قبل أيامٍ قليلة بتاريخ (22/1/2009) اختتمت احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية / 2008 فعالياتها، تاركةً في كل حارةٍ من المدينة صدىً وذكرى.

تلك الفعاليات التي وقف وراءها فريق من الاستشاريين والمبرمجين والمنسقين برئاسة الأمينة العامة للاحتفالية د. "حنان قصّاب حسن"، وكان معظم هذا الفريق من الشباب الذين عملوا بجهدٍ متواصل منذ العام /2007م، لتكون احتفالية "دمشق" الثقافية استثنائية ومتألقة كما المدينة ذاتها.

رأيت السيدة "فيروز" في مناسباتٍ معدودة عندما أتت إلى "دمشق" لعرض مسرحية "صح النوم"، لقد كانت على المسرح ملأى بالحيوية، أما في الكواليس فكانت أقرب إلى القداسة، لم أقترب منها كثيراً، باستثناء تلك المصافحة التي مازالت يدي تحتضن دفئها، وتلك الكلمات القليلة التي تبادلنا فيها الشكر والترحيب

موقع "eSyria" أراد أن يستعيد عبر سلسلةٍ من اللقاءات مع عددٍ من أعضاء فريق الاحتفالية أجمل لحظاتها، وأهم فعالياتها، وذلك بعيون من صنعوا الأحداث ووقفوا وراءها حتى النهاية.

في المكتب.. ومازال العمل مستمراً

لقاؤنا الأول كان مع "يارا نصير" المبرمجة والمنسقة المسؤولة عن ملف الندوات والإصدارات والمؤتمرات في احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008.

"يارا" خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية بــ "دمشق"- قسم الدراسات المسرحية، وطالبة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة "دمشق" – قسم الأدب الفرنسي- السنة الرابعة.

خلال آخر جولات (شامنا فرجة) - (ساحة المرجة) - شهر 12/2008

التقيناها في مكتبها بمجمع "دمّر" الثقافي، وبدت لنا كما عرفناها دائماًً: مبتسمةً .. نشيطةً ومنهمكةً في عملها.. ورغم انشغالاتها الكثيرة، تفرغت لنا لتشارك قراء "eSyria" تجربتها الشخصية في الاحتفالية، ومعاً عدنا إلى البدايات:

«بدأت العمل في الاحتفالية كمنسقة لعروض مسرحية "صح النوم" للسيدة "فيروز"، وعندما انتهت هذه الفعالية أصبحت مسؤولة عن ملف الندوات والإصدارات والمؤتمرات في الاحتفالية، ولاحقاً استلمت جزءاً من ملف الفعاليات الثابتة: (نادي الذاكرة، القراءات الأدبية، وشامنا فرجة)

خلال فعاليات أيام المتحف الوطني - شهر 10/2008

وبالنسبة لطبيعة عملي كان من الصعب الفصل بين البرمجة والتنسيق كما بالنسبة لمعظم أعضاء فريق الاحتفالية، خاصة أن عدداً من الفعاليات التي نظمناها في العام /2008 م/ لم يكن مخططاً لها مسبقاً في /2007/، فبالرغم من أننا كنا نعمل على خطة واضحة المعالم إلا أنه خلال مرحلة التنفيذ على أرض الواقع كانت تظهر الحاجة إلى عددٍ من الفعاليات الجديدة غير المبرمجة سابقاً، هكذا كان يتحول المنسق إلى مبرمج، وتتقاطع مهام التخطيط مع مهام التنسيق والتنفيذ..»

وعن أهم الفعاليات التي قامت ببرمجتها، والتنسيق لها قالت "يارا":

