«علم الفضاء علم اتصل بعلم الفلك، وقديماً كان لأجدادنا الفضل في دراسة تلك العلوم التي قدمت لنا التسهيلات المناسبة في تطوير مفهومنا لعلم الفضاء الخارجي ولنا من "ابن الهيثم والخوارزمي" وغيره الأمثلة حيث استطاعوا في علومهم أن يتوصلوا إلى حقائق ونتائج مدهشة».

الحديث للواء رائد الفضاء "محمد الفارس" الذي التقاه موقع eSyria بتاريخ 29/10/2008 في المركز الثقافي العربي بالأشرفية وأجرى معه الحوار التالي:

علينا في هذا العقد من الزمن أن نرسل إنساناً إلى القمر ونعود به سالماً إلى الأرض

  • يقولون: علم الفضاء والفلك، كيف أصبح هذا العلم بعد المعاصرة؟
  • اللواء الطيار مجيد الزغبي

    ** مذ وجد الإنسان على وجه الأرض غزا الفضاء بفكره وعقله، والإنسان مخلوق صغير ولكن عظمته تكمن في فكره وعقله، لأنه دائم البحث، فنظر إلى الأعلى ووجد النجوم السابحة، فربط مصيره مع النجوم والفلك، ولهذا برز علم التنجيم، بينما في حياته المعاصرة ارتبط بالنجوم وسأضرب أمثلة على ذلك "الصينيون" منذ 3000 سنة ق. م استطاعوا رصد 3000 نجم، و"البابليون" كان لديهم الباع الطويل بذلك و"الهنود الحمر" أيضاً وحضارة "المايا" التي اعتمدت على الشمس وبنت المعابد والمساجد معتمدة بحضارتها على الشمس، وكذلك "المصريون" الأوائل الذين بنوا "الاهرامات" كهرم "خوفو" الذي تدخله الشمس ثلاث مرات في السنة يوم ميلاده ويوم وفاته ويوم تتويجه.

  • يتضح أن العرب كان لهم اهتمام كبير بهذا العلم؟
  • اللواء ورائد الفضاء محمد فارس

    ** نعم نحن العرب في سالف الزمن كنا بارعين في علم الفلك والغرب استفاد كثيراً من علومنا العربية و"بتانيوس" هو ذاك الرجل العربي الذي عاش في مدينة "الرقة" وكان لديه مرصد وقد سمى الغرب نجوماً باسمه، وكذلك "موسى بن شاكر" في أيام "المأمون" توصل لقياس محيط الكرة الأرضية، و"الخوارزمي" وغيرهم من الأسماء العربية، لذلك العرب لهم السبق الأفضل في اكتشاف علم الفضاء قبل غيرهم، إنما اختلفت في طبيعة التكنولوجية الحالية.

  • كيف بدأت التكنولوجية الفضائية في الفضاء الخارجي؟
  • جانب من الحضور

    ** مع بداية القرن العشرين بدأت تظهر نظريات بالصعود إلى الفضاء الخارجي، وهناك العالم "تشايكوفسكي" الروسي وضع نظرية الصعود إلى الفضاء وسماها نظرية الصعود إلى القطار أي على مراحل، وكل المركبات الفضائية التي أرسلت إلى الفضاء تمت من خلال هذه النظرية، ورواد الفضاء الذي يصعدون إلى الفضاء والصواريخ التي تطلق في الفضاء وفق هذه النظرية، بدأ إطلاق الصاروخ في عام 1934، وفي عام 1956 أطلق أزيز أول قمر فضائي خارجي، وفي عام 1957 تم إطلاق أول كائن حي إلى الفضاء الخارجي وهي الكلبة لاكي، وفي يوم 12/6/1961 أول رائد فضاء روسي "يوري غاغارين" وكان افتتاحاً لعصر الفضاء برحلة استغرقت 112 دقيقة فقط وبعده بسنة رائد فضاء أميركي صعد بشكل عمودي وإذا أردنا أن نوثق بداية عصر الفضاء لقلنا حقاً هو تاريخ 12/6/1961 للرائد الروسي "يوري غاغارين"، وفي عام 1963 أول امرأة فضائية هي" فلانتينا تيريشكوفا"، وفي الطيران الفضائي دائم السرعة تقدر سرعته بـ 28 ألف كيلومتر في الساعة، وهي السرعة الكونية الاولى وحتى نتحرر من الجاذبية الأرضية علينا أن نسير بهذه السرعة، وهي تعطينا الثبات حول الكرة، وحتى نتخلص من جاذبية الشمس علينا أن نسير بسرعة 88 ألف كيلو متر في الساعة كي نصل إلى النجوم.

