"عادل" بائع صحف من نوع خاص نصب بسطته بالقرب من مكان تواجد المثقفين في مقهى "الروضة" شارع "العابد" ليطالع يومياً كل الصحف العربية وليخبر كل المثقفين الذين يرتادون المقهى أنه قرأ لهم أو عنهم مقالة في هذه الصحيفة أو رأياً في تلك..

"بسطة الصحف" (مجموعة الكتب التي تباع على الأرصفة) ربطته بعلاقات صداقة مع عديد من المبدعين السوريين وغيرهم، منهم "محمد الماغوط"، "عبد الوهاب البياتي"، "نصر الدين البحرة"، "فارس الحلو" وآخرين..

لقد تعلمت من وقوفي اليومي في هذا المكان وعبر العقود الأربعة الماضية أن أخفي كل ما يحزنني وأظهر ابتسامة دائمة، فنحن السوريون وعلى اختلاف مستوياتنا وتنوع بيئاتنا نجيد فن المرح بل نصطاد لحظات البهجة من الهواء الطلق وكل من يعرفني يعرف ابتسامتي أولاً

منذ أربعين عاماً اعتاد المارة في شارع "العابد" أن يستأنسوا وجه "عادل" ويلقوا عليه التحية ليطالعوا عناوين الصحف والمجلات العربية ومن قبله والده الذي كان أيضاً علامة من علائم شارع "العابد".

"عادل" لم يختص فقط ببيع الصحف بل إنه يختار أهم الكتب وأكثر الروايات العالمية والعربية رواجاً... يقرؤها ثم يقتنيها في محتويات بسطته المتواضعة، ويمكن أن يجد من يقصده إضاءات عن هذه الروايات، والأمر متشابه بالنسبة للصحف العربية فقبل شرائها ينوه "عادل" إلى الصفحة المميزة فيها وإلى الزاوية الأبرز والكاتب المهم من وجهة نظره طبعاً.

يقول "محمد عادل عبد الله" مواليد "دمشق" (1955): «منذ أربعين عاماً وأنا أقف يومياً في هذا الشارع، مما فرض علي أن أكون تحية صباحية للجميع، فكان اللقاء يبدأ بالهمس من بعيد، ثم يقترب ويقترب ليصل للتحية والسؤال عن الحال، ومن هنا نمت علاقتي مع الناس وصرت أشعر وكأنني جزء من هذا الشارع واليوم الذي لن أتواجد فيه سأكون حتماً فارقت الحياة».

يضيف "عادل": «لقد تعلمت من وقوفي اليومي في هذا المكان وعبر العقود الأربعة الماضية أن أخفي كل ما يحزنني وأظهر ابتسامة دائمة، فنحن السوريون وعلى اختلاف مستوياتنا وتنوع بيئاتنا نجيد فن المرح بل نصطاد لحظات البهجة من الهواء الطلق وكل من يعرفني يعرف ابتسامتي أولاً».

علاقاتي في الفترة الماضية صارت أكثر عمقاً مع الصحفيين من الجيل الناشئ الذين أتوسم فيهم الخير وأتمنى أن يحققوا أحلامهم، وكثيراً ما أفرح عندما أرى شاباً لم يتجاوز الخامسة والعشرين يكتب في الصحف العربية مقالات هامة إلى جانب أهم الصحفيين والشعراء أحياناً "كمحمود درويش" و"