لها "الملثم" ويبلغ عدد سكانها ما يقارب /20/ ألف نسمة في العصر الحديث، وهي منطقة طبيعية من المناطق الخضراء التي تحيط بـ"دمشق" وتقع في وادي "بردى" حيث تحتل السفح الغربي لجبل "قاسيون" وتتوسط جبلين هما "عنتر وجنك" وهي منطفة قريبة من "دمشق" وهو الأمر الذي جعلها المقصد السياحي لسكان العاصمة، وهي من محاسن الشام وفيها يخرج "بردى" من سجنه الضيق بين "المزة وقاسيون" وينقسم إلى سبعة أنهار وهي: "يزيد وتورا" في الشرق والشمال وقناة "الديراني" ثم "المزة" ثم "القنوات وبانياس" وأسفل الوادي يسيل ما بقى من نهر "بردى"».

بقي أن نذكر أنها سميت "الربوة" لأنها مرتفعة عن غوطة "دمشق" ومياهها وتقع غرب "دمشق"، وكان لها شأن في الأيام الخوالي، ويقولون عنها: "ربوبية- ربوة- ربود- ربوض"، ويأتي معناها في المعاجم: "ربوة جمعها ربا: تلة - جماعة نحو عشرة آلاف - رابية الربوة"، وهي اسم يعطي إيحاء بالخصب والنمو والعلو والارتفاع وقد تغنى الشعراء بالروابي الخضر والربا وجمالها في الربيع وعطرها الفواح، وما كانت رابية فهي نامية مكتملة ناضرة.