يحلو لمن يعمل معها أن يطلق عليها هذا اللقب، ففي أي وقت يسأل أحدهم عنها؛ لا بد أن يجدها في رحاب قاعات وزواريب "قصر العظم".

"ميساء سليمان إبراهيم" ابنة "دمشق" وخريجة كلية الآثار في جامعتها مع ماجستير ودبلوم في الآثار الكلاسيكية، مع عشرات الدورات التدريبية والتأهيلية في صيانة الآثار والفسيفساء وغيرها، عملت لسنوات طويلة في صيانة واحد من أهم القصور الكلاسيكية المعاصرة في "دمشق"، وأعادت إحياء العديد من قاعاته للجمهور.

قصر العظم نموذج فريد لعمارة القصور والبيوت الدمشقية، وله أهميته التاريخية كعلامة فارقة لتاريخ "دمشق" إبان حكم "أسعد باشا العظم"، والي المدينة في حقبة 1749، وبزخارفه ومعروضاته وأشجاره وبحراته وحجارته وكل من يزوره يذكره بشيء خاص

تقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 أيار 2015: «قصر العظم نموذج فريد لعمارة القصور والبيوت الدمشقية، وله أهميته التاريخية كعلامة فارقة لتاريخ "دمشق" إبان حكم "أسعد باشا العظم"، والي المدينة في حقبة 1749، وبزخارفه ومعروضاته وأشجاره وبحراته وحجارته وكل من يزوره يذكره بشيء خاص».

مع وفد روسي زائر

ما كان يحتاج إليه القصر هو الحب، فالعلاقة مع المكان هنا تتجسد كما تقول في: «أن تحبه بكل جزئياته وتفصيلاته انطلاقاً من علاقة تنشأ مع المكان والزمان والإحساس بروعته التي يصعب تكرارها، القصر الذي مساحته تنوف على 5500 متر مربع يحتاج دوماً إلى هذه العلاقة البصرية معه، ويحتاج إلى بناء ثقة مع تفصيلاته الدقيقة كي يبقى مشعاً وحاضراً كما هو في ذاكرة الدمشقيين».

أجرت "ميساء" وفريق عملها خلال عشر سنوات إعادة هيكلة للرؤية المتداولة للقصر، ومع افتتاح قاعات عرض جديدة فيه تضاف إلى كونه متحفاً للتقاليد الشعبية والصناعات والأزياء اليدوية عادت الحركة إلى القصر مع مزيد من الترميمات للزخارف الموجودة فيه؛ التي تمثل جزءاً كبيراً من قيمته التاريخية لكونها منجزة قبل أكثر من مئة عام وما تزال محافظة على بهائها.

ميساء الحسيني وميساء إبراهيم

ترميمات الزخارف والخشب هي الأصعب، تقول "ميساء": «إذا كان التلف بالخشب تملأ الشقوق بالغراء ونشارة الخشب، أما إذا كان التلف بالموزاييك فيتم تنفيذ الزخارف وتوضع مكان القديمة التالفة ثم تدهن بالورنيش، الجودة المطلوبة هنا يحددها عمل المرمم الذي عليه أن يكون دقيقاً جداً بالبديل المقدم، وأن يكون من نفس نوعية الخشب التالف أو الموزاييك التالف».

من أهم ترميمات القصر الأثري كان ترميم كلس الحمام، وهي "طبقة الدهان التقليدي والحماية وتحتاج إلى أكثر من 21 يوماً لإطفاء الكلس بالطريقة التقليدية؛ حيث تنشف وتدهن بالصابون للعزل والتلميع، كذلك تم ترميم جدران قاعة الحج والمقهى الشعبي إضافة إلى قاعة شيخ الكتاب التقليدية مع افتتاح قاعة خاصة للحلي التقليدية وقاعة للمعارض المؤقتة أطلق عليها اسم أول أمين للقصر "شفيق الإمام".

بطاقة بريدية لقصر العظم

عمليات الترميم لا تتوقف لقصر العظم وغيره، تؤكد "ميساء": «خاصة مع معاناة الأبنية من الهبوط بسبب نقص المياه الجوفية وزيادة السكان والضغط على البنى التحتية للمدينة القديمة التي ما تزال مأهولة، هذه المتابعة تقتضي عملاً يومياً ومتابعة حثيثة يدركها كل من عمل مع هذه القصور الحساسة لأي تغيير مناخي؛ خاصة أنها مصنوعة من مواد مقاومتها للعوامل الجوية ضعيفة عموماً».

من الترميم إلى التنقيب أيضاً خاضت "ميساء" تجارب مميزة في عدة مواقع سورية منها موقع "أم تليل" في "تدمر" بجوار بئر "الهمل"؛ حيث وجدت عظام الجمل السوري العملاق في حوض "الكوم"، وقد اكتشفت فيها قطعة صوانية تميز المنطقة الصحراوية.

عمل مع "ميساء" أشخاص كثر تركت فيهم أثراً بعلاقاتها الإنسانية المميزة وحضورها كرفيقة وصديقة ومهتمة بأن يكون فريق العمل متماسكاً، تقول السيدة "ميساء قتيبة الحسيني" وهي ممن عملوا في ترميم القصر أيضاً: «تميزها حقق حضوره إثر تراكم خبراتها؛ فقد عملت في هذا المجال مطولاً، اشتغلت دليلاً في قصر العظم ثم أميناً رئيساً له، ثم أمينة لمتحفي العظم والأزياء الشعبية، من مشاريعها إخراج قطع خيال الظل إلى النور وإعادة تفعيل وتوثيق هذه الظاهرة الدمشقية، ولم تقتصر على هذا؛ فقد كانت كذلك عنصراً فعالاً في الخدمة العامة؛ فشاركت وصاغت حملة "إيدنا خضرة" للتشجير ونشاطات أخرى مع الأطفال في العيد ضمن القصر، والأهم دفاعها الدائم عن العاملين معها بروح الأخوة والزمالة والصداقة».

تتابع "ميساء" تحضير رسالتها للدكتوراه، وتداوم يومياً في قصر العظم الذي يكاد يتحول إلى بيتها الأول.