لم تمنعه إصابته بداء السكري منذ الطفولة من متابعة حياته، وتحصيله العلمي، والاقتراب من تحقيق رسالته التي حملها على عاتقه منذ 48 عاماً باحثاً وجامعاً لمعلومات لينطلق بها متطوعاً ناشراً التوعية الصحية، والطبية لمرضى السكري حتى لقب بـ"بابا عزمي".

«علمني مرض السكري أن أفكر، وأخطط، وأجمع أجزاء الحدث لأفسره وأجمع نتائجه، وهو برأيي من صنع الطبيب "عزمي فريد" وليس الطبيب من صنعني»؛ هكذا بدأ الدكتور "عزمي فريد" حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 حزيران 2016، ليحدثنا عن تجربته مع مرض السكري قائلاً: «كانت البداية في الثامنة من عمري؛ حيث بدأت أعراض ارتفاع سكر الدم تؤرق نومي، وتزعجني أمام الآخرين؛ كان ذلك في بيئة تتصف بنقص الثقافة والمعرفة، ومع تزايد صعوبة أعراض المرض انطويت على نفسي، وأصبحت مجلة "حواء" التي تقتنيها والدتي ملاذي، تصفحتها ذات مرة ولفت نظري عنوان غريب "الديابيطس" تم تفسيره حينها بداء السكري؛ أدركت أنني مصاب به لأن الأعراض متشابهة، ولم تكن السنوات الأولى من إصابتي تمنحني الشعور بالصحة والحيوية لممارسة حياتي ككل الأطفال، لذلك لجأت إلى تطوير مهاراتي بالألعاب التي تتطلب مقدرة ذهنية، وتوسيع ثقافتي من خلال الكتب؛ وهو ما أثَر لاحقاً في تحصيلي الدراسي واجتيازي للمرحلة الثانوية بمعدل عالِ أهلني لدخول كلية الطب البشري في "حلب" وهو الاختصاص الذي أحلم به منذ طفولتي، لكن العجز المادي حال دون ذلك، لأتحول إلى دراسة طب الأسنان بـ"دمشق"، وما إن تخرجت حتى بدأت أبحث عن الطريقة التي ستوصلني إلى هدفي وتأتي الفرصة متأخرة لأرسل في "بعثة" إلى "يوغسلافيا" لدراسة الطب البشري وأعود بعدها إلى بلدي».

علمني مرض السكري أن أفكر، وأخطط، وأجمع أجزاء الحدث لأفسره وأجمع نتائجه، وهو برأيي من صنع الطبيب "عزمي فريد" وليس الطبيب من صنعني

وعن دوره بنشر التوعية حول السكري يضيف: «كان حلمي القديم الجديد أن يكون بين أيدينا برنامج تثقيفي لمرضى السكري، وانطلاقاً من ذلك قررت تخصيص معظم وقتي لنشر التوعية حول المرض، فانتسبت إلى أحد المراكز التي تهتم بذات المجال، وعرضت خدماتي كمتطوع في وسط لم يكن للتطوع مفردات ضمن قاموسه؛ كانت البداية منذ عام 1999 طورت مهاراتي وعَرضتُ الحلقة المفقودة بين اختصاص التغذية الصحية والتغذية العلاجية لكافة أنماط السكري، كما قمت بتأسيس عيادة التغذية العلاجية، وفي عام 2003 تم تأسيس "الجمعية السورية لرعاية السكري"، وكنت أول رئيس لها، فأقمت بعدها دورات تدريبية لتطوير وتأهيل كل من الأطباء والممرضين العاملين في العيادات السكرية بعلوم السكري تضمنت 74 محاضرة، ولأنني أؤمن بأن العمل بمجال السكري يجب أن يكون جماعياً، انطلقنا كفريق إلى كافة المحافظات السورية، ومن 2004 إلى 2010 لم تبقَ منطقة في "سورية" لم نقم بزيارتها لنشر الوعي حول المرض، كما أصبح لدينا 160 ممرضة مؤهلة لمتابعة هذا المرض».

من الكتب التي قام بإعدادها

أما عن طريقته بالتعامل مع المرضى، فيتابع: «انطلاقاً من قناعتي بأن علاج مرض السكري يتطلب تعاملاً خاصاً مع المصابين وخاصة من الناحية النفسية لكونه يرافق المريض طوال حياته ابتدعت طرائق تناسب كل الفئات العمرية، لكن تم التركيز على فئة الأطفال لكونهم الأكثر تأثراً؛ ابتكرت ألعاباً كرتونية، وكنت أصنع ألعاباً مثل المكعبات، والنرد، وبرنامج مسابقات يتم تحميله على الكمبيوتر عبارة عن سؤال واحتمالات، وأحمله رسالة بغية إيصال الفكرة إلى الطفل باتباع برنامج يومي في غذائه وتناول أدويته، إضافة إلى القصص المصورة، كما قمت بإعداد سلسلة كتب موجهة إلى الأطفال وذويهم، منها: "طفلي الحبيب"، و"السكري"، و"مذكرات طفل سكري في مخيم أطفال السكريين"، حيث يجتمع الأطفال ضمن مخيمات يعيشون حياة طبيعية يتم تزويدهم ببرنامج يومي، ويمارسون نشاطاتهم كسائر الأطفال. أما بالنسبة إلى الفتيات، فقد ابتكرت لعبة الأبراج لكونه من مجال اهتمامهن، وكل برج يحكي عن معلومة.. وهكذا بالنسبة إلى كل من المراهقين والمسنين، ولمدة طويلة التصق اسمي بمرض السكري حتى بت أعرف لدى المصابين به بلقب "بابا عزمي"».

المُدَرِّسة "سوار العلي" مريضة بالسكري، تحدثت عن تجربتها قائلة: «أصبت بالسكري منذ الطفولة، ولم أشعر يوماً بأنني مريضة؛ فالسكري هو نظام دواء وغذاء، هذا ما تعلمته من الدكتور "عزمي فريد" والد السكريين جميعاً الذي كان وما زال صديقنا وطبيبنا، علمنا كيف نتعايش مع إصابتنا، وكيف ننظم حياتنا سواء بتنظيم وجباتنا الغذائية والتعرف إلى أنواع الأنسولين وسهولة التعامل مع المواقف اليومية التي قد تواجهنا؛ زودنا بثقافة سكرية مختلفة عما قرأناه في الكتب؛ ثقافة نحتاج إليها أكثر بكثير من الكلام الطبي البحت الذي يجعل من المرض عبئاً على المصاب وأهله، فكان يوصل المعلومة الطبية حيث تتقبلها كل المستويات الثقافية والعمرية؛ فالطفل السكري ابنه، والمعمر السكري صديقه، بأسلوب رائع لم نجده بطبيب كما وجدناه في "بابا عزمي" الذي أثبت لنا أن المصاب بالسكري لم يكن يوماً مريضاً أو عاجزاً، إنما هو الإنسان المنظم قوي الإرادة. تعلمت من محاضراته في مخيمات السكريين كيف أكون طبيبة نفسي، وقد عزز ثقتي بقدراتي؛ فأكملت دراستي الجامعية، واليوم أحضر لزواجي، ومن الجميل أن يكون لنا قدوة في حياتنا، والدكتور "عزمي" كان وما زال قدوة بالأخلاق والإرادة والعلم».

سوار العلي

يذكر أن الدكتور "عزمي فريد" من مواليد مدينة "دمشق" 1960، وهو إضافة إلى نيله شهادة بطب الأسنان والطب البشري، حائز على دبلوم بمجال السكري من الجامعة الأميركية في "بيروت"، ويحضر للماجستير بذات الاختصاص.