كانت الإسفنجة التي امتصت كل ما هو جميل في كل بقعة من هذا الوطن، فسنوات الاغتراب جعلتها قادرة على استحضار كل ما تحتاج إليه من مفردات البلد وما يبعث في النّفس الهناء والأمان، من خلال جمال الصّوت وحنانه.

خلال زيارة مدونة وطن "eSyria" لإذاعة "شام إف.إم" بتاريخ 21 تموز 2016، كان اللقاء مع الإعلاميّة "هيام حموي"؛ التي حدثتنا عن رحلتها الإعلاميّة المميزة، وتقول: «عائلتي دمشقية، ومولدي كان في مدينة "حلب"، عشت فيها إلى أن حصلت على الشّهادة الثانوية، كان حلمي دخول السّلك الدّبلوماسي، إلا أنني لم أستطع تحقيق هذا الحلم من خلال الجامعة، بل تهيأت لي الأسباب لأكون واحدة من طلاب جامعة "دمشق" كليّة الآداب، قسم الأدب الفرنسي، وخلال مدة الدّراسة وفي السّنة الرّابعة تحديداً أتيحت لي فرصة العمل بالقسم الفرنسي في إذاعة "دمشق"، فقد علمت بوجود شاغر عن طريق صديقتي بالدّراسة "منى كردي"، فكان أن دّربت على العمل الإذاعي وقدمت وبالتعاون مع المرحوم "فاهيه تمزجيان" برنامج "الموسيقا الكلاسيكيّة" باللغة العربيّة، في عام 1969 بعد تخرجي في الكلية بتفوق كان سفري إلى "باريس"، وحصلت على شهادة الماجستير، ثم بدأت تحضير أطروحة الدّكتوراة، خلال هذه المدة سنحت لي فرصة عمل في القسم العربي بالإذاعة الفرنسيّة؛ وذلك بحكم تجربتي القليلة في العمل الإذاعي، واكتملت فرصتي بعد مدة بسيطة، حيث تمّ اختيار مجموعة من هذا القسم العربي للعمل في إذاعة "مونتيكارلو" التي كانت استحدثت في بثها التّجريبي عام 1971، فكنّا النّواة التي أسست تلك الإذاعة مع الأسماء الإعلاميّة الكبيرة آنذاك، أمثال: "سناء منصور"، و"أنطوان نوفل"، و"أدوارد طربيه"».

كل صوت بشري له بصمته التي لا تتكرر مع شخص آخر، وتتكوّن هذه البصمة من مجموعة عوامل بالجسم هي شكل وبنيّة الحبلين الصّوتيين، بنية وحجم وشكل الحنجرة، وكذلك بنية وحجوم الفجوات في الرأس، بذلك تكون البصمة، ولا يمكن صناعة الصّوت، إنما يمكن تحسينه وتطويره وزيادة قوته، كما يمكن توسيع المسافة الصّوتيّة، وذلك بالتدريب المستمر الذي أحسنته "هيام"، إضافة إلى الإيقاع الموسيقي الذي أتقنته في ترتيب الأحرف، وهي من تشربت المقامات الموسيقيّة الحلبيّة لتصبح جزءاً من روحها، فكما تمكّنت "فيروز" على مدى عقود متعددة من تهدئة مكنونات أجيال كثيرة استطاعت "هيام حموي" إلغاء كل ما هو سيّئ نحس به وتجعل منا ورقة بيضاء جاهزة لتلقي أي معلومة تطرحها؛ وذلك لتلاقي هدوء صوتها مع شفاف روحها، فالإعلامية "هيام" مدرسة حقيقيّة في فهم الأحرف والكلمات، وتستطيع إفهام المراد من دون أن تكون حاضرة، إلا بصوتها

تتابع "هيام حموي": «على مدار عشرين عاماً في العمل بإذاعة "مونتيكارلو" أحببت أن أكون سفيرة لكل شيء جميل في "سورية"، فحملت في قلبي جمال بلدي إلى كل مكان عملت فيه؛ جمال الطبيعة، والفن، والعادات، والأكلات، والتراث، فإذا بكل هذه التّفاصيل تتسلل إلى مضمون البرامج التي كنت أقدمها، سواء في المجال الثقافي أو في مجال الأغنيات، ثم اكتشفت أنهم أطلقوا عليّ لقب "البنت السّورية".

