الرحلة في مفهومها الأكاديمي هي كشف للذات المرتحلة وفهم لذات الآخر، فضلاً عن كونها وثيقة تاريخية تقوم على المشاهدة والمعاينة والوصف الدقيق لأحوال المجتمع الذي وقف عليه صاحب الرحلة.

الدكتور "محمد شفيق الرقب" بين لمدونة وطن "eSyria" أن الرحلة كانت عنصراً أساسياً في حياة المجتمع العربي في عصوره الزاهرة ما حتم على أبناء الأمة الواحدة التواصل الاجتماعي والتبادل الفكري والأدبي والتفاعل العاطفي والوجداني.

كافة الرحالة الأندلسيين حملوا معهم نتاج حضارتهم وعلومها إلى بلاد الشام وفي نفس الوقت نقلوا في طريق عودتهم أبرز الأعمال والمنجزات العلمية والأدبية، وهذا ما خلق نوعاً من التواصل الحضاري والفكري بين الجانبين وأكد أهمية أدب الرحلات في المثاقفة بين الحضارات والشعوب

وفي رده على سؤالنا عن سبب اختيار "الشام" نموذجاً لأدب الرحلات بين الشعوب قال: «بلاد الشام كانت على مر العصور محط أنظار الرحالة والجغرافيين، حيث أذهلتهم رؤى الديار الشامية متمثلة في المشهد الطبيعي ومظاهر العمران الاجتماعي وصور النشاط العلمي، وبدت "دمشق" في نواظرهم جنة المشرق وشامة الدنيا حيث راح بعض الرحالة يحث طلبة العلم في العالم الإسلامي على قصد هذه الديار».

د. مهجة

الدكتورة "مهجة الباشا" من جامعة "حلب" والتي قدمت بحثاً يتضمن أثر الرحالة الأندلسيين في بلاد المشرق عموماً والشام بشكل خاص، قالت عن هذا الأثر: «أثر الرحالة الأندلسيين في بلاد المشرق عموماً لم يتم التطرق إليه من قبل، وهو يقدم للمرة الأولى في هذه الندوة، حيث إن كافة الاتجاهات السابقة في دراسة أدب الرحلات كانت تتناول أثر المشرقيين في بلاد الأندلس وما تركوه من علم وأدب وفن وذلك منذ نشأة الحضارة الأندلسية إلى وقتنا الراهن، وكأن الرحالة القادمين من الحضارة الأندلسية لم يقدموا شيئاً من نتاجات حضارتهم وعلومهم المختلفة، ولدى الحديث عن هذه النتاجات نقابل عادة بالرفض والمعارضة وفي هذا جانب من الاستعلاء ورفض الآخر».

ثم أضافت: «الرحالة الأندلسيون الذين قدموا إلى المشرق وبلاد الشام تحديداً تركوا بصماتهم في ميادين مختلفة "علمية- طبية- علم النبات- الشعر- الفقه..."، فالحضارة الأندلسية كانت البوابة الحضارية التي نقلت إرث الحضارة الإسلامية إلى أوروبا فهم يمثلون هذه الحضارة بكل ما فيها من تجليات».

أما أثر هذه الرحلات بين الشام والأندلس فقالت عنها: «كافة الرحالة الأندلسيين حملوا معهم نتاج حضارتهم وعلومها إلى بلاد الشام وفي نفس الوقت نقلوا في طريق عودتهم أبرز الأعمال والمنجزات العلمية والأدبية، وهذا ما خلق نوعاً من التواصل الحضاري والفكري بين الجانبين وأكد أهمية أدب الرحلات في المثاقفة بين الحضارات والشعوب».

كما سألنا د."مهجة" عن "دمشق" في عيون رحالة الأندلس فأجابت: «"دمشق" مثلت لكافة الأدباء والعلماء الأندلسيين جنة المشرق وأرض الحضارة الأولى، وكانت مقصداً لكل مرتحل وباحث عن العلم والأدب، فسحروا بجنانها ورياضها وطيب أهلها وكرمهم وحفاوتهم بالضيف، إضافة إلى وصفهم للحركة الفنية والأدبية فيها حيث كانت عاصمة الشرق في الأدب والعلوم والفنون، وذكر كل ذلك في كتاب "نفح الطيب" للباحث "المقري" الذي سكن "دمشق" فترة طويلة وتغنى بجمالها وروعة سحرها، إلا أنه أخذ على أهلها استعلاءهم على الأندلسيين وعلومهم، وله مقولته الشهيرة في ذلك: "لو جاء الرسول "ص" للمشارقة من المغرب لكذبوه"».