استطاعت "نورا محمد علي" إيصال ما تريده إلى المتلقي باختزال شديد، فقد امتلكت كل أدواتها كي تكتب قصيدة الومضة التي تحتاج إلى كلمات قليلة ومعانٍ كبيرة، وتصوغ حروفها بصور شعرية مفعمة بروح الأنثى الرقيقة.

مدونة وطن "eSyra" التقت بتاريخ 19 تموز 2018، الشاعرة والكاتبة "نورا محمد علي" في منزلها في "دمر"، حيث تقول عن الخطوة الأولى: «تأتي البدايات عادة بعد قراءات كثيرة ومكثفة وتأثيرات الآداب الأجنبية المترجمة في عصرها الذهبي خلال التسعينات، وكان أحد هذه العوالم السحرية الجو العام للثقافة، حيث يدفع إلى الكتابة، وهنا أقصد الكتابة، وليس النشر، وهذه أهم قضايا جيلنا الذي ظلم بسيطرة المحاربين القدامى من الكتاب الذين (يسطرونا) على مقاس سرير "بروست" إلى اليوم، فأي قفز خارج النص الذي يؤلهونه محكوم بالكفاح وحيداً ولا جهة داعمة رسمية له، إلا ما رحمت أو عرفت لجان القراءة، والحل الأوحد لتظهر يومها هو نشر قصائدك ضمن دورية ثقافية، أو طبع ديوان على نفقتك الخاصة، وذلك لمن استطاع إليه سبيلاً».

لا تكفي الشعارات البراقة، نريد أن نغرق الساحات والمنابر، ونريد سحب البساط من تحت العنف الذي مر به شبابنا مقابل بساط سحري من الفنون يعيد بناء أرواح دفعت ثمن الصراعات ولا شيء يحمل مهمة الخلاص كالفن، والفن الشبابي المطعم بنفَس فتي ويملك اندفاعات البناء

وأضافت: «اليوم باتت الأمور أسهل وأعقد بآن واحد، فعالم الميديا يتيح العالمية لنصوصك شرط كثرة الأصدقاء والمجاملات على صفحات الإنترنت، وعلى الرغم من كل هذا الإهمال لأي صوت شعري جديد وجاد، إلا أن الحرب صقلت التجارب وغربلتها عند الكثيرين، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية، ففي الأزمنة الصعبة لا يطفو على الروح إلا كل عميق وشفيف».

رولا حسن

وتشيد "محمد علي" بالحالة الثقافية لدينا اليوم، قائلة: «المرحلة الثقافية في "سورية" اليوم هي الأصدق والأكثر مسؤولية، وأقصد كل التيارات الثقافية الموسيقية والشعرية والتشكيلية والدرامية والشعرية، لكنني أطالب بعدالة التوزيع ولجان لا تتجاوز الأربعين من العمر، أقله مرافقة لشيوخ الكار، مع عدم محبتي للأصنام التي تتشبث بمعاييرها القديمة، نريد حالة من العرفان لجيل الحرب الذي بقي على قيد الشعر لليوم على الرغم من كل الخذلان الذي مرّ به، وأطالب بخروج النصوص على جمهور المسارح من دون رقابة، فما سلبه دمار الحرب لن يدافع عنه مقص الرقيب».

وعن تجربتها الكتابية تقول: «قدمت عشرات من الأمسيات الشعرية على مسارح المحافظات كلها تقريباً، وفي جعبتي العديد من المخطوطات الشعرية، طبعت واحدة منها عام 2015 تحت عنوان: "شال من مطر"، ولدي تجربة سيناريو درامي يتم التباحث بشأنه وهو بطريقه إلى التنفيذ لمصلحة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. كما أنني عالقة بنصف رواية ترفض النهاية إلى اليوم، فضلاً عن مقالات نشرت في الصحف المحلية "تشرين، الثورة، البعث، صوت الشباب"، وأكتب الومضة الشعرية، وأحب أن أسميها باسمها الأصلي وهي قصيدة "الهايكو"، وعلى الرغم من عدم التزام الكتاب العرب بقواعد "الهايكو" الأساسية، إلا أنهم أبدعوا فيه بتكثيف شعري، يختصر حالة من طوفان المشاعر بسطر أو سطرين، وذاك يلزم تفرداً لغوياً تمنحه لغتنا العربية المدهشة».

غلاف شال من مطر

وتقول كنموذج عن ومضاتها:

نورا محمد علي

"لحبك رائحة خبز أمي

أمي...

مذ هجرت تنورها

وأنا

أقتات حبك.

*********

لشفاهك طعم محارة

للتو

غادرت موجة

ولي

أن يغزوني دوار الشواطئ".

وتشكو "محمد علي" من شح الدعم لجيل الشباب المبدع، حين تقول: «حالي كحال كل الشباب الذين لا يجدون مؤسسات لدعمهم، فتتشتت أعمالهم بين صنوف الأعمال لعلها تخرج إلى الضوء بعض من جهودهم الفكرية. الشباب السوريون أبدعوا وأثبتوا أنفسهم بكافة صنوف الشعر من القصيدة الموزونة مروراً بالشعر المحكي وكتابة النثر، وقد نجحت أصوات شابة حصدت ألقاباً وجوائز، وتصدروا الريادة أينما حلوا، وهذا لم يأتِ من فراغ، بل هو خلاصة انصهار حقيقي تجاوزه السوري بإرثه الثقافي والإنساني، وكان هو الزاد الوحيد ضد عزلته المصنوعة».

وتنهي "نورا" حديثها بقولها: «لا تكفي الشعارات البراقة، نريد أن نغرق الساحات والمنابر، ونريد سحب البساط من تحت العنف الذي مر به شبابنا مقابل بساط سحري من الفنون يعيد بناء أرواح دفعت ثمن الصراعات ولا شيء يحمل مهمة الخلاص كالفن، والفن الشبابي المطعم بنفَس فتي ويملك اندفاعات البناء».

"رولا حسن"، الناقدة والشاعرة، قالت: «في قصائدها تبدأ "نورا" من النسبي لا من المجمل، من اليومي لكن ليس اليومي المستهلك، بل اليومي المتجذر عميقاً في داخلها كذات شاعرة، هي لا تتحدث عن تفاصيل يومية فقط، بل تتحدث عن تفاصيل العالم المحيط بها وكأنها تؤرخه؛ لذا بدت القصيدة وكأنها أثر شخصي. خلال مقاطعها القصيرة ترصد اللحظة المألوفة وتولد من خلالها المختلف، حيث يتم حشد كثافة دلالية وشكلية عالية تبحث بجد عن الشعر المصفى بين ركام اليومي وفي هشيم التجربة بكل تفاصيلها الصغيرة والمهمشة. في هذا السياق يتم استثمار طاقة كل مفردة وقدرتها على الإشعاع وخلق حساسية خاصة بها من دون إسراف لغوي أو حشد الكثير من الصور».

يذكر أن "نورا محمد علي" من مواليد "حلب"، "مسكنة"، عام 1983، تعيش وتعمل في "دمشق".