منطقة زارها الإمبراطور "غليوم الثاني" امبراطور "ألمانيا" في أواخر القرن التاسع عشر وأبدى إعجابه بها، كما قدم نصحه بأن يبني الناس بيوتهم فيها، وبعد مئة عام أصبحت هذه البقعة الصغيرة المطلة على فيحاء دمشق جزءاً من أحد أشهر أحياء العاصمة السورية.

إنها "المصطبة" منطقة تقع في حيّ "المهاجرين" على سفح جبل قاسيون من الجهة الغربية، مدونة وطن "eSyria" زارت المصطبة بتاريخ 1/4/2013م والتقت السائق "محمود النابلسي" أحد سائقي خطوط النقل الداخلي في دمشق حيث قال: «المصطبة هي أحد أشهر المواقف على سكة المهاجرين، ولكن لا أعرف السبب الرئيسي للتسمية، قد يكون المصطلح جاء من الجلوس على سفح قاسيون والتمتع بمنظر دمشق الفيحاء من هذا المكان».

الحديقة موجودة منذ زمن بعيد يرتادها سكان الحي في فصلي الربيع والصيف وتعد متنفساً لأطفال الحي

السيد "محمد بسام قطيط" أحد مخاتير حيّ المهاجرين تحدث بالقول: «سمعت قصة تسمية المكان من والدي الذي رواها برواية جده "محمد سعيد (أبو إسماعيل) قطيط" المولود عام 1886م، ليقول: تحول مكان مصطبة الإمبرطور إلى حديقة تقع في الجادة الثالثة والنصف، حيث تقلصت مساحتها بسبب كثرة المباني المحيطة بها، ولكنها تحمل اسم حديقة الإمبرطور».

حديقة المصطبة

"المصطبة"... تعود التسمية إلى الزيارة التي قام بها الإمبراطور "غليوم الثاني" ملك بروسيا وإمبراطور ألمانيا إلى دمشق عام 1898م، حيث شُكلت لجنة خاصة للإشراف على الاحتفالات تحت إشراف الوالي "ناظم باشا" تهيئة لاستقباله، فكلفت البلدية بإصلاح طرقات المدينة، وترميم المعابر والمسالك من الغوطة الى دمشق، وأصلحت معظم شوارعها وجُملت أبواب حوانيتها، وأقيمت الزينات، ونصبت الأقواس، ورفعت الرايات العثمانية والألمانية وتم تجهيز السراي (المشيرية) التي نزل فيها الإمبراطور وزوجته فيكتوريا والتي تقع مكان قصر العدل حالياً، وتم رصف طريق الصالحية وتجميله حتى منطقة المصطبة ليقوم بنزهة يطلّ فيها على دمشق وغوطتها، فأقيمت السرادقات فيها وجرت فيها حفلات بالغة الروعة والفخامة، واحتُفل بإقامة مصطبة حجرية في حيّ المهاجرين ليقف عليها ناظراً إلى المدينة القديمة والغوطة الممتدة بينهما، فأبدى إعجابه بهذا الموقع كما قدم نصحه بأن يبني الناس بيوتهم فيه.

منذ زيارة غليون بات اسم المصطبة يدل على مكان الزيارة ليصبح فيما بعد اسم جادة من جادات حيّ المهاجرين، لتكون تلك المصطبة نواة لتأسيس حي المهاجرين، لقد استمع الوالي ناظم باشا لنصيحة الإمبرطور الألماني فكان أن تأسست حارة المصطبة التي تشكل ركناً أساسياً من حي المهاجرين الكبير، ويروي المؤرخ "علي الطنطاوي" الحكاية مفصلة وبأحداثها المشوقة من أن اثنين من وجهاء دمشق هما: "أحمد باشا الشمعة والباشا عبد الرحمن اليوسف"، اللذان تنافسا على استضافة الملك الألماني "غليوم الثاني"، الذي كان صديقاً للسلطان العثماني عبد الحميد، حتى إن الشمعة بنى في منزله جناحاً فيه قاعات كبيرة ودرَج فخم، ولكن الوالي العثماني رأى منعاً للخلاف إنزال الإمبراطور الألماني في قصر الحكومة.

السيد "محمد بسام قطيط" أحد مخاتير المهاجرين

توسع الحيّ في القرون التالية لتنشأ في سفوح الجبل من جهة الغرب أحياء جديدة تضم عدداً من الحارات الجديدة التي بُنيت بالتتابع الزمني أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وأخذت تسميات متنوعة سُميت بالجادات وانطوت جميعها تحت اسم منطقة "المهاجرين"، وهي سبع حارات أخذت التسميات التالية: العفيف وشورى وباشكاتب والشمسية والمصطبة والشطة والمرابط وساحة آخر الخط.

وتعج حارة المصطبة حالياً بالمدارس، والمحلات التجارية المتنوعة، وبسؤال الأستاذ "أحمد يونس محمود" مراقب البلدية لجادة المصطبة، تحدث بالقول: «الحديقة موجودة منذ زمن بعيد يرتادها سكان الحي في فصلي الربيع والصيف وتعد متنفساً لأطفال الحي».

"المصطبة" من غوغل إرث

المرجع:

قتيبة الشهابي: دمشق تاريخ وصور، مؤسسة النوري، دمشق، 1994، ص397.