ببراعة حروفه استطاع أن يخط طريقه الأدبي بجرأة، وذلك من خلال تسليطه الضوء على الواقع المعاش، بأسلوب أدبي وصور بيانية مميزة، هو الشاعر "مصطفى حسون".

مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 28 أيلول 2014، وبدأ حديثه عن علاقته بالشعر والإبداع قائلاً: «الشعر هو شعور يترجمه من يستطيع إلى كلمات قد يتمكن من التعبير عن حالته أو قد لا يتمكن، وقد نجد في الوقت ذاته محترفين في كتابة الشعر ويجيدون كتابة ما لا يشعرون به، ويقولون إن الشعر حالة قصدية لغرض أو هدف ما، وأنا أقول نادراً ما يحدث ذلك وقلّما تطاوعني الحروف، فأنا لا أتّبع أسلوباً بعينه في كتاباتي لأنّ القصيدة هي التي تختار لبوسها ونمطها غالباً، وبرأيي يصبح الشعر إبداعاً عندما يستطيع نقل حالة الفرح أو الحزن إلى الناس، وعندما يكون صادقاً ولا سيّما في الوسط الذي يعيش فيه الشاعر، فيرى القارئ سلوكاً منافياً للقول فاسمحوا لي أن أخالف السابقين وأقول: أعذب الشعر أصدقه».

يحضرني هنا قول أظنّه للراحل الشاعر "نزار قباني": الناس في بلادنا لا يقرؤون القصيدة بل يقرؤون صاحب القصيدة، فقد تتأّثر نظرة الناس للشعر بشخصيّة الشاعر سلباً أو إيجاباً، وفي الحالتين سيكون الشعر مظلوماً

ويتابع حديثه عن أثر مواصفات الشاعر والدور الذي يلعبه بمجتمعه بالقول: «يحضرني هنا قول أظنّه للراحل الشاعر "نزار قباني": الناس في بلادنا لا يقرؤون القصيدة بل يقرؤون صاحب القصيدة، فقد تتأّثر نظرة الناس للشعر بشخصيّة الشاعر سلباً أو إيجاباً، وفي الحالتين سيكون الشعر مظلوماً».

خلال مشاركته مع ملتقى كلمات

عن أهم إصداراته وما تضمنت: «أهمّ إصداراتي هو ديوان "عندما يأتي الخريف"، وقد تضمن حزن الصفصاف وغزل سنابل قريتي لعصافير الربيع، كما تناول آهات الأشجار التي حركتها نسمات أيلول الشامتة وهي تغتنم من أوراقها غفلة الدهر، كما غنيت فيها للبرعم الذي بقي بعد سقوط الورقة ينتظر الفرصة للحياة، وهناك ديوان قيد الطباعة "طقوس للحبّ والحلم والكتابة"، ومخطوط بعنوان "هو الحزن"».

وعن دور الملتقيات الأدبية بتشجيع المواهب الشابة يقول: «لعبت دوراً مهمّاً لكنها حوّلت الوسيلة إلى غاية لدى بعض الأشخاص في البحث عن الجماهيرية والكسب أحياناً في تنشيط دور المقاهي والمطاعم، فأصبحت بعض هذه المنتديات تعرض تجارب شبابيّة خجولة جداً، وعرضها قبل وقتها سيؤثر سلباً فيها وفي إمكانية صقلها، فقطف العنب قبل وقته سيبقيه حصرماً، مع تثميني الكبير لدور المراكز الثقافيّة الريادي والمهم في هذا المجال، وهنا أيضاً نتحدث عن الملتقيات على صفحات التواصل الاجتماعي، وبرأيي لها فوائد كثيرة لكنّها أضرّت باللغة العربية من جهة، خصوصاً في جانب المحادثات، كما أنّ النتاجات الأدبية عرضة للسرقة أو الاقتباس الفاضح خصوصاً للمواد الحديثة غير المطبوعة، وقد أفسدت الذائقة الأدبية إلى حدّ كبير؛ حيث إنها ميدان مفتوح دون رقيب أو مرجع، وقد تكون استطاعت تشجيع المواهب لكن المجاملات أغلب وأشمل، فالإعجاب بإعجاب، والتعليق بتعليق، والمشاركة بمشاركة، والبادئ أكرم».

إصداره.