لقاء هيام حموي مع زياد الرّحباني

أما عن سبب إلمامي بمجمل مفردات الجمال السّوري، فقد جاء ذلك بحكم طبيعة عمل والدي كضابط، فقد كان عليه التّنقل مع عائلته في أغلب المناطق والمحافظات، هذا الثراء في الطبيعة السّوريّة بدا وكأنه حاضر ليفتح عيني على تنوع ثقافات المجتمع السّوري، حيث أوحى لي بفكرة ضرورة تسليط الضوء على تمازج الثقافات بين مختلف أبناء البلد الواحد، وبين مختلف الأعمار في البيت الواحد، وحتى ضرورة تقريب الثّقافات بين المشرق والمغرب، وبين الشّرق الغرب بوجه عام.

أذكر أن من أهم أهداف أشهر البرامج التي قدمتها في إذاعة "مونتيكارلو"، برنامج "بنك الصداقة"، حيث كانت العبارة الشّائعة.

لقاء هيام حموي مع الشّاعر نزار قباني في إذاعة مونتيكارلو

من أجمل ذكرياتي عن عملي في إذاعة "مونتيكارلو" برنامج "يوميات مذيعة في باريس"؛ الذي أتاح لي فرصة لقاء أبرز الشّخصيات الأدبيّة والفكريّة في العالم العربي، ومنهم شاعرنا السّوري الكبير "نزار قباني" الذي التقيته عام 1991، إضافة إلى برنامج "بنك الصداقة" الذي يهدف إلى التقريب بين الشّباب العربي من المحيط إلى الخليج. أما أجمل الذّكريات في إذاعة "الشّرق"، فقد كانت الأمسيات الصّيفيّة الرّائعة التي كنا نقدمها من الاستوديو الزّجاجي في قلب معرض "دمشق الدّولي"، وكنا نستضيف مجمل رموز الفنون السّوريّة، من دراما وغناء وفنون تشكيليّة».

الموسيقي "حسام الدّين بريمو" يتحدث عن معرفته بالإعلاميّة "هيام حموي"، ويقول: «كل صوت بشري له بصمته التي لا تتكرر مع شخص آخر، وتتكوّن هذه البصمة من مجموعة عوامل بالجسم هي شكل وبنيّة الحبلين الصّوتيين، بنية وحجم وشكل الحنجرة، وكذلك بنية وحجوم الفجوات في الرأس، بذلك تكون البصمة، ولا يمكن صناعة الصّوت، إنما يمكن تحسينه وتطويره وزيادة قوته، كما يمكن توسيع المسافة الصّوتيّة، وذلك بالتدريب المستمر الذي أحسنته "هيام"، إضافة إلى الإيقاع الموسيقي الذي أتقنته في ترتيب الأحرف، وهي من تشربت المقامات الموسيقيّة الحلبيّة لتصبح جزءاً من روحها، فكما تمكّنت "فيروز" على مدى عقود متعددة من تهدئة مكنونات أجيال كثيرة استطاعت "هيام حموي" إلغاء كل ما هو سيّئ نحس به وتجعل منا ورقة بيضاء جاهزة لتلقي أي معلومة تطرحها؛ وذلك لتلاقي هدوء صوتها مع شفاف روحها، فالإعلامية "هيام" مدرسة حقيقيّة في فهم الأحرف والكلمات، وتستطيع إفهام المراد من دون أن تكون حاضرة، إلا بصوتها».

حسام الدّين بريمو

الإعلاميّة "هيام حموي" تتمنى الحصول على شهادة الدّكتوراة لتحقيق الوعد الذي قطعته على نفسها أمام والدها قبل رحيله، كما تتمنى أن تحتفل في 2018باليوبيل الذّهبي لاحترافها العمل الإذاعي.