في الوقت الذي كانت فيه الكثير من الخبرات تغادر "سورية"، عادت، وفي الحقل الذي يتقاضى العاملون فيه الأجور الأعلى، أخذت الأقل.

لم تمنعها الحرب ولا مشاغل الحياة ومسؤوليات الأسرة من إنجاز أعمالها بمنتهى الحبّ والدقة، بل إنها تقصدت البدء بالعمل في ذروة الحرب على "سورية"، لتثبت للعالم أنّ هذا البلد لا يموت، وأنّ أبناءه يصهرون الظروف ويطوّعونها وليس العكس.

أحياناً يطغى العمل على وقت أسرتي وأولادي، لكنني أحاول العدل في هذا الموضوع قدر الإمكان، وأقوم بأغلب أعمالي خلال وجود أولادي في المدرسة، وحين أضطر أصطحبهم معي، فهم مؤثر إيجابي كبير فيّ وفي عملي

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت المهندسة "غنى خير" بتاريخ 17 شباط 2020، وعن عودتها إلى "سورية" وعملها قالت: «أنا من مواليد "الدوحة"، جئت إلى "سورية" عام 2006، ودرست قسم التصميم في "الجامعة العربية الدولية الخاصة AIU"، وكنت من خريجي دفعة عام 2010، ثم عدت إلى "الدوحة" وسنحت لي فرصة للتدرب في قناة "الجزيرة"، وخلال التدريب أعجبوا بأفكاري التصميمية، وأجروا لي اختباراً خفياً، وهو تنفيذ أول استديو لمراكز التدريب، وحصلت على وظيفة فيها لمدة قاربت ثلاث سنوات.

شيراتون المعرة

وفي آخر عام 2013 عدت إلى "دمشق" لإيفاء بلدي حقها عليّ، وخاصة الجامعة التي تعلمت فيها كل شيء، فدرّست بها لمدة سنة ونصف، ثم حصلت على تدريب في قناة "MTV" اللبنانية، وبقيت فيها لفترة عام 2017، ثم عدت مرة أخرى إلى "دمشق"، ورأيت أنّ المبالغ التي تُطلب للتصميمات مبالغ ضخمة جداً، فأصبح أحد أهداف عودتي هو تشجيع الناس على العمل وإعادة الإعمار بأسعار معقولة، فبدأت بتصميم لمنزل عام 2016، ثم مركز تجميل في العام ذاته، ثمّ مركز تدريب وعيادة طبيب عام 2017، وفي عام 2018 كنت المصممة لحفل الفنان اللبناني "مروان خوري" الذي كتبت عنه أكثر من وسيلة إعلام، في 2019 سنحت لي الفرصة لإعادة تصميم فندق "شيراتون المعرة"، وكان الأجر الذي تقاضيته أجراً عادياً، وفي العام نفسه قمت بتصميم مطعم "آروس" في منطقة "باب شرقي" والذي كان سابقاً يحمل اسم "مزيكا"، ثم صممت معرض "ويتنس" للتصوير الضوئي للمصور المعروف "خلدون كيلاني"، وكان من أنجح الفعاليات وأخذ صدى كبيراً حتى خارج "سورية"، في هذا العمل بالذات، ولأنّ صوره تتحدث عن الحرب، كان لي فيه رسالة هي أنّ هذا الإبداع ولد من هذه الحرب».

وعمّا إن كان لها قدوة في عالم التصميم، أو إن كانت تحاول خلق نموذج جديد، قالت: «الأمر ليس اقتداء بأحد رغم وجود عدد كبير من المصممين العالميين الذين أنجزوا تصاميم جميلة جداً، وإنما أحاول الاستفادة من الجميع بأخذ عناصر تشبه شخصيتي، ومن ثم صياغتها بطريقة جديدة لتكوين شخصية جديدة كاملة، ومن أهم أمنياتي وما أسعى إليه هو صناعة بصمة لتصميم الديكور في "سورية"، بصمة سورية تضاهي العالمية.

