"ميشو" أو "العم أبو فادي" اسمان اعتاد رواد مسرح الحمراء في دمشق أن ينادوا بأحدهما السيد "ميشيل جبور".

"ميشيل جبور" لمن لا يعرفه، هو أوّل وجه يستقبلك عند دخولك إلى "مسرح الحمراء"، وهو كذلك أول الواصلين إلى مقر عمله في الصباح وآخر العائدين منه في المساء. أربعون عاماً قضاها "ميشيل جبور" في خدمة مسرح الحمراء والمسرحيين الذين قدموا عروضهم على خشبته العريقة.

لقد تعودنا على وجوده بيننا إنه رجل نشيط مخلص لعمله

منذ خمس سنوات أُحيل ميشيل على التقاعد ولكنه ما زال العماد الأساسي لهذا المسرح، وما زال حماسه للعمل متوقداً وكأنه في أول يوم عمل.

"eSyria" التقى السيد "ميشيل جبور" حيث بدأ بالقول: «تم تعييني بمديرية المسارح والموسيقا عام /1970/، وكان المدير آنذاك "علي عقلة عرسان" ووزيرة الثقافة الدكتورة "نجاح العطار"، في البداية كان عملي نجار ديكور، لكني تعرضت لحادث أليم فقدت معه إمكانية استخدام يدي في عملي فقال لي المسؤولون أن أعمل في الملابس والإكسسوارات خلف الكواليس مع الممثلين وما زلت كذلك حتى اليوم».

ولأن السيد "ميشيل" على تواصل دائم مع الممثلين فقد حدثنا عن هذه العلاقة بالقول: «كل الممثلين يحترمونني وأذكر منهم على سبيل المثال "أيمن زيدان وجهاد سعد"، أذكرهم منذ أن كانوا شباباً لذا اعتبرهم أولادي لأني ربيتهم وكذلك تعاملت مع العديد من المخرجين الذين كانوا يطلبوني بالاسم للعمل معهم».

المهندس إياد الخطيب مع السيد ميشيل

لكن لماذا يطلبه المخرجون والممثلون بالاسم؟، على هذا أجابنا السيد "ميشيل": «يطلبونني بالاسم لأني أقوم بعملي على أتم وجه، يجدون كل شيء جاهز، مثلاً الممثل يؤدي مشهداً ويخرج من المسرح ليجد أدواته للمشهد الثاني جاهزة تماماً، وأرتب الأشياء والملابس التي لا يحتاجها فوراً ليكون المكان بالمجمل مرتباً ونظيفاً».

علاقة "ميشيل" بالممثلين ورواد المسرح ليس أقل شأناً من علاقته بهذا المكان العريق عندما سألناه لماذا يحب المسرح؟ قال: «أنا لا أقرأ ولا أكتب لكن المسرح أبي ولا أستطيع العيش دونه، إنه بيتي لقد تربيت فيه وربيت فنانين كثر قبل أن يكون هناك معهداً للتمثيل وبعد عام /1986/ حيث وضع الرئيس الراحل "حافظ الأسد" حجر الأساس لمعهد التمثيل، وتخرجت أول دفعة، كان بينهم أيمن زيدان ووفاء موصلي وفايز قزق أيضاً هؤلاء كانوا أبنائي».

ولأن العم "أبو فادي" (ختيار مسرح الحمراء) فكان لابد من الاستفادة من ذاكرته الغنية التي انطلقت ونثرت لنا ما نثرت من ذكريات وروائع، "ميشيل" الذي لا يقرأ ولا يكتب أدرك أنه ورغم التطورات التقنية التي طرأت على المسرح، فإن للمسرح في الماضي عبقه وروحه الخاصة ويضيف عن ذلك:

«في الزمن الماضي كان جميع الفنانين يحبون بعضهم وكان المهتمون منهم بالمسرح يقدمون عروضاً بشكل دائم، كان المسرح شيئاً جميلاً رغم أن معظم الممثلين كانوا هواة كما ذكرت سابقاً أمثال "عدنان بركات وسليم حانا وعبد اللطيف فتحي ويوسف حنا" ومنهم من كان موظفاً خارج المسرح ولكنهم كانوا يعملون دائماً بجد ونشاط وكانت المسرحية تستمر لثلاث ساعات عكس اليوم الذي لا تتجاوز مدة بعض العروض المسرحية الساعة أو نصف الساعة.