«كانت البداية مع ندوة مهمة عن الملكية الفكرية، أردنا من خلالها توضيح هذا المفهوم وترسيخ أسسه، وتطوير ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية لدى كافة المشتغلين في هذا القطاع، ولتحقيق هذا الغرض دعونا لهذه الندوة العديد من أصحاب دور النشر، وأصحاب المنشآت الصناعية والدوائية، وأردنا أن نتابع في هذا المجال إلا أن وفاة المحامي "ربيع خشّان" الذي نسق معنا من جمعية الملكية الفكرية وانشغالنا بالعديد من الفعاليات جعلانا نوقف العمل في هذا الموضوع، إلا أننا على الأقل بدأنا في إثارة النقاش حول هذه القضية، ثم تتالت الندوات والمؤتمرات والملتقيات على مدار العام، ومن أهمها مؤتمر "الثقافة والمدينة"، ومؤتمر التوثيق الإلكتروني، وملتقيات الرواية والشعر، ولعل ملتقى الشعر كان من أجمل الملتقيات التي نظمتها الاحتفالية، حيث شهد حضوراً لافتاً، وأعتقد أن هذا الأمر يرجع لاختيارنا شعراء يمثلون معظم أطياف الشعر في سورية، ومن كل الأجيال، وهذا خلق فرصة جيدة للشعراء الشباب الذين فازوا بمسابقة الشعر التي نظمتها الاحتفالية لكي يقدموا أنفسهم بشكلٍ لائق أمام عددٍ من النقّاد والشعراء العرب والسوريين المعروفين، لقد كان هذا الملتقى بشكلٍ عام فرصة للتعارف وخلق الروابط بين الأجيال المختلفة التي تشكل ملامح الساحة الشعرية العربية اليوم» وأضافت: «كل مؤتمر كان يتم التقديم له من خلال كتاب يتحدث عنه وعن الباحثين المشاركين فيه، وكان من المهم طباعة نتائج هذه المؤتمرات، لكننا لم نتمكن فعلياً إلا من توثيق نتائج مؤتمر "الثقافة والمدينة"، لأن عملية جمع الأبحاث بعد كل مؤتمر كانت مضنية جداً مقارنة بعدد المؤتمرات التي نظمتها الاحتفالية، ومدى التزام المشاركين بتسليمنا جميع الأبحاث وأوراق العمل التي تقدموا بها في صيغتها النهائية، فمؤتمر التوثيق الإلكتروني – على سبيل المثال- كان من أهم المؤتمرات الاختصاصية في برنامجنا، وكان من المهم جداً طباعة نتائجه في كتاب خاص، لاسيما التعريف بمشروع "ذاكرة العالم العربي" الذي بدأ في مصر، لكن المشاركين في هذا المؤتمر لم يلتزموا...»

وعن إصدارات الاحتفالية قالت "يارا نصير": «وضع خطة الإصدارات للاحتفالية كلاً من د. "حسان عباس" ود. "رانية سمارة"، ثم تسلمت أنا هذا الملف الذي طرأ عليه الكثير من التعديلات تبعاً لإمكانية التنفيذ، إلا أن الحصيلة النهائية من إصدارات الاحتفالية كانت مقبولة برأيي، وشملت العديد من العناوين المهمة مثل: مذكرات "محمد كرد علي"- الجزء الخامس وهو كتاب مهم جداً، تطلب منا الكثير من الوقت والجهد، حيث تم تحقيقه، وإخراجه، وإعادة طباعته.

كما أصدرنا كتاب د. "قتيبة الشهابي" الذي يتناول ساحة المرجة ومجاوراتها، وكتاب "وصف دمشق" لــ "ابن عساكر" باللغتين العربية والفرنسية، وهو كتاب أصدره مجمع اللغة العربية في الثمانينات ونفذت نسخته فوراً، فقامت الاحتفالية بإعادة طباعته بالتعاون مع د. "صلاح الدين المنجد" ود. "مأمون صاغرجي".

وكتاب "دمشق الأسطورة والتاريخ" للدكتور "محمد محفل"، وسلسلة "ذاكرة المسرح" التي أصدرتها الاحتفالية بالتعاون مع دار "ممدوح عدوان" للنشر، وكان هذا المشروع في غاية الأهمية، وتطلب جهداً ووقتاً كبيرين من الطرفين، كما أصدرنا العديد من الكتب الفنية منها: كتاب "بدوي" خطاط بلاد الشام، ونعمل حالياً على إصدار كتاب عن الفنّان التشكيلي السوري الراحل "لؤي كيالي"، وذلك رغم انتهاء فعاليات الاحتفالية، وكتاب اختصاصي عن "سبل المياه في دمشق القديمة" هذا بالإضافة إلى /17/ كتاباً بين شعر وقصة ورواية أصدرتها الاحتفالية للشباب الذين فازوا بمسابقةٍ نظمتها الاحتفالية في هذه المجالات...»