عن دور بيئته برعاية موهبته الأدبية يقول: «نشأت في أسرة عريقة لها جذور وطنيّة وعلميّة وثقافيّة عميقة؛ فجدي المجاهد "أحمد الحسون" الذي اشتهر بمقارعته الاحتلال الفرنسي إلى جانب الشهادات العلميّة المبكّرة جدّاً بالنسبة لمنطقتنا، وأستطيع القول: إنّ المدرسة الأولى في قريتي وفي المنطقة تقريباً قامت على كاهل عميد عائلتنا المعلّم الأوّل في المنطقة، وبمعونة خاله مختار "المحلّة" وقتها، هذا الإرث الحضاري جعلني قويّاً أمام الظروف التي عصفت بأسرتي الصغيرة، وكان للظروف القاسية دور كبير في تنشيط موهبتي واستفزاز قريحتي؛ فأنا أعتبر أنّ الألم منبع الإبداع، ولا بد هنا من الإشارة إلى دور الموهبة والشهادة العلمية، فالموهبة منفصلة تماماً عن الشهادة العلميّة ولا علاقة لها بها إلا في حدود الصقل أو التعميق، لكن الأولويّة للموهبة، فالشهادة لا تصنع إبداعاً دون موهبة».

ويختتم حديثه عن بداياته مع الكتابة بالقول: «أول كتاباتي عبارات بسيطة كنت أراها شعراً بإحساسي ولم تكن هي كذلك، منها مداعبات ومنها رثائيّات، وبحكم عدم دراستي للمرحلة الثانوية مع أقراني تأخرت في تعلّم العروض، وتأثرت ببداية مشواري الشعري بالشاعر "نزار قباني"، وأول أبيات كتبتها قبل أن أتعلم الأوزان كانت موزونة أقول فيها:

خلال إحدى مشاركاته مع الملتقى الثقافي العراقي

"حننت إليك رغم قليل بعدي.... وسرت إليك مصحوباً بوعدي

بأنّي لن أفرط فيك يوماً.... ولو فرّطت فيما أغلى عندي

ستبقي شعلتي وضياء دربي.... ولو مزّقت قلبي ثمّ كبدي

إذا يوماً سمعت بنبأ موتي.... يكون بيومها قد مات ودّي"».

عنه قال الأستاذ "جمال أبو سمرة": «حين أذكر الشاعر "مصطفى الحسون" تحضرني القصيدة المثقفة المثقلة بالهم الإنساني بأبعاده الوجدانية الاجتماعية، وهي تعكس حالة الاغتراب الروحي والخراب والأرض اليباب، يجتهد فيها لتجسيد حالات الصراع التي تكتنف العالم من حوله، فينزع في قصائده نزعة درامية توغل في النقاط مفارقات الحياة بتفاصيلها الموجعة ببراعة، هو شاعر رقيق ينفذ إلى شغاف القلب بما أوتي من موهبة شعرية تدهش المتلقي بعيداً عن التقريرية والمباشرة، أو الإغراب والغموض الذي يغرق فيه شعر الكثيرين من الشعراء اليوم».

الشاعرة "سلام التركماني" قالت: «ضمّت شجرة الإبداع الشعريّ في وقتنا الراهن ثماراً بين الناضجة واليافعة، يقطف منها المتلقي ما يهوى ويحب، من هذه الثمار التي أحبّ أن أتذوقها وأتلذذ بحلاوتها، تجربة الشاعر "مصطفى الحسون" الناضجة بفعل ثقافته وحرصه على دعم كلمته بمصادر الثقافة والعلم، فنجد في نصوصه ما يدل على جودة شاعر لا يكتب لمجرّد الكتابة، وإنّما يحرص على تقديم شيء نوعيّ يستحقّ الوقوف عند عناصره وموضوعاته، أشعر وأنا أقرأ نصوصه أو أستمع إليه في الملتقيات الشعريّة بأنني أتقمّص الجوّ النفسيّ لقصائده بكل مكنوناته، وهذا إن دلّ على شيء يدلّ على جودة ما يكتب».

  • يذكر أن الشاعر "مصطفى الحسون" من مواليد 1970، وهو أول شاب في منطقته حصل على الشهادة الثانوية الحرة عام 1989، يحمل إجازة في الآداب باختصاص اللغة العربية من جامعة "دمشق"، ودبلوم الدراسات التربويّة.
  • من كتاباته قصيدة "إلى قديسة":

    "تداعيات لامرأة مستحيلة

    من أين أبدأ والحروف تذوب في شفتي

    ويرهقني السؤال

    يا قصة الحبِّ التي ما لوَّنت وجه الدفاتر

    أو تجلَّت في خيال

    من أين أبدأ؟ والصقيع يميت غراس الحقول

    ونار وجدي تحرق الآتي

    يا قصة القلب المحاط بألف قيدٍ من مُحال".