مسرحية حكايات الملوك للأستاذ الراحل ممدوح عدوان كانت موضوع النقاش،على طاولة القراءة المستديرة في المركز الثقافي العربي- أبو رمانة... طاولة القراءة المستديرة( أول يوم سبت من كل شهر ): فكرة أطلقها الأستاذ صباح الحديدي، بموافقة وزارة الثقافة، وبالتزامن مع احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008.

ترأس الطاولة د. نبيل الحفار، الذي قدم قراءة نقدية معمقة للمسرحية، تخللتها العديد من المداخلات، والتساؤلات لشباب تميزوا بالقراءة الدقيقة لمفردات النص المسرحي(موضوع النقاش)،وعناصره ... بل قرؤوا مابين سطوره أيضاً. أدار النقاش الأستاذ صباح، بحضور السيدة إلهام عبد اللطيف عقيلة ممدوح عدوان، ورئيسة دارٍ للنشر و التوزيع أنشأتها باسمه.

د. نبيل الحفار: حائز على إجازة في الأدب الألماني من جامعة لا يبزك ألمانيا عام 1969م...دكتوراه في الفنون المسرحية عام 1989 من جامعة هامبورغ ألمانيا...تولى التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية من العام: 1981إلى العام 2002م، وترأس قسم الدارسات المسرحية فيه، عمل في مجلة الحياة المسرحية منذ تأسيسها، ورأس تحريرها في العام 1990م.

عمل منذ العام2000 في هيئة الموسوعة العربية، وهو رئيس قسم اللغات و الآداب الأجنبية فيها، ترجم القصة و الرواية، و الدراسات عن الألمانية، وحاز على جائزة الأخوين غريم في الترجمة من ألمانيا عام 1982م.

أعد مجموعة من المسرحيات للمسرح القومي، والمعهد العالي، والقطاع الخاص.

ممدوح عدوان كما عرفه د. الحفار: عرفت ممدوح عدوان منذ دراسته في الجامعة (أدب الإنكليزي 1964-1968م )... عرفته شاعرا،ً ثم مسرحياً، وهو من الكتاب و الشعراء، الذين تحولوا إلى كتابة المسرح، لأنهم وجدوا فيه وسيلة تعبير ٍ أبلغ، وأكثر تأثيراً في المشاهد، وقدرة على التحريض.

تميزت كتابات عدوان بالغزارة والتنوع، على صعيد الأجناس الأدبية عامةً... ورغم كونه شاعراً... لم يكتب سوى مسرحية شعرية واحدة... إيماناً منه بخصوصية الكتابة المسرحية المعاصرة، حيث أدرك بما لديه من وعي عميق، أن المسرح الشعري لا دور له، أو على الأقل محدود التأثير ،في عصرنا الحالي....من ناحية أخرى تميز عدوان بانتمائه الشديد للغة العربية، حيث لم يكتب مسرحياته إلا بالفصحى، باستثناء نص مسرحي و احد (السفربرلك)... لأن ذلك النص يعتمد على العديد من الأشعار والمواويل، التي لا يمكن نقلها إلى اللغة العربية الفصحى.

كان مجرباً وجريئاً جداً، و لا يمكن أن تخضع نصوصه إلى قاعدةٍ محددةٍ في المسرح... في كل عمل من أعماله يلجأ إلى أسلوب جديد ... قد يكرر بعض العناصر (كالراوي)، لكن البنية في حد ذاتها تتنوع بين عملٍ و آخر، ونادراً ما نجد عملين من بنية درامية واحدة...

مداخلات:

وائل الدغلي ( ماجستير أدب عربي): حكايا الملوك مسرحية تعتمد على تعدد الشخصيات و الرموز... ترسم المجتمع بكل طبقاته...الغالبية العامة من الناس مثلها عدوان بكلمة (واحد)...لدينا شخصية عامر: المثقف الواعي و المكبل بالسلطات الاجتماعية، والدينية، والسياسية المتحكمة بالمجتمع... مجموعة من الشخوص الذين هربوا من الواقع باتجاه المخدرات... شهرزاد: جاءت من قصة ألف ليلة وليلة، وبدأت تأتي بقصص من التراث تحاول من خلالها كشف الغمامة عن الناس (شخوص العمل)... منهم من استجاب بسرعة ... المثقف ظل نوعاً ما محافظا،ً ولكن عندما وجد الجميع انخرط في اللعبة، خرج من الخوف الموجود بداخله، وساير البقية في تمثيل شخصيات الحكايا التي قدمت... حكايا الملوك: مسرحية تطرح أيضاً مفهوم السلطة التي تتحكم بكل شيء...