    والرئيس الأميركي "جون كندي" قال في أحد خطباته عام 1961: «علينا في هذا العقد من الزمن أن نرسل إنساناً إلى القمر ونعود به سالماً إلى الأرض»، وفي عام 1970 أرسل أول رائد فضاء إلى القمر.

  • ما أهمية الفضاء الخارجي في حياتنا اليومية؟
  • ** سألخص ذلك بمجموعة من النقاط أهمها في مجال الاتصالات فالأقمار الاصطناعية وفرت مليارات الدولارات في الاتصالات أي في قمر واحد يستطيع أكثر من مليوني شخص أن يقولوا في لحظة واحدة "ألو"، أما في مجال البث التلفزيوني فجعل القمر الأرض كرة صغيرة بل أقل من ذلك ولا أريد أن أبحث في التفاصيل كثيراً، وهناك ظاهرة نحن العرب يجب أن نعتز بها هي أننا اكتشفنا علم الاستشعار عن البعد وذلك من خلال نظرية الإبصار عند "ابن الهيثم" أي إن شبكية العين لا ترى الأشياء بل كل جسم له بصمة حرارية تنطلق منه موجات وهي تختلف من موجة لأخرى والشبكية تحلل البصمة الحرارية وهي بصمة كهرطيسية تعتمد على التقاط الصور الخارجية في باطن الأرض واكتشاف المعادن فيها، وفي مجال الجامعات المفتوحة، وكذلك الأنترنت وآفاقه الواسعة من تجارة واقتصاد وعلم وتكنولوجية ومعرفة وثقافة الخ، والاقمار الاصطناعية تكشف جميع الأحداث والوقائع في جميع المجالات الصناعية والزراعية وغيرها، والولايات المتحدة تتنصت على جميع الاتصالات الخارجية ولهذا إذا لم يكن لنا قدم في الفضاء الخارجي لا وجود لنا على الأرض، فيجب علينا أن نجد لنا أقداماً في الفضاء، الأقمار الاصطناعية هامة في اكتشاف المجرات وانفجارات الكون وهذا ما جعل الباحثين يكتشفون بداية الخليقة، بالإضافة إلى اكتشاف مواد معدنية وكيميائية جديدة لا يمكن اكتشافها على الأرض.

  • وعن رحلتك الفضائية ماذا تحدثنا عنها؟
  • ** في 22 تموز من عام 1987 تم إطلاق الصاروخ إلى الفضاء الخارجي وذلك وفق نظرية "تشايكوفسكي" وعلى مراحل حيث انتهت المرحلة الأولى بعد 116 ثانية وانتهى قسم من الصاروخ وانفصل حتى يخفف على المحركات الصاروخية، وبعد 260 ثانية انتهت المرحلة الثانية بعد اطلاقها على شكل عامودي ثم دورانها مع دوران الكرة الأرضية حتى نستفيد من القوة الطاردة المركزية للكرة الأرضية (كلما اقتربنا من خط الاستواء نكون قد استفدنا من توفر ملايين الدولارات لأن الأرض مفلطحة عند خط الاستواء) لذلك تعطي قوة طاردة أكثر، وبعد 125 ثانية كنا في الفضاء الخارجي وخلصنا من الصاروخ الذي كان ارتفاعه 350 متراً وكذلك يحمل فيه 350 طناً من الوقود الذي استهلكت خلال هذه الثواني ووصلنا بعد 200 كم عن الأرض، ولذلك بعد وصولنا إلى الفضاء لم نشعر بأننا فوق أو تحت وفي اليمين واليسار أي الاتجاهات تلغى، ولأننا ندور حول الأرض فلا يمكن أن أقول أن الأرض تحتي أو فوقي، وللأرض جاذبية حين تجذبنا نسمي الجاذبية للأسفل والعكس للأعلى، أما في الفضاء الخارجي لا يوجد جاذبية يعني لا يوجد أعلى وأسفل.