كان المسرح كلٌ متكامل وأي خطأ يضير بالعمل المسرحي، لقد كان المسرح جميلاً جداً وله رهبته وكانت ديكوراته من خشب وكنا نغيرها في الاستراحة بين الفصلين التي كانت تدوم لربع ساعة، وأحياناً كنا نضطر لتغيير الديكور والمشهد ما زال مستمراً ويكون الضوء على الممثل وما تبقى من خشبة المسرح معتمة لذلك كنت أرتدي ثياباً سوداء وأغير الديكور وأعود إلى الكواليس».

إذاً الخطأ والخطر كانا واردان في هكذا حالات لذلك روى لنا "ميشيل" بعض المواقف التي تعرض لها وكان أكثرها تأثيراً في نفسه هذا الموقف: «كان هناك عرض مسرحي بعنوان "أوديب" من تمثيل "عبد اللطيف فتحي وعدنان بركات" وكان لدي تغيير ديكور للمشهد التالي بعد أن نزعت الديكور على العتمة وكان عبارة عن قوس لا نحتاجه في المشهد التالي، وبعد أن دخلت المسرح اضطررت أن أجلس القرفصاء وراء طاولة صغيرة كي لا يراني الحضور، وعندها بدأ الممثلون بالحركة وكانوا يرتطمون بي في الذهاب والإياب دون أن استطيع العودة، وبقيت هكذا لمدة ربع ساعة حتى انتهاء العرض».

إن أكثر ما يكرره السيد "ميشيل" في حديثه هو حبه وضعفه أمام الكلمة الطيبة التي لا تعوض بثمن حيث يقول: «عندما أسمع أي كلمة حلوة من أحد اشعر بالفرح والسعادة، ويكفيني أن يقدر الآخرون تعبي، فالإنسان إلى زوال ولكن تبقى سمعته الحسنة وهذا يبقى ذكرى لأولادي من بعدي، لكل إنسان مبادئه في الحياة وأنا مبدئي في الحياة هو أن "المال لا يفيد في شيء بل الكلمة الموزونة هي الغنى بحد ذاته"، وأنا هنا أحب أن أشير إلى أنه تم تكريمي من قبل "زيناتي قدسية" في أحد المهرجانات، وتم تقديم المكافآت لي دائماً من وزارة الثقافة ومديرية المسارح تقديراً لعملي».

السيد "فؤاد عضيمي" /مسؤول قسم الصوت في مسرح الحمراء/ قال عن "أبو فادي": «هو ركن أساسي من أركان مسرح الحمراء خدمه أكثر من أربعين عاماً، وهو رجل طيب ومحب ومحبوب من قبل الجميع، عندما نأتي إلى المسرح ولا نراه نعرف أن هناك شيء ما ناقص».

أما المهندس "إياد الخطيب" المسؤول عن مستودع الإضاءة والصوت في المسرح، فقد تحدث عن "ميشيل" بالقول: «لقد تعودنا على وجوده بيننا إنه رجل نشيط مخلص لعمله».

في حين قال السيد "حازم حواصلي" وهو موسيقي يعمل ببيع الأسطوانات الموسيقية -مقابل مسرح الحمراء منذ أكثر من ثلاثين عاماً-: «ميشيل محبوب الجماهير، لا يترك مجالاً لأحد بأن يحزن، وإذا افتقدوا "ميشيل" يجدوه عندي وألاحظ دائماً الغادي والبادي يسأل عن ميشيل».