يحمل في ذاكرته أرشيفاً من الأفلام السينمائية، وتقترن أيام الطفولة لديه بتاريخ السينما في "دمشق"، تنضح كلماته بالحزن عندما يتحدث عن عمله.

"محمد شتا" من مواليد "دمشق" عام /1970/، يعمل كعارض سينما منذ عام /1988/،

نعم، أبريق الشاي وعلبة السكر وركوة القهوة وعلبة سجائر موجودة دائما إضافة إلى أخرى يستعملها، والكرسي الخشب الذي أصبح لي معه قصة طويلة، هذه التفاصيل مجتمعة تمثل نمط حياة خاص جداً، تشعر بالوحدة رغم وجود مئات الأشخاص في صالة العرض التي لا يفصلك عنها سوى تلك النافذة

وفي غرفة العرض العلوية داخل سينما "الفردوس" كان لديه الكثير ليقوله لنا بتاريخ 22/11/2008 عن عمل استمر /20/ عاما.

بدأت القصة بجولات رافق فيها والده إلى صالات السينما في "دمشق" فيقول:

«كان أبي يعمل تاجر أفلام، ويستثمر أحيانا صالات سينما يديرها بنفسه، أذكر منها سينما "العباسية" المعروفة حاليا بـ"صالة 8 آذار"، كنت أرافقه دائما إلى تلك الصالات وأشهد عمليات توزيع الأفلام واختيار ما سيتم استيراده منها بناء على شهرة الفيلم ورواجه أو حتى تقاطعه مع الظروف السائدة وملامسته لهموم مرحلة قائمة، طبعاً لم تكن هذه الجمل واضحة بالنسبة لي بالدرجة الكافية، ولكن هذه الرحلة شبه اليومية خلقت لدي علاقة مع السينما كطقس خاص بحد ذاته».

محمد شتا

ويتابع "محمد" حديثه عن البدايات:

« والنقطة الأهم أن عمي كان يعمل عارض سينما، لا أدرك تماما منذ أي تاريخ ولكني أعرف أنه ارتبط بذاكرتي دائما بذلك المكان الذي اعتدت أن أزوره فيه باستمرار، غرفة صغيرة تعلو صالة العرض، يفصلها عنها شباك صغير، تحوي الغرفة آلات العرض اليدوية المختلفة تماما عن الآلات في غرفتي الآن، واللافت ذلك الجدار المليء بالقواطع الكهربائية إضافة إلى أشياء صغيرة لكنها كانت تحمل لي الكثير من المعاني حتى أنها عالقة بذاكرتي بأدق تفاصيلها حتى هذه اللحظة».

أشياء صغيرة؟

«نعم، أبريق الشاي وعلبة السكر وركوة القهوة وعلبة سجائر موجودة دائما إضافة إلى أخرى يستعملها، والكرسي الخشب الذي أصبح لي معه قصة طويلة، هذه التفاصيل مجتمعة تمثل نمط حياة خاص جداً، تشعر بالوحدة رغم وجود مئات الأشخاص في صالة العرض التي لا يفصلك عنها سوى تلك النافذة».

ما هي قصة ذلك الكرسي الخشبي؟

«في البداية كنت أراقب عمي وهو يعمل، ثم تطور الموضوع إلى مساعدته في عمله من خلال مجموعة من الأوامر أقوم بتنفيذها حرفيا تتضمن تركيب الفيلم بإشرافه حتى اعتدت أن أركبه وأشغله بنفسي، وهكذا بات بإمكانه الاعتماد عليّ ومغادرة المكان، في الوقت الذي اعتدت فيه أنا الجلوس على ذلك الكرسي ومشاهدة الفيلم وحيدا ومع الجمهور من خلال الشباك الفاصل بين غرفة العرض والصالة، حتى غدا طقسا يوميا».

تحول هذا الطقس إلى مهنة يزاولها "محمد" منذ /20/ عاما وحتى الآن، رغم أنه تابع دراسته في معهد كهربائي وتخرج منه، ويحكي لنا بكثير من الحزن عن تناقص عدد رواد السينما يوميا حتى أنه يلغي العرض أحيانا لعدم تواجد الحضور:

«كان رائعا ذلك التواصل بينك وبين أشخاص لا تعرفهم ولكنك اعتدت على تواجدهم ينتظرون منك تشغيل فيلم؛ متشوقون لرؤيته، حتى أني ألفت وجوه بعضهم مرتبطة بنوعية الفيلم الذي سيعرض سواء كان رومانسيا أم أكشن....، كان ذلك الإقبال يجعل لعملي معنى حقيقيا أما الآن ومع هذا التطور التكنولوجي الهائل وبوجود القنوات المتخصصة بالسينما وغيرها من وسائل الرفاهية أصبح عدد رواد السينما قليل جدا بل إنه نادر ففي كثير من الأحيان نلغي العرض لعدم تواجد أحد، بينما سابقا كنت أتبرع بإعادة العرض خارج أوقات دوامي نظرا للإقبال الشديد».

هل ستعلم أولادك هذه المهنة؟

«قادني الفضول إلى هذه المهنة، حتى أدمنت عليها ولم أستطع التخلي عنها، بالنسبة لي كان مبهرا جدا ذلك الضوء المنطلق من آلة العرض الذي يخلق الحياة لمجرد ملامسته الشاشة التي يسقط عليها في الصالة، كانت مثيرة للفضول تلك الأجسام التي أضعها بالمقلوب على الآلة لأراها بالشكل الصحيح تتحرك وتتكلم على شاشة العرض، أما الآن فالموضوع مختلف تماما، وقطعا لن أعلم أطفالي هذه المهنة رغم عشقي الدائم للسينما».

عمل "محمد" في أكثر من دار عرض (حيث عمل في "الزهراء" و"الأمير" و"السفراء" و"راميتا")، ولكنه حاليا ما زال في سينما "الفردوس" يعرض أفلامه رغم إدراكه أنه ربما يكون الوحيد الذي يشاهد الفيلم.