وإلى جانب ندوات الاحتفالية ومؤتمراتها وإصداراتها تولت "يارا نصير" تنظيم "شامنا فرجة" إحدى أكثر فعاليات الاحتفالية جماهيرية، كيف بدأت الفكرة؟ وكيف تم تنفيذها؟ .. أجابت "يارا": «"شامنا فرجة" كانت إحدى الفعاليات التي أحدثت خلال الــعام /2008/، وصاحبة الفكرة هي د. "حنان قصاب حسن" التي أرادت إيجاد نوع من الفعاليات تتوجه إلى الناس في أماكن وجودهم، وذلك تجاوباً مع إحدى توجهات الاحتفالية الأساسية..

وفي اجتماع مع د. "سراب أتاسي" من "المعهد الفرنسي لدراسات الشرق الأدنى"، درسنا إمكانية تسليط الضوء على أماكن يستكشفها الناس في "دمشق" أكثر من تلك التي اعتاد الناس زيارتها باستمرار، وعلى هذا الأساس قررنا التوجه إلى أحياء المدينة القديمة التي تقع خارج سورها التاريخي، باعتبار أن هذه الأحياء تحظى باهتمام أقل، ولاحقاً انضم المهندس "عصام حجار" إلى هذا المشروع، وبذل معنا جهداً رائعاً على مدى ثمانية أشهر، أخذنا الناس في جولات على هذه الأماكن، وشاهدنا معاً أماكن فتحت لنا أبوابها لأول مرّة مثل كنيسة "سيدة النياح" في "الميدان"، وقصر"غازي" في ساحة "المرجة".. ، وفي كل جولة كان لدينا فعاليات مختلفة عن الجولات السابقة تتناسب مع خصوصية الأحياء التي نزورها، كما كانت هذه الجولات فرصة لاستعراض ملامح من تراث "دمشق" وعادات أهلها..»

"يارا نصير" حدثتنا أيضاً عن أجمل ذكرياتها مع الاحتفالية، ولعل أبرزها لقاؤها بالسيدة "فيروز"، وعن ذلك قالت: «رأيت السيدة "فيروز" في مناسباتٍ معدودة عندما أتت إلى "دمشق" لعرض مسرحية "صح النوم"، لقد كانت على المسرح ملأى بالحيوية، أما في الكواليس فكانت أقرب إلى القداسة، لم أقترب منها كثيراً، باستثناء تلك المصافحة التي مازالت يدي تحتضن دفئها، وتلك الكلمات القليلة التي تبادلنا فيها الشكر والترحيب».

كما كان هناك بعض الإحباطات على هامش ساعات العمل الطويلة: «لم يرهقنا كثرة العمل، بقدر ما أحبطنا إلغاء بعض الفعاليات لأسباب خارجةٍ عن إرادتنا بعد ساعاتٍ طويلةٍ من العمل، كالتأجيل المتكرر للقراءات الشعرية لــ "محمود درويش"، واعتذار المفكر الليبي د . "إبراهيم الكوني" عن المجيء إلى سورية بسبب ظروفه الصحيّة، وهو باحث مهم، وله جمهور كبير في "دمشق"، حضّرنا لهذه الزيارة كثيراً، وبجهدٍ وحماسِ كبيرين، وأعلنا عن موعدها بشكلٍ رسمي، لكنها للأسف لم تتم، واضطررنا للاعتذار..»

وختمت "يارا نصير" حديثها لنا بالقول: «ذكرياتنا مع الاحتفالية جميلة جداً، بذلنا جهداً كبيراً مقارنةً بقلة عددنا، وكنّا نسابق الزمن، ونعمل في الوقت بدل الضائع كما يقولون، بذلنا كل ما يلزم وبحماس شديد ليكون كل شيء بشكله الأمثل، عملنا جميعاً بأقصى طاقتنا، كنا فريقاَ جميلاً جداً، ومستعداً لعمل أي شيء، وبأي وقت، وهذه أجمل ذكرى يمكن أن نحملها عن الاحتفالية»..