    اقتربنا من محطة "مير" الفضائية في اليوم الثالث بمسافة 400 كيلومتر بزاوية 58.2 عن خط الاستواء وبسرعة 28 ألف كيلومتر في الساعة، وبالإضافة لهذه السرعة أضفنا سرعة زائدة لذلك وعندما اقتربنا على بعد أمتار أصبح السرعة المسموح بها هي 45 متر في الثانية وبالتالي استطعنا أن نخفف سرعتنا للوصول، لحظة الالتحام كانت في فارق سرعتين 23 سم في ثانية وكانت صدمة قوية أدركناها تماماً لأن كتلة 150 طناً تلتحم بكتلة 13 طناً ولذلك كانت صدمة عنيفة لكن الالتحام كان ناجحاً والحمد لله، إذ تم الالتحام ميكانيكياً وكهربائياً وآلياً، وفتحنا أبواب المحطة وبدأنا بإجراء التجارب والدراسات.

  • ما التجارب التي قمتم بها؟
  • ** أنا أجريت 13 تجربة علمية في الفضاء، وهناك ما يسمى الصناعة الفضائية لانعدام الجاذبية وبالتالي لا يمكن أن تتحلل المعادن وغيرها، ولأن صناعتها في الأرض تحمل جاذبية بينما في الفضاء فلا تحمل تلك الجاذبية، 13 تجربة منها 7 تجارب طبية تأثير الفضاء على تصرفات الإنسان وردود أفعاله وأنا قد حملت جهاز لمعرفة عمل قلب الإنسان لمدة 48 ساعة ومدى تأثير الفضاء على قلبه، وفي الراحة أجرينا رياضة على دراجة هوائية والمراقبة الطبية لنا من الأرض إذ كان أطباء يراقبون حالتنا وهم على الأرض، في الحقيقة رجل الفضاء يعاني كثيراً من التدريب القاسي وطبيعة العمل كي يتأقلم كرائد فضاء و60% من رواد الفضاء أثناء التدريب يبقون أسبوعا أو أكثر في حالات إقياء وغيرها كي يتأقلمون وأنا كنت أقل تأثير من غيري لأنه ثبت علمياً بأن الطيار المقاتل يستطيع التأقلم أكثر من غيره في الفضاء وبسرعة كبيرة، ولهذا يختارون دوماً قادة المركبات الفضائية طيارين مقاتلين، أعود للتجارب ومنها تجربة اسميناها تجربة "تدمر" خلطنا مواد أكاسيد وأملاح والغاية منها الحصول على مواد جديدة تدخل في صناعة المنظفات بالإضافة إلى نسب لصناعة الأسنان والحديد والالكترونيات والتجارب وضعها علماء سوريون بالإضافة إلى دراسة حوض الفرات ومسكنة والغاب وتلوث الحيوي والمائي في سورية وهناك تجربة قام بإعدادها في سورية ونحن نعتز ونفتخر بذلك لأن أميركا وتطور علومها فشلت في هذه التجربة، وللتاريخ أن جهازاً صنع بأيدٍ سورية، وعندما كنت في أحد المؤتمرات قال لي عالم أميركي: لقد استخدمنا جهازكم السوري الذي اسميتموه "بصرى" وكانت نتائجه جيدة.

    أخيراً في الفضاء ظلام دامس وفي 97.2 من المادة الكونية مظلمة، والنور بنسبة 2.5% رغم اكتشاف مليارات المجرات، ولاكتشاف الفضاء أهمية على الإنسان في علومه الطبيعة والنفسية والثقافية والسلوكية وكل ما يخطر ببال الإنسان من ثقافات وعلوم.

    اللواء الطيار "مجيد الزغبي" الحائز وسام بطل الجمهورية في حرب تشرين التحريرية قال: «الزميل اللواء الطيار ورائد الفضاء "محمد فارس" يعد مفخرة سورية حقاً بما استطاع أن يتوصل إليه من تجارب في الفضاء الخارجي وأعطانا صورة جميلة ناصعة عن المكونات الداخلية لبلادنا العربية عامة والسورية خاصة، ولاسيما أن الفضاء هو علم تكنولوجي متطور استطاعت سورية أن تجعل لها قدم فيه عن طريق الزميل "محمد فارس"».

    يذكر أن رائد الفضاء "محمد فارس" هو من مواليد 1951، له خمسة أولاد ثلاثة قبل رحلته الفضائية واثنان بعد عودته، هو ضابط خريج الكلية الجوية السورية عمل دورة أركان، ومن المدهش أنه بعد عودة رواد الفضاء يخضعون لعلاج بينما "محمد فارس" نام سبع ساعات واستيقظ ليعلب لعبة التنس.