أحجية شعبية تتميز بالسجع والجناس، مؤلفة من مقاطع تهدف إلى إيقاد تفكير الصغار والكبار، تعد جزءاً من الفلكور الشعبي في "دمشق"؛ له طقوسه وتحضيراته وأجواؤه، وأحد أنواع التسلية في سهرات البيت الدمشقي.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 كانون الثاني 2015 السيدة "بثينة فريد" من أهالي حي "المزة"؛ التي تحدثت عن "الحزيرة" ومكانتها عند أهل الشام، وتقول: «عادت الأحاجي و"الحزيرة" الشعبية إلى أولويات المجتمع الدمشقي خاصة بعد اجتماع العائلة عند انقطاع الكهرباء والعودة باكراً للرجال إلى المنازل، وهنا تبداً رحلة المرح والتركيز من خلال ما تطرحه إحدى النساء من لغز أو "حزيرة" على الأطفال والكبار؛ فتنقسم الأسرة إلى صفين بحسب الجنس؛ فالذكور في صف والإناث في صف آخر، و"للحزيرة" مستويات تبعاً للنمو الفكري؛ فمنها ما يحمل في طياته فكراً دينية ومنها ما يذكر للتسلية وأخرى لإثراء المعلومات».

من خلال الحزازير الشعبية الشامية التي جمعتها تبين أن "الحزيرة" طويلة؛ فهي من ثلاث جمل أو أكثر، وهذا الطول يعطي للسامع فرصة أكبر كي يعرفها، ففيها تفاصيل عن الشيء المراد حزره أو عن صفاته وتكويناته وفرصة كي يتمعن بما سمعه ويتفكر بالأحجية تماماً

وتتابع: «تحمل "الحزيرة الشعبية" هموم الإنسان الذي يستمع إليها وتاريخه الحياتي، وتحمل أسئلتها الزمان والمكان المعينين وآمال وأحلام هذا الإنسان، فهي التاريخ الإنساني بكل ما يحتويه من صراعات وأيام سعيدة، لترسم "الحزيرة" لوحة عن حياة الدمشقيين الاجتماعية قديماً وما تتميز به من غنى، كما تتضمن نمطاً تاريخياً كاملاً لحركة الإنسان الشامي والألفة والمحبة والعراقة التي تحتويها جنبات البيت الدمشقي».

"العلية" في البيت الدمشقي

وتضيف: «(مصدر وقاعد بالصدر، يلملم الأهل والصهر، وجواتو بتنحكي الحكايا والسير)؛ هذه "الحزيرة" جوابها "الليوان" وفيها نجد محسنين بديعيين هما: السجع في كلمات الصدر والصهر والسير، والجناس الناقص بين كلمتي مصدر وبالصدر، لأن "الليوان" عادة في صدر المنزل والسهرات أغلبها صيفاً تنعقد فيه؛ لأنه يطل على الحديقة والبحرة وفيه يقص الجد أو الجدة الحكايا الشعبية والسير».

ويشير مدرس اللغة العربية "أحمد فواز" إلى معنى "الحزيرة الشعبي"، ويقول: «الأحجية الشعبية، وهي "الحزيرة" بالاصطلاح الشعبي، مثل غيرها من مكونات التراث الشعبي تحمل تاريخ الإنسان وصراعاته، وتحمل الآمال والأماني عبر الزمان والمكان في حقب معينة، هي صورة مصغرة عن حالاته وتكويناته وسلوكه، وهي إحدى الدلالات المهمة عن الحياة في تطوراتها وتقلباتها عبر انتقالها من طور إلى طور، و"الحزيرة" كلمة أتت من الثلاثي "حزر" وقد جاء في المعجم الوسيط: (حزر الشيء حزراً: قدره بالتخمين فهو حازر)».

