التراث السوري مملوء بالصناعات والحرف اليدوية، ومنها صناعة الأدوات المنزلية النحاسية، وهي حرفة عريقة وتاريخية انتشرت منذ القدم، ومن مصنوعاتها النحاسية "السفرطاس" الذي اعتدنا مشاهدته في المسلسلات الشامية، يحمله أحدهم مملوءاً بالطعام المطبوخ بكل حب وحنان.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 تشرين الأول 2014، السيد "أبو محمد أبو تاج" أحد العاملين بحرفة النحاس، الذي بدأ حديثه بالقول: «حرفة النحاس من أقدم وأشهر الحرف المتواجدة في بلاد الشام، منذ القدم كان الحرفيون في سوق النحاس يعملون على صناعة مختلف أنواع القطع النحاسية، كالتحف النحاسية والأواني المنزلية المختلفة من صحون وملاعق وصوانٍ نحاسية، ومصبات للقهوة، و"السفرطاسات"».

حرفة النحاس من أقدم وأشهر الحرف المتواجدة في بلاد الشام، منذ القدم كان الحرفيون في سوق النحاس يعملون على صناعة مختلف أنواع القطع النحاسية، كالتحف النحاسية والأواني المنزلية المختلفة من صحون وملاعق وصوانٍ نحاسية، ومصبات للقهوة، و"السفرطاسات"

وتابع حديثه عن "السفرطاس" بالقول: «هو أداة تراثية توارثتها الأجيال لعدة سنين، ولكنها أوشكت على الاندثار، يطلق عليه العديد من الأسماء ومنها "المطبقية"، و"سفرطاس" كلمة تتألف من قسمين "سفر" و"طاس" أي "وعاء السفر"، حيث كان المسافرون يحملون معهم الطعام فيه، وهو يتألف في أغلب الأحيان من ثلاثة أو أربعة أطباق متتالية ومتراصة فوق بعضها بعضاً، يوجد في أعلى "السفرطاس" مقبض نحاسي يرص الطبقات ومن خلاله يتم حمله، وكل طبق مخصص لنوع من أنواع الطعام، الطبق الأول للأرز، والثاني لـ"الشاكرية" أو "الستي زبقي" أي طبق رئيس، طبق للشوربات، وطبق للخبز، ومن المعتاد مشاهدة الرجال والشبان يحملونه بأيديهم وهم ذاهبون لأداء أعمالهم من صناعة وتجارة وزراعة، ومنذ زمن بعيد كان هناك صبية مخصصون لنقل الطعام إلى أصحاب المحال والمزارعين من خلال وضع "السفرطاسات" بشكل متتالٍ على عصا خشبية، بعد تحضير النساء الطعام في البيوت، وعند وقت محدد يأتي الصبية ويأخذونها، ثم يقومون بتوزيع الطعام على المحال المتواجدة في السوق، وكان أصحاب بعض المحال يجتمعون ويتشاركون في تناول الطعام ويتبادلون الأحاديث، وكان الأجداد في وقت العمل لا يتناولون إلا الطعام المطهو في المنزل؛ حيث لم يكن سائداً آنذاك تناول الطعام من السوق، ولكن مع تطور الزمن أصبح هناك العديد من البدائل، فلا داعي ليأخذ الزوج الطعام معه إلى العمل بـ"سفرطاس"، فأصبح يتناول الطعام الجاهز خارج المنزل، كما ظهرت حافظات الطعام الملونة المصنوعة من البلاستيك وبأحجام مختلفة وبأشكال متنوعة، وأصبح "السفرطاس" عبارة عن تحفة معروضة».

السيد "نذير مارديني" حدثنا عن صناعة "السفرطاس"، فقال: «صناعة "السفرطاس النحاسي" قليلة جداً في "دمشق" بسبب غلاء القطع النحاسية، تبدأ صناعته باختيار المادة التي سيصنع منها، قد تكون من "النحاس الأحمر" أو "الأصفر" أو "الألمنيوم"، حيث تجلب هذه المعادن على شكل ألواح معدنية، ويتم خرطها على شكل إناء، ثم يؤتى بقطعة معدنية مسطحة، ويتم تدويرها على محور طبقات "السفرطاس"، وترص الطبقات بواسطة هذه القطعة من الأعلى مع وجود قفل، ثم تأتي مرحلة الرسم والنقش والزخرفة والتطعيم بالفضة، "السفرطاس" المصنوع من النحاس لا يمكن تسخين الطعام به، ولكنه يحفظ درجة حرارة الطعام الموضوع داخله، ويحتاج إلى تبييضه بشكل دوري، أما "السفرطاس" المصنوع من الألمنيوم فهو قابل للتسخين، تتطلب صناعة النحاسيات الدقة والتركيز والذوق والفن كما تحتاج إلى الكثير من الصبر والجهد، هذه الصناعات توضح إبداع ومهارة أيدي الحرفيين السوريين كما تحتاج إلى موهبة وخبرة، والعمل اليدوي يبزر جمال وبراعة الحرفيين السوريين ومدى حبهم وإتقانهم لعملهم».

وعن سبب استخدام النحاس في صناعة الأواني المطبخية قال: «يستخدم النحاس في صناعة الأواني المنزلية لاحتوائه على العديد من المميزات، "النحاس" من المعادن الأكثر توصيلاً للحرارة، حيث يقوم بتوزيع الحرارة توزيعاً متساوياً في الوعاء الموضوع به الطعام المراد طهوه، ويتم طلاء الأواني النحاسية بطبقة أو عدة طبقات من القصدير أو مواد أخرى لمنع حدوث تفاعل بين النحاس والطعام الذي قد يؤدي إلى حالات تسمم، وقابليته للسحب والطرق، أما الآن فشاع استخدام الأواني المطبخية المصنوعة من مادة "الاستانلس ستيل، الألمنيوم، الزجاج، البلاستيك، التيفال".. لتواجدها بكثرة وعدم تفاعلها مع الطعام، وسعرها الرخيص مقارنة بالنحاس».

السيد نذير مارديني
السفرطاس النحاسي