كثيرة هي أمسياته الشعرية لكن الأمسية التي أحياها في المركز الثقافي "بالمزة" يوم الأربعاء 25/5/2011 لم تكن كغيرها، فالشاعر "عمر الفرا" الذي كتب للوطن وتغنى بالمقاومة وأبطالها وجد اليوم لكلماته وقعا مختلفا عند السامعين، وصدى يردد للوطن من جميع السوريين.

قبل وصول الشاعر "عمر الفرا" إلى منصة المدرج بوقت طويل كان الحضور قد حجز مكانا له ولم يعد لوافد بدا من الوقوف، وحتى هذه الحالة لم تعد ممكنة لدى إلقاءه قصيدته المشهورة "وطن"، فالمدرج امتلأ عن آخره والأصوات المرددة خلفه حجبت صوته الذي هزه طول العمر وانطقه حب الوطن.

قلت لولدي طيور البر تلف الكون.. وتعود للأرض اللي جرت منها

البداية كعادته كانت مع شعر الغزل وفصول الحب التي عاشها واختبرها في حياته، وحتى في شعره الغزلي لم تخل أبياته من التطرق للوطن وحرقة الغياب عنه يقول في إحدى قصائده.. "إن الفؤاد بلا حبيب ..كالغريب بلا وطن".

جانب من الحضور

وأجاد "الفرا" في قصيدته "رد على رسالة مراهقة"، متحدثا عن تلقيه رسالة من إحدى فتيات الثانوية، فكتب لها ردا يشكو فيه ماضي أيامه وقسوة أحلامه، ولم ينس في نهاية قصيدته أن يعلق عليها ساخرا بقوله: «هذه القصيدة هي الوحيدة التي حاسبتني عنها زوجتي».

وأكمل "الفرا" في قصائده الغزلية معرجا على قصيدة "عبادة"، وروى قصة قصيدة "ياسمينة"، إضافة إلى وصفه موعده الغرامي الأول في قصيدة "موعد عند موقف باب الدريب" حيث نشأ وتربى في مدينة "حمص".

فراس العزب

وانتقل على وقع التصفيق والهتافات إلى شعر المقاومة الذي وضعه بين أئمة الشعراء وكبارهم، البداية كانت من قصيدة تمجد صمود "غزة" وأهلها، اتبعها بقصيدة أطلق عليها "رجال الله" مادحا فيها أبطال المقاومة في "لبنان وسورية وفلسطين"، انتقل بعدها إلى قصيدة "جول جمال" التي ختمها بالتأكيد على أن كل سوري هو "جول جمال" بروحه وفكره لكنه يحمل اسماً حركياً.

وفي الختام ردد قصيدته المشهورة "الوطن" والتي كانت عنواناً لأمسيته الشعرية وعن شهرتها قال لمراسل eDamascous: «الوطن كالأم إلا أنها قد تفرق بين أطفالها وتعطف على احدهم أكثر من آخر، إلا أن الوطن يحتضن الجميع دون تفرق أو تردد، ويقال من مات ودفن خارج وطنه تبقى روحه هائمة حزينة ولا تعود السكينة إليها إلا حين تعود للوطن».

يوقع اوتوغرافا لاحدى الفتيات.

«قلت لولدي طيور البر تلف الكون.. وتعود للأرض اللي جرت منها»، هي كلماته ووصيته لولده، وعن الكلمات وبالوطن يقول: «الكلمات أقوى وأبقى من كل سلاح، وأثرها يعم الوطن ويحرك مشاعر أبنائه ويغسل القلوب الضعيفة، والوطن للجميع إلا من أبى، وسيبقى شامخا أبيا بابنائه ورجاله وقادته».

كلمات الحاضرين في وصف الأمسية ومن قام باحيائها عجزت عن التعبير، وهو ما أكدته لنا السيدة "فايزة المصري" مدرسة في "حرستا": «حين استمع إليه على شاشة التلفاز ويصل في قصيدته إلى الشطر الذي يقول "يا ابني الوطن رقم واحد"، تغلبني مشاعر يعجز اللسان عن وصفها إلا أنها ترتد دمعا بلا سبب، والحقيقة أن كلماته تهز النفوس والقلوب، وتعبر عما يختلج في صدر كل سوري».

وبالنسبة للسيدة "المصري" فان ما يميز "الفرا" من غيره يتمثل في: «العفوية والبساطة، والأسلوب الفريد في الإلقاء الذي اعتبره نصف القصيدة، كما أن إحساسه مرهف وحبه للوطن يظهر في عيونه وكلماته».

واتفقت السيدة "عهد دهشان" مع صديقتها في المزايا التي يحملها "الفرا": «طريقة إلقائه أكثر ما يميزه، وأعتقد أن ذلك ما يشد الناس إليه، إضافة إلى روحه المرحة وبساطة كلماته، وأمسيته اليوم عن الوطن أمتعت الجميع، وأججت حب الوطن في النفوس».

ولاختيار الشاعر "عمر الفرا" من قبل الاتحاد الوطني لطلبة سورية في إحياء أمسية اليوم قال لنا "فراس العزب" رئيس فرع معاهد "دمشق": «سنوياً نقيم أمسية شعرية للشاعر الكبير "عمر الفرا" الذي نرى فيه أحد رموز الوطن وقاماته الأدبية، واليوم تحمل الأمسية معنى مختلفا لما تمر به سورية من ظروف حولت هذا الأمسية إلى حالة من التلاحم الوطني والالتفاف حول الوطن خوفا على أمنه واستقراره».

بقي أن نشير إلى أن الشاعر "عمر الفرا" من مواليد تدمر 1949، بدأ كتابة الشعر الشعبي منذ عمر الثالثة عشرة، واشتهر بطريقة إلقائه السلسة للشعر وكلماته المعبرة القوية، عمل بالتدريس في مدينة "حمص"، قبل تفرغه للأعمال الشعرية والأدبية.