استطاع "سهيل الذيب" أن ينسج عالماً حقيقياً قوامه المكان والحب وحالات اجتماعية مختلفة بما فيها من عادات وتقاليد، ليخرج من هذه الوقائع إلى أفق أرحب وأكثر قرباً من الخيال، وهذا ما تؤكده رواياته وقصصه وأيضاً دراساته الأدبية.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الأديب "سهيل الذيب" في مجمع "دمر" الثقافي بتاريخ 10 تشرين الأول 2020 ليتحدث لنا عن البدايات قائلاً: «أنا من عائلة جاعت كثيراً وأدقعت، أبي يدعى "تركي" وسمي بهذا الاسم ربما خوفاً من بطش الدولة العثمانية، وأمي "غازية الذيب" مناضلة كبيرة كأبي، عملا في "لبنان" لتعليم الإخوة الستة وأختهم الوحيدة وكلهم رضعوا المسؤولية والمحبة.

يشهد من يعرف "سهيل الذيب" أنه جمع في شخصيته صفات كثيرة، منها رهافة الكاتب ووداعته، طالما كتب عن هموم الوطن والناس من خلال مواقف جريئة وصلبة رامية إلى معرفة الحقيقة وإعلائها

أبصرت النور في قرية "صما الغربية" التابعة لمحافظة "السويداء" عام 1954، تعلمت في مدرسة القرية الوحيدة وانتقلت في الإعدادية والثانوية إلى "السويداء" ومن ثم إلى "دمشق" وجامعتها حيث تخرجت من قسم اللغة العربية، عملت معلماً وكيلاً ومدرساً مساعداً ثم توظفت، بعد ذلك عملت مدققاً لغوياً في جريدة "تشرين" وانتقلت إلى قسمها الثقافي بعد أن سافرت إلى "أمريكا" لأربع سنوات ابتغاء للرزق وشراء بيت، وعملت في "أمريكا" عاملاً عادياً ومحاسباً وكنت أكتب المقالات الأدبية الساخرة في صحيفتي "الأخبار" و"بيروت تامز" مجاناً، تقاعدت عن العمل الوظيفي عام 2014 ولكنني ما زلت صحفياً في هيئة تحرير "الأسبوع الأدبي" الصادرة عن "اتحاد الكتاب العرب"، وأصدرت حتى الآن ديواناً شعرياً واحداً هو "العرس والساقطة" ولي ثلاث مجموعات قصصية "الكاتب والشرطي"، "الرياحيني"، و"موت وقيامة" وأكثر قصصها تتحدث عن الحرب على "سورية" وأصدرت ثلاث روايات هي "مذكرات في زمن ما"، "زناة"، و"آثام"».

مع مجموعة من الأدباء

لكل كاتب مدرسته وأشياء تأثر بها، وعوامل تحرضه على الكتابة، وهنا يقول "الذيب": «تتلمذت على يد الحياة الظالمة من حولي، على العبودية والفقر المدقع وعلى التنمر الأعمى وعلى النفاق الرهيب والأوجه المستعارة والصلف الإسرائيلي واعتداءاته التي لم تتوقف يوماً، وجاءت بداية الكتابة الشعرية عن الجريمة المروعة التي ارتكبتها "إسرائيل" في قرية "قانا" جنوب "لبنان" 1982 فيما سمي "عناقيد الغضب" حيث كتبت ديواني الوحيد "العرس والساقطة"، تأثرت بالكتاب الروس ولا سيّما "تشيخوف" بعد أن أدمنت "الإغريق" و"الإلياذة"، و"الأوديسة"، و"طروادة"، و"هكتور" و"أخيل" و"أوديسيوس" و"سقراط" و"أرسطو"، بعدها انتقلت إلى "حنا مينة" و"توفيق الحكيم" و"نجيب محفوظ" و"فيكتور هيغو" و"إميل زولا" و"سارتر" وغيرهم وأيضاً "هاني الراهب" و"محمد الحفري" و"محمد الطاهر"، كثيرون وكثيرات لهم الفضل في تكوين ذائقتي الإبداعية والفكرية».

يجد نفسه في عالم الرواية أكثر من غيرها، يقول: «الرواية هي العالم الكامل المتكامل الذي أغوص في عبابه بكل حرية تلك الحرية التي هي الركيزة الأولى للإبداع، وما تأخرنا روائياً عن اللحاق بالآخرين إلا بسبب الكوابح التي غلفنا فكرنا وإبداعنا بها فبقينا عاجزين عن اللحاق بالمبدعين العالميين، فالرواية مخاض عسير وجهد استثنائي يمتد لسنوات حتى يخرج بالشكل الذي يتمناه الكاتب، فقد عملت ما ينوف على ثماني سنوات في روايتيّ "زناة" و"آثام"، أما القصة -على ما لها من تأثير مباشر ومريح- فهي لي كـ(فشة الخلق) قياساً بالرواية لأنها محدودة الزمان والمكان والشخصيات والفكرة والموضوع والحدث، وإن أجاد المبدع فيها فقد تغير مجتمعات كما في قصة "العنبر رقم 6" للروسي "تشيخوف" التي قيل إنها عجّلت في الثورة "البلشفية" في "روسيا" القيصرية».

