هو أحد الأحياء الدمشقية العريقة، ومن أوائل الأحياء السكنية المنظمة التي نشأت خارج سور دمشق التاريخي، سمي قديماً "حارة البكَوَات" لكثرة الوجهاء والأثرياء الذين قطنوا فيه، نظراً لقرب موقعه من مركز المدينة التجاري، كذلك لغناه بالمباني الحكومية كالمشيرية والسرايا والبلدية.

إنه "حي القنوات" الذي يتوسط اليوم مدينة دمشق بعد أن كان يناظر سورها الغربي ويذكر "محمد الفتال" أحد أبناء الحي لمدونة وطن eSyria بتاريخ 23/4/2013 أن «أهم ما يميز الحي وقاطنيه هو التقارب الاجتماعي، كما أن الحي خرّج الكثير من المبدعين في مختلف المجالات، وأنه لدى سكان الحي طقوس خاصة في المناسبات، ما تزال قائمة إلى الآن في بعض حاراته من أهمها عيد الاستقلال وعيد المولد النبوي الشريف، حيث كانت الزينة تقام، وتنشر الأعلام، ويصف السجاد على الجدران، وكان البعض يلبسون اللباس التقليدي، ومن أهمهم "أبو عمر العرقسوسي"، ويلعبون السيف والترس مع رجالات من الأحياء الأخرى ويوزع الملبس في آخر الاحتفال بعد قراءة المولد».

إن وجود المدرسة الشاذبكية في حي القنوات دليل على وجود الحي في الفترة المملوكية، ودليله بأنه لا يمكن وجود مدرسة ومسجد بهذا الجمال المعماري في منطقة بعيدة عن حي سكني

ويذكر الأستاذ "أكرم العلبي" مؤرخ مدينة "دمشق" عن الحي بقوله: «إن وجود المدرسة الشاذبكية في حي القنوات دليل على وجود الحي في الفترة المملوكية، ودليله بأنه لا يمكن وجود مدرسة ومسجد بهذا الجمال المعماري في منطقة بعيدة عن حي سكني».

حي القنوات

أخذ اسمه في العهد الروماني نسبة إلى قنوات المياه الرومانية الموجودة فيه، حيث كانت المنطقة تزخر بقنوات المياه التي مُدت من فروع نهر بردى لتأمين مياه الشرب لسكان دمشق وما زالت آثارها باقية حتى يومنا هذا، وقد تكون التسمية نسبة لاختراق أحد فروع نهر "بردى" السبعة الحي، ليتجه بعدها نحو دمشق القديمة ضمن قنوات رومانية حيث تمر مياهه ضمن قنوات محمولة على قناطر حجرية لتصل إلى باب الجابية بعد اختراقها حي القنوات مارة بشارعه الرئيسي الممتد من القنوات إلى باب الجابية، وما تزال القناطر التي تحمل القنوات، موجودة لليوم لتُذّكر ببناتها، ولقد سمي الزقاق الذي يحملها "تحت القناطر".

تشير المصادر التاريخية إلى قدم وجود هذا الحي، إلا أن معالمه باتت أكثر وضوحاً وجمالاً في العصر المملوكي، وشهد توسعاً كبيراً في أواخر العصر العثماني، ثم اتخذ شكله النهائي في العصر الفيصلي، وشهد بعض التغييرات بعد الاستقلال، ولكنه لا يزال حتى اليوم يحتفظ بأبنيته القديمة الجميلة.‏

محمد الفتال (أيو أيمن)

ويضيف "العلبي" بالقول: «يعد هذا الحي من أكبر أحياء دمشق القديمة، فيما صُنف بأنه الأغنى بالمباني التاريخية، وخاصة البيوت التقليدية الكبيرة، التي دخلت بطرازها المعماري الجميل الذاكرة الشعبية الدمشقية، لتكون فيما بعد ضمن المباني التاريخية والأثرية، لكونها المنطقة الأكبر والأجمل والأغنى في دمشق، تميزت هذه المنطقة بكبر مساحتها وتعدد حاراتها، التي تأخذ طابعاً معمارياً جميلاً يعتمد الأقواس التزيينية والأرضيات المرصوفة، كذلك تتميز أسواقها بشكل معماري تراثي يختلف عن الأسواق القديمة المسقوفة، كسوق الحميدية وسوق مدحت باشا».

ارتبط حي القنوات بأسماء بارزة في التاريخ الوطني والعلمي، وله أهمية جغرافية تتمثل بتوسطه مدينة دمشق، ليكون مركزاً مهماً يعبره من أراد الوصول إلى قلب المدينة القديمة وأسواقها.

محلة القنوات و مئذنة جامع العجلوني ذات الطراز الأرقش .

يضم حي القنوات اليوم عدداً من المباني القديمة، التي حولت في الأغلب إلى محلات ومدارس، ومازالت تضم العديد من المباني التاريخية التي تعود للعصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية، منها "جامع العجلوني" الذي بني قبل 300 عام، و"جامع التعديل"، و"جامع زاوية الهنود"، و"جامع الشابكلية"، ومن أهم القصور والبيوت القديمة بيت الزعيم الوطني "فخري البارودي" الذي كان في أواخر القرن التاسع عشر سكناً للوالي العثماني، ليتحول لملتقى أدبي وسياسي وثقافي في النصف الأول من القرن العشرين عندما سكنه "البارودي".

كما عرفت المنطقة بوجود أسر دمشقية قديمة وعريقة قدمت العلماء والكتاب ومنهم عائلة "العجلوني" و"أبو الشامات" حيث توجد زاوية "أبو الشامات" وفيها مسجد وسبيل مياه، وعائلة "الشربجي"، و"آل الفرا"، و"آل الطباع"، و"آل البديوي"، و"آل آق بيق"، و"الدسوقي"، و"الخاني"، و"الصاحب النقشبندي"، و"اليافي". وكذلك اشتهرت القنوات بالمطابع ففيها أول مطبعة للناشر «وجيه بيضون» وحملت اسم مطبعة «ابن زيدون».

ويذكر "العلبي" أن "حي القنوات" يقسم بحسب سجلات المدينة إلى تسعة أقسام، وهي قنوات تعديل، وزقاق البركة، وزقاق الحطاب، وزقاق حيوطية، وزقاق جامع ومدرسة الشاذبكية، والقنوات البراني والجواني، وباب سريجة، وقبر عاتكة.

ومع اتساع رقعة الحي أصبحت حدوده اليوم شارع النصر شمالاً، ومشفى المجتهد جنوباً، وشارع خالد بن الوليد غرباً، وشارع البدوي شرقاً.‏

من أهم الأبنية التي مازالت موجودة، محطة الحجاز "محطة القنوات" سابقاً، والتي عدت مركزاً لانطلاق القاطرات المتوجهة إلى جهات مختلفة، وكذلك مبنى الإذاعة القديم.