أي شخص فيما لو أصبح ملكاً سيتصرف بنفس التسلط... ضرورة استفاقة الشعب الذي لا بد له من الحرية، وإعادة توزيع الثروة ... هذا ما قدمته شهرزاد من خلال التراث، وحكايا المجتمع...

العمل تطرق إلى أحلام الناس البسيطة، التي بدأت تتعقد تدريجياً كلما ازداد وعيهم... هكذا تحولت الأحلام من مجرد الحصول على لقمة العيش إلى الحلم بالحرية.

ألجي حسين( طالبة صحافة سنة رابعة –يعمل في مجلة شرفات الصادرة عن وزارة الثقافة): المسرحية نقد منهجي، من رجل غيور على تراث، وخيال أمةٍ من الأمم... تقف في وجه كلّ من يحاولُ وضع سقف للخيال الإنساني... هي عمل لا يخلو من الشك في بدايته... تمهيداً لشكوك أخرى نتابعها لا حقاً في المسرحية... ابتداءاً من طيف عنترة، الذي يتسلل إلى أحلام أولئك المتعبين... عنترة الذي طالما داعب ذاكرتهم، وأوصلتهم بطولاته إلى حالة من التوازن مع واقعهم، بكل ما فيه من قبحٍ ومعاناة ... و تنضم إلى حملة التشكيك كتب التاريخ، وسير الملوك والقادة، مثل صلاح الدين الأيوبي و الظاهر بيبرس...

الشك كان يطال كل شيء نقله التاريخ، أو على الأقل هناك محاولة لإيجاد معادل عقلي للحادثة التاريخية...كل ذلك جاء على ألسنة مجموعة من الحشاشين، في حين كانت الشواهد والأدلة، تأتي على السنة أبطال المسرحية ...

مثال ذلك : الاختلاف في الطبعات التي قدمتها دور النشر لألف ليلة و ليلة ... كيفية إحضار عنترة بألف ناقةٍ حمراء!!

أخذ الكاتب دور القاضي، وترك للطرف الآخر الدفاع عن شخوص العمل... هنا تقول شهرزاد:هم ألفوا الكتاب... شهريار ليس حقيقياً... وبهذا تضاف إلى قائمة الشك شكوكاً أخرى، تعلن عن بداية مرحلة التفكير والوجود...

ولأن أحلامنا صغيرة ... التفكير سيكون محدوداً كخيالنا... وهذا الأمر تروج له المقولات التي تفوهت بها شخصيات المسرحية ...ربما لخللٍ في المعرفة أو لظروفٍ أخرى...

مسرحية حكايات الملوك تحكي سير ملوك خانوا شعوبهم، وفضحوا أمام الجموع التي يحكمونها... مسرحية تصور جشع السلطة وظلمها... النص (برأيي) دعوة إلى الحوار بين حاضر منهك، وفانتازيا لا نعلم عنها شيئاً لكن النص- رغم ذلك- لم يوصلنا إلى الحقيقة المطلقة، وقد يكون المؤلف محقاً لأنه لا يوجد في عصرنا بالذات إجابات مطلقة.

الأستاذ صباح الحديدي: عنوان المسرحية حكايات الملوك... فهل تمتلك المسرحية حكاية؟

أجابت ديمة النجار(طالبة هندسة زراعية): حكايات الملوك ليست حكايات الملوك بحد ذاتهم، و إنما هواجس...

سطوة الهواجس علينا هي الملوك التي تمارس سلطتها علينا...

عودة للدكتور نبيل الحفار:ماهو متوفر الآن من ألف ليلة و ليلة في المكتبات، طبعة مشذبة عن الطبعة الأصلية (إن صح التعبير)... الطبعة الأصلية -مثلاً- موجودة في مكتبة الأسد، و تتطلب إذناً خاصاً من أستاذ جامعي للإطلاع عليها ...

