عرّف القارئ العربي على أسماء لم يتطرق إليها الكتّاب، وله في ذلك العديد المؤلفات منها "معجم الكتابات العامية الشامية، المعجم العامي الفصيح من كلام أهل الشام، التقاليد الشامية في الديار الأندلسية..."، إنه الدكتور الباحث "محمد رضوان الداية".

بحث بعمق في الأدب والتراث وخاصة "الشامي والأندلسي" منه، وقد خص "أبي البقاء الرندي" بمؤلف كامل تحت عنوان "رثاء المدن والممالك الزائلة"، والحديث معه يأخذك إلى جوانب متعددة من الثقافة.

ينطلق الدكتور "الداية" من حب للعربية والتزام مطلق بالعربية الفصيحة، فهو واحد من التراثيين الذين عشقوا اللغة، ووقف أمام كل الدعوات العامية واللهجية، لذلك تراه في موسوعته "الشامية" يبدأ الحديث عن تلك المحاولات، وأجزم أن الغاية من وراء هذه الوقفة إيضاح المراد أمام من يظن في الموسوعية دعوة إلى العامية، فهو لا يرى الجدوى من محاولات تعزيز مكانة اللهجات سواء أكانت من العرب، أم من المستشرقين وسواهم من الدارسين الذين درسوا اللهجات العامية، وحاولوا إحلالها مكان الفصيحة، والمحاولات لم تتوقف حتى اليوم

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 حزيران 2014، د."محمد رضوان الداية"، وكان معه الحوار الآتي:

الداية في إحدى الندوات بدمشق

  • ما سبب اهتمامك بالتراث وخاصة الأندلسي، وبمن تأثرت في ذلك؟
  • ** في الحقيقة تأثرت بأستاذ كان يأتينا من "لبنان" يومي الأربعاء والخميس، كان يدرسنا التاريخ الإسلامي الأموي والأندلسي، ومن خلاله تعرفنا على آفاق الحضارة العربية، فجذبني ذلك من باب الثقافة من جهة، والاطلاع على تراث الأمة من جهة أخرى، وما نجده من الإرث الحضاري الشامي له الفضل على الحضارة الأندلسية، من العادات والتقاليد التي تبدأ من المأكل والملابس، وحين أصبحت الأندلس قوية بقيت العادات والتقاليد الشامية لها بصمتها المؤثرة.

    من مؤلفات الداية

    إذاً اهتمامي وتعمقي بهذه الحضارة له شقان: الأول هو الجانب الحضاري والإعجاب بهذا الجزء من العالم العربي الإسلامي في ذلك الحين، الذي اعتبر قفزة في التطور البشري، والجانب الثاني يتعلق بمتابعة عملي وهو جزء مما أشتغل عليه في مسيرتي الأدبية، فضلاً عن اهتمامي وإعجابي بجلّ الثقافات الملونة الغنية، وأغلبها أساسها من الحضارة العربية، ولكنها أخذت طابعها المحلي نتيجة الصراع مع أوروبا، وبهذا الشكل أصبحت الأندلسيات في العلوم والفنون والآداب والعمارة والزراعة، لها خصوصية.

  • لك الكثير من المؤلفات بهذا الخصوص، هل تحدثنا عنها بإيجاز؟
  • من مؤلفات الداية

    ** في الأندلسيات أكثر من أربعين مؤلفاً، إضافة إلى التراثيات والثقافة يصل عددها إلى السبعين مؤلفاً، والحقيقة هناك عدد من الكتب ما تزال في المطبعة، لكن في باب التأليف آخر كتاب كان تحت عنوان "في تاريخ الأدب الأندلسي" يجسد ملخص حياة الأدب في الأندلس مع عرض لمسيرة بعض الشخصيات التي لها بصمة في تاريخ الأدب الأندلسي.

  • في أي تصنيف تضع "في تاريخ الأدب الأندلسي"؟
  • ** في الحقيقة يعد هذا الكتاب منهاجاً، الآن في الساحة الأدبية كتابان مهمان في تاريخ الأدب، واحد للدكتور "شوقي ضيف" وآخر للدكتور "عمر فروخ"، وكلاهما تحت عنوان "تاريخ الأدب العربي"، وهما من أساتذتي، الأول درّسني في "دمشق"، والثاني "في القاهرة"، ولكليهما منهجه، وأنا اخترت منهجاً لي، يكمن في استكمال المعلومات الضرورية عن كبار الأدباء، والحديث عن أهم الاتجاهات الأدبية والفنية مع الأرضية التاريخية الثقافية والحضارية، والعلاقة ما بين المشرق والأندلس وبين الأندلس وأوروبا في الفنون الأدبية، وكما للثقافة العربية تأثير في الأندلس كذلك هناك تأثير للثقافة الأندلسية في الغرب، وهذا تقوله العديد من الدراسات أغلبها للمستشرقين.

  • بالنسبة للشق الثاني من اهتمامك ألا وهو التراث الشامي وخاصة فيما يتعلق بموضوع اللهجة، لماذا خرجت عن الشكل الأكاديمي واعتنيت أكثر بالعامية؟
  • ** إلى الآن الذي أخرجته هو قولي فيما يتعلق باللغة، مثل الأمثال والكنايات والأقوال...، الأصل فيه أن هذا التراث الشامي هو جزء من الثقافة العربية الإسلامية، لكن قد يسمى أحياناً بالعامية.