مع عماد نداف ومحمد الحفري

كتب "الذيب" العديد من المقالات النقدية، وقدم دراسات حول إصدارات أدبية في المحافل والمراكز الثقافية، عن رأيه في النقد لدينا يقول: «يتراوح النقد في بلادي أحياناً بين منافق وحاقد وبين محاب غير نزيه وكلهم يدمر الحقيقة الإبداعية للنص المدروس، فعلى الناقد أن يتحلى بالقيم العظيمة للنقد علماً ودراية وموضوعية وثقافة عالية وأن يكون في منأى عن المحاباة لأنها تفسد الإبداع كله وأن يخلق نصاً إبداعياً ويضيف إلى النص الإبداعي، النقد عملية تمحيص وتنقيب فكري ثقافي وأخلاقي باختصار، نحن في "سورية" والعالم العربي مستوردون لنظريات النقد مثلما استوردنا السيارات والجبنة وغيرهما، إلا ما ندر، أما الأكثرية فـ(على عينك يا تاجر والمونة والتخجيل) أيضاً، لذلك أتمنى أن ننضوي تحت نظريات نقدية "سورية" أو عربية المنبع عالمية المصب».

يقف أغلب الكتّاب عند نتاجه بعد الإصدار وربما ينتقد ذاته ويجد بعض النقص فيها، وفي هذا السياق يقول: «نقد الذات أولى أولويات الكاتب الذي يحترم نفسه وجمهوره ذلك أن السرد يأخذنا في حالاته الانفعالية العاطفية إلى حالات نتمنى أحياناً لو لم نتطرق أو نشير إليها، أكتب عن الطبقة الاجتماعية التي أنتمي إليها في الأغلب، عن البسطاء والفقراء، عن المخنوقين غير القادرين على التنفس عن العشاق والنبلاء في الآن ذاته، أبطالي من لحم ودم تجدهم في البيت والشارع وفي بيت الجيران، لكن صعب أن تجدهم في أي معبد، وهم عاديون جداً ونبلاء جداً لذلك فهم يخطئون ويصيبون لأنهم عشاق حياة وقيم، أكتب عن الحب المعجزة الذي يجمع قلوب الناس كلهم».

من إصداراته

عن الجدوى من الأمسيات في المراكز الثقافية طالما لا يرتادها الحضور الكثيف، يردف: «دائماً هناك منفعة في الأمسيات الأدبية في المراكز الثقافية، فهي لمة خلان رغم عدد الحضور القليل فالناس معذورون في عصر البحث عن اللقمة، المراكز تنشر الوعي والألفة والنقاش وتضيف معرفة ومعارف وأصدقاء».

وقف الكثير من النقاد والكتّاب والوسط الثقافي عند روايته الآخيرة "آثام" حيث كتبوا عنها وأقاموا العديد من الجلسات النقدية لها، عن روايته هذه يقول "سهيل الذيب": «"آثام" روايتي الثالثة بعد "مذكرات في زمن ما" و"زناة" التي تتكئ على بعض مفاصلها وأفكارها وبنيتها السردية، هي رواية أعتقد أنها حملت كل ما يمكن أن تتحمله رواية لذلك وصلت إلى المرتبة الخامسة في القائمة الطويلة لمسابقة "العاسمي" ومن ثم أعيدت إلى المرتبة العاشرة ولا أدري لماذا، المهم أنا أفخر بها ففيها محاولة لتسليط الضوء على منعكسات الحرب على عائلة سورية، أما مقدار نجاحها أو عدمه فيقرره من وجهت إليهم».

"عماد نداف" كاتب وصحفي، قال: «عندما يكتب "سهيل الذيب"، يأخذ بيد قارئه إلى ثلاثة اتجاهات دفعة واحدة؛ أول الاتجاهات تتعلق بطريقة السرد لديه، يحس القارئ بأنه غير قادر على ترك التفاصيل والاحتمالات والأسئلة التي يتركها، وثاني هذه الاتجاهات -تلمسه جيداً في روايته "آثام"- هو الحرص على مخاطبة كل الشرائح الاجتماعية بنبض وطني صادق، فترى المجتمع السري بين يديه وكأنه عصفور يداري جسده، أما الاتجاه الثالث فهو وجود السخرية الخفية التي تريح القلب من عبء الأحداث المتراكمة في نصه».

"علوان صبحي" من متابعي "الذيب" قال: «يشهد من يعرف "سهيل الذيب" أنه جمع في شخصيته صفات كثيرة، منها رهافة الكاتب ووداعته، طالما كتب عن هموم الوطن والناس من خلال مواقف جريئة وصلبة رامية إلى معرفة الحقيقة وإعلائها».