طبعة بولاق- القاهرة هي النص شبه الكامل لألف ليلة و ليلة، وكذلك طبعة دار المثنى – العراق، وهي النسخة الأكثر تعميماً من طبعة بولاق(لأنها كانت رخيصة الثمن مقارنةً بالأولى، وترجم عنها للعديد من اللغات الأجنبية).

النسخة الأصلية للكتاب، أثارت العديد من القضايا الاجتماعية و الدينية... هل يمكن أن يكون هذا تراثنا؟... كصورة هارون الرشيد التي أتت في ألف ليلة وليلة مناقضة لما رواه المؤرخون عته... فضلاً عن الإيحاءات الجنسية الفاضحة في الأشعار التراثية القديمة...عندما أعيدت طبعة بولاق تدخل الأزهر، واحرقت هذه الطبعة مباشرةً في الساحات العامة، وامتد الأمر إلى مجموعة من الكتابات الأخرى تنتمي إلى مثل ذلك النوع من التراث و الفكر... تلك أثرت في مجموعة من الكتاب و المثقفين العرب، ومنهم ممدوح عدوان (الذي كان له علاقة خاصة بالتراث العربي)... هنا خطرت بباله فكرة كتابة مسرحية حكايات الملوك ... و لكن هل ناقش فيها فقط حكايات ألف ليلة وليلة؟ أم استخدمها كمفجر لمجموعة من القضايا الأخرى التي تندرج في نفس الإطار؟

مثلاً النكسة ( 5 حزيزان 1967) هي التسمية السياسية للهزيمة... في كل الكتابات الأدبية سميت على حقيقتها... هزيمة... مجموعة كبيرة من مسرحيات عدوان تشير لها على أنها هزيمة ( على الصعيد الثقافي، والإجتماعي، والاقتصادي)... المهم في تلك الكتابات البحث في الأسباب، التي أدت إلى مثل تلك النتيجة( الهزيمة)... هذا جانب مما طرحه ممدوح عدوان، في مسرحية حكايات الملوك..

شخوص المسرحية و شخصياتها( د.نبيل الحفار): الشخصية هي الكيان الإنساني المتكامل، الذي يمكن أن تقدم عنه سيرة حياة، أما الشخص فهو الذي يلعب وظيفة درامية محددة ثم ينتهي دوره...في حكايات الملوك: يقترب عامر من الشخصية... في حين أن باقي الشخوص يقومون بوظائف درامية، و في الوقت ذاته يقدمون لنا بمجموعهم الصورة الإجتماعية، والإقتصادية، والتاريخية لوضعٍ قائمٍ نعيشه... تلك الشخوص (كالحشاشين) أتت من قاع المدينة... وهم( بغض النظر عن الحكم الأخلاقي عنهم ) مجموعة من النماذج الاجتماعية الموجودة ضمن ظروفٍ محددة... كلها ترفض تلك الظروف، و تلجأ إلى السكر والحشيش لتسري عن نفسها ... تريد أن تنسى الواقع... عندما يدخل عليهم عامر، ويبدأ بطريقة غير مباشرة بتفجير الصواعق الصغيرة( عن غير قصد مسبق)... يدخل من الجانب السلبي ليتطور إلى الجانب الإيجابي في آخر المسرحية ، و نتيجة خط التطور هذا يكون أقرب إلى الشخصية... في حين أن بقية الشخوص لا تتطور .. يبقون على ماهم عليه ... من مجموعة الطروحلات التي تقدمها الشخوص، نصل إلى نقطةٍ محددة، في اللعبة الدرامية و لا بد أن يحدث هنا شيء معين... هذا الشيء يخضع لعلاقة ممدوح مع المسرح... ممدوح عدوان يعرف المسرح من الداخل، ونصه المسرحي لا ينتهي بمجرد نشره، بل يتفاعل و يتفاعل...