  • هل لك تعريف خاص بالعامية؟
  • ** العامية، هي لغة عربية فصحى دخلتها ظروف مختلفة من الضعف أو دخول بعض المفردات الأجنبية، وتغير بعض هذه المفردات لأسباب تاريخية مع مرور الزمن، نحن الآن نقول للناس لغتكم هذه الدارجة يمكن إعادتها إلى الفصيح بسهولة، وأصدرت كتاباً سميته "معجم العامي الفصيح من كلام أهل الشام"، حاولت فيه جر العامية إلى الفصحى وتقريبها إلى الناس، والهدف منه أن نردم، ومعي العديد من الكتاب، الهوة ما بين العامية والفصيحة، وهذه العملية ليست مستحيلة، حيث بإمكاننا أن نعود مرة أخرى ونتحدث بالفصحى المبسطة، وفي ذلك نبدأ من الأطفال مروراً بالمدارس وصولاً إلى الجامعة، النقص أو الضعف هذا له أسبابه، وإذا تمت معالجته يمكن أن نتخلص منها.

  • هل اهتمامك باللهجة الشامية جاء من هذا المنطلق فحسب، أم لكونك شامياً؟
  • ** ربما لكوني شامياً، وأيضاً لا يستطيع أحد أن ينكر أن تاريخ "دمشق" يجذب أي كاتب ليتعمق فيه ويخوض دراسته، وهو جزء من حضارتنا وتاريخنا، السرد التاريخي لـ"دمشق" يعود إلى التاريخ البعيد، وهي من المدن التي تنتمي إلى الحضارة البشرية، كما هو معروف بأن "دمشق" أقدم عاصمة مأهولة عالمياً، وبالتالي ما أعمل عليه ليس ثقافة عمرها مئة عام، بل ثقافة يعود عمرها إلى آلاف السنين وتوارثت مع الأجيال، ولذلك أعتبر اهتمامي بالشاميات يعني الاهتمام بالتاريخ العربي والإسلامي.

  • ولكن هناك من اتهمك وبشكل صريح بانحيازك إلى العامية؟
  • ** أنحاز إلى العامية لردها إلى الفصيح، والعامية والفصيحة تتقاطعان في العديد من الكلمات.

  • ماذا يختلف كتابك "الكنايات العامية الشامية وأصولها الفصيحة" عن بقية مؤلفاتك؟
  • ** بقية الكتب لم أضع عبارة أصولها الفصيحة، وهذا ما قلته في مقدمة الكتاب، فإذا أخذنا بعض الأمثال بقيت كما هي من الجاهلية، الحضارة مستمرة واللغة جزء من الحضارة، يمكن أن تضعف في بيئة لأسباب تاريخية وتفشي الأمية ولكن هذا لا يلغي أن أصل كل عامية فصيح. العامية هي لغة عربية ثم دخلت عليها بعض الطوارئ، إذا أسقطنا الطوارئ رجعت إلى الفصحى مرة أخرى.

  • هل هذه الكتب موجهة للجيل الجديد؟
  • ** لا هي للقارئ العام، بالنسبة للجيل الجديد يمكن أن نخاطبهم من خلال كتيبات نتطرق فيها إلى التوجيه والتنبيه أو الإشارة ونعطيهم النتيجة. ينبغي أن تدرّس العادات والتقاليد وتوثق، لأنها تطابق أخلاقنا العربية.

  • أخيراً، تم تكريمك من قبل وزارة الثقافة في فعاليات "أيام الثراث السوري"، ماذا تقول عن هذا التكريم؟
  • ** أستطيع القول: "لا شيء تصنعه وينسى"، كنت أهاجَم كأستاذ جامعي يدرّس في مواضيع اللهجات والكنايات الشامية، ولكن هناك العديد من أصدقائي وتلاميذي والقراء قدروا ذلك، والوزارة هي من اهتم بهذا الموضوع، فأنا سعيد بهذا التكريم.

    يقول الدكتور "إسماعيل مروة" الإعلامي والشاعر وأمين تحرير الشؤون الثقافية في جريدة "الوطن" السورية: «ينطلق الدكتور "الداية" من حب للعربية والتزام مطلق بالعربية الفصيحة، فهو واحد من التراثيين الذين عشقوا اللغة، ووقف أمام كل الدعوات العامية واللهجية، لذلك تراه في موسوعته "الشامية" يبدأ الحديث عن تلك المحاولات، وأجزم أن الغاية من وراء هذه الوقفة إيضاح المراد أمام من يظن في الموسوعية دعوة إلى العامية، فهو لا يرى الجدوى من محاولات تعزيز مكانة اللهجات سواء أكانت من العرب، أم من المستشرقين وسواهم من الدارسين الذين درسوا اللهجات العامية، وحاولوا إحلالها مكان الفصيحة، والمحاولات لم تتوقف حتى اليوم».

    الدكتور "محمد رضوان الداية" كاتب وأستاذ جامعي ولد في "دوما - ريف دمشق" عام 1938 تلقى تعليمه في "دمشق" وتخرج في جامعتها حاملاً الإجازة في اللغة العربية، ثم نال الماجستير والدكتوراه من "القاهرة" وعمل مدرساً في "دمشق، والجزائر، والإمارات".