المدرس أحمد فواز

ويضيف: «ومن الحزيرات المتداولة في "دمشق": (عالية ومليانة أسرار، القمر يوشوشها ويغار، والشمس بتقوله شو صار، إلها اسمين وما بتحتار)؛ وجوابها "العلية" أو "النصية"، واستعارت هذه "الحزيرة" من عدة صفات تدل على "النصية" منها الارتفاع ومنها الأسرار التي يتناقلها بعض سكان البيت، ومنها القمر الذي يدخل إليها، أما الوشوشة فهي نوع من التغزل بها، أي الشمس تطل عليها وتسألها ماذا حدث؟».

ويقول الباحث "محمد خير رمضان" في كتاب "التراث الشعبي" عن المسكن الدمشقي في "الحزازير": «من خلال الحزازير الشعبية الشامية التي جمعتها تبين أن "الحزيرة" طويلة؛ فهي من ثلاث جمل أو أكثر، وهذا الطول يعطي للسامع فرصة أكبر كي يعرفها، ففيها تفاصيل عن الشيء المراد حزره أو عن صفاته وتكويناته وفرصة كي يتمعن بما سمعه ويتفكر بالأحجية تماماً».

البحرة في البيت الدمشقي

ويتابع: «تتصف "الحزيرة" الشامية التي تعبر عن البيت الدمشقي بتواجد ملامح وبيئة هذا البيت، فأكثرها يحتوي على مفردات تشير إلى جمالياته وما يحويه من أشجار وبرك وماء وبحرات ومكونات أخرى، ويندر أن نجد "حزيرة" دون تعبير من تلك التعبيرات، كما تعتمد "الحزيرة" اللهجة الشامية "الدمشقية" بما فيها من إبدال بعض الأحرف إلى أخرى، وغير ذلك مما تحويه هذه اللهجة».

أما عن تعبيرات خطاب المحزرة أو المحزر فيقول: «تلجأ المحزرة أو المحزر إلى رفع الصوت وأحياناً أخرى إلى خفضه حسبما يقتضيه الحال، ومرات تلجأ إلى طريقة الاستفهام أو إلى حركات معينة لتقوم بها عن طريق اليدين والوجه والجسد، ففي البيت الشامي القديم كانت تسكن عدة عائلات مع بعضها بعضاً؛ إذ يسكن الجد والجدة وأولادهما من الذكور مع زوجاتهم وأولادهم، وفي ليالي الشتاء الطويلة التي تمتد ساعات وساعات يتنادى السهارى إلى اختيار موضوع السهرة وهو إما اللعب بـ"البرجيس" أو غيره من الألعاب، أو الاستماع إلى حكايات الجدات أو تخصيص السهرة للحزازير؛ إذ يتحلق المتواجدون حول المحزرة أو المحزر؛ وتبدأ هي بالتحية والسلامات وذكر الصلوات والتبريكات على النبي؛ حيث تبدأ السهرة بحزيرة سهلة يحزرها أكثر من شخص من الحضور، وذلك لإضفاء البهجة والسرور على السهرة ثم ترمي نكتة فيزيد الضحك أكثر، ثم تتابع الحزازير الأكثر صعوبة».

ويتابع: «ومن تلك الحزازير: (حواليها يصير الاستقبال، وبينقال يللي بينقال واللي ما بينقال، وبتنعمل الصبحية والعصرية مع بنت الحلال)؛ وجوابها "البحرة". وكعادة الحزازير الشامية نلحظ السجع في الكلمات وهو ما يمنحها جمالاً لفظياً، وحسب عادة الدمشقيين الأصيلة تقيم سيدة البيت استقبالاً للجارات والأهل في يوم من أيام الأسبوع بالتناوب مع أهلها وجيرانها، كما تقام إلى جانب البحرة الصبحية والعصرية؛ حيث يشرب أهل البيت القهوة ويتناولون الحلوى صباحاً وعند العصر. ومن الحزازير أيضاً: (فيها منقعد بالسهرة ومنلعب إدريس وحكرة، ومنشوف البنت السمرة، يوه ليش عم تجؤر هالجأرة)، وجوابها "غرفة القعدة" أو "غرفة الجلوس"، وهي محور البيت الدمشقي».