ظهور شهرزاد لم يكن مفاجئاً على الإطلاق، و إنما ظهرت بكل خفةٍ بساطة.. تدخل علينا كشخصيةٍ من الخيال ثم تصبح شخصاً فقط ... تقوم بوظيفة درامية، و تتلاعب ببقية الشخوص، وتلعب مع عامر، و به و تحوله إلى شخصية...عامر عندما ظهر في البداية كان نمطاً من الكائنات الإنسانية، يقرأ في التراث ... ينتقد الآخرين، و يهاجمهم في سلوكهم... هو يقرأ الف ليلة و ليلة، ويضع خطاً أحمر تحت المواضع المثيرة، و هو في واقع الحال نهمٌ لها، ونهم إلى أن تتجسد أمامه، لكنه على مستوى السلوك الظاهري: يرفض ذلك لكي لا يهتك سره، فهو يريد أن يمارس كل شيء في السر...

شهرزاد تساعد عامر في تحويل سره إلى حقيقة... ألا يخجل من أسراره، و يكشفها علناً لتصبح ملكاً للجميع... هنا تقول لهم الجملة المفتاحية في المسرحية (الأساسية): ليس هناك مؤلف محدد لكتاب الف ليلة و ليلة... ليس التراث هو الذي كتب ألف ليلة وليلة... خيالكم أنتم هو الذي كتب ألف ليلة و ليلة.

د.نبيل الحفار:

حكايات ألف ليلة و ليلة لم توجد فقط لنتسلى بها و إنما هي تتضمن في المستوى الثاني مجموعة من القيم الإجتماعية و تكشف عن تراتباتٍ إجتماعية بين حاكمٍ و محكوم و طبقاتٍ إجتماعية معينة ( عبيد و سادة، مجموعة مالكين وتجار و خدم ).

لكن ممدوح بذكائه عندما أراد أن يجعل شهرزاد تلعب مع الأخرين لم يأت بحكايةٍ من ألف ليلة و ليلة، و إنما بشهرزاد فقط... حيث اعتمد مثلاً على حكاية الملك العاري ( لهانز كريست آندرسون – صاحب مجموعة من الحكايات الخرافية- كاتب دانماركي)... استخدم هنا لعبة الفارق بين الخرافة و الخيال... حيث ينتقل بنا إلى حكاية ملك خرافية، لا يمكن أن تحدث في الواقع، ولكن يحتمل حدوث بعض عناصرها... شهرزاد من ألف ليلة و ليلة، لكن الحكاية التي تحرك كل الشخوص ... هي حكاية الملك العاري...والطفل البريء الذي لم تؤثر به السلطة، ولا المجتمع هو الذي يكشف رياء الحاشية، وخداعها... قد يبدو أن هذه الحكاية تبرأ الملك، وتضع الحق على الحاشية.. بين قصة الملك الخيالي الذي لا يبحث عن الند، وقصص ملوك حقيقين قتلوا أنداهم ليتفردوا بالسطلة ...قصص سردها ممدوح عدوان في نهاية المسرحية ... هل و صلنا إلى نفس النتيجة ( الحق دائماً على الحاشية)؟ أم إلى نتيجةٍ أخرى؟ ... المسرحية في النهاية حكايات ملوك.

استمر النقاش لما يزيد على الساعة و النصف... نوقشت كل عناصر المسرحية، و بتفصيلٍ دقيق في جلسةٍ لم تغيب عنه الحماسة في طرح الرأي، والإنصات باهتمام للرأي الآخر... لقد كانت بحق طاولةً مستديرة...

السيدة إلهام عبد اللطيف ل eDamascus : تجربة الطاولة المستديرة فكرة جيدة .. أهم مافيه وجود شباب صغار في السن نسبياً مهتمين بالقراءة ... أنا سعيدة جداً بهذه التجربة بغض النظر ن كون أحدى مسرحيات ممدوح عدوان هي موضوع النقاش... لقد أنشأت داراً للنشر سميتها باسمه ( دار ممدوح عدوان للنشر و التوزيع)

لدينا مشروع مشترك مع الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية2008... طباعة نصوص من المسرح السوري على مدى 100عام ابتداءاً من أبي خليل القباني وصولاً إلى مسرح الشباب... لدينا مخطوطات ستنشر للمرة الأولى ( لوصفي المالح على سبيل المثال)... أنا مهتمة جداً بموضوع الشباب الذي يكتبون المسرح و يخشون من أن النص المسرحي ليس له حضور... سنحاول معاً إعادة الإعتبار للنص المسرحي.