معرض وينتس

أما من ناحية شخصية تصاميمي، فأنا أحب التوازي والالتقاء، وخاصة نقطة الالتقاء، ونوعاً ما صار من يرى أعمالي يعرف أنها من تصميمي، فالمثلثات مثلاً موجودة في أغلب أعمالي، لكنها ليست موحدة، بل بما يتناسب مع المكان الذي أعمل عليه، كما أنني لا أفرض رؤيتي على صاحب العمل، وإنما أحاول تقريب وجهة نظره إلى وجهة نظري، وبالطبع مع وضع بصمتي الخاصة».

وأضافت: «لا أكتفي بالتصميم فقط، بل أصمم وأشرف على التنفيذ وأشارك به، فمن الممكن جداً أن أدهن مع الدهان، وأن أشارك بكل تفاصيل العمل لأكثر من سبب، أهمها أنني المعنية أكثر من البقية بظهور المنتج النهائي بشكل لائق، وأتعامل مع العمال بمنتهى البساطة، وهذه المعاملة تشجعهم على تنفيذ العمل بمنتهى الدقة والضمير».

تشارك في العمل

وعن الأسرة وتأثيرها بالعمل أوضحت: «أحياناً يطغى العمل على وقت أسرتي وأولادي، لكنني أحاول العدل في هذا الموضوع قدر الإمكان، وأقوم بأغلب أعمالي خلال وجود أولادي في المدرسة، وحين أضطر أصطحبهم معي، فهم مؤثر إيجابي كبير فيّ وفي عملي».

وختمت المهندسة "غنى" بالقول: «أضطر أحياناً للسفر، لكنني أعود دوماً، ولن أغادر "دمشق"، خاصة أنّ الإبداع الآن يجب أن يكون مضاعفاً، لأنّ البلد بدأت بالتعافي، وأتمنى أن تأتي الفرصة لأظهر لكل الناس ماذا نفعل لـ"سورية" نحن أبناءها».

المهندس "عامر بشار" المشرف على معرض "ويتنس" للمصور الفوتوغرافي "خلدون كيلاني" قال عنها: «المهندسة "غنى" تفكر بطريقة جديدة، نستطيع وصفها بأنها خارج الصندوق كما يقال، وتسعى لتكوين بصمة خاصة بها، حين رأينا تصاميم المعرض، شعرنا بأنها غريبة نوعاً ما، وجديدة لدرجة أن الكثير من المهندسين لا يجرؤون على تنفيذها، لكن بعد التنفيذ كانت النتيجة جميلة جداً، وأعتقد أن هذا النجاح سببه علاقة الحب الواضحة بينها وبين عملها. وهذا الأمر ينسحب أيضاً على طريقة تعاملها مع الورشات التي تنفذ أعمالها، فهي تعاملهم بحب وبساطة وبطريقة مختلفة عن بقية المهندسين، لذا فهم يعتبرونها أختاً لهم، ويعملون فوق طاقتهم من أجلها».

أما الكاتبة الدرامية "نور شيشكلي" فقالت: «أعرف "غنى" منذ سنين، وكنا سوياً في أيام الحرب الحالكة المظلمة المليئة بالخوف، وكانت واحدة من الخبرات القلائل الذين رفضوا الهروب من "سورية"، أقول عنها دوماً إنها قادرة على تلوين رماد الحرب وسوادها، هذا على المستوى الإنساني، أما على صعيد العمل فقد تعاونا في مشروع مسلسل "ببساطة" عام 2019، وكانت مصرة على أن الديكور هو بطل من أبطال العمل الدرامي، وحاولت طرح فكرٍ جديد ولون جديد للمشروع الذي فيه صعوبة كبيرة بسبب عدد (اللوكيشنات) الكبير التي كانت تختارها بعناية، وتعيد تصميم المكان كاملاً حتى يتطابق مع ما صممته على الورق».

جدير بالذكر أنّ المهندسة "غنى خير" من أهالي مدينة "دمشق" مواليد "الدوحة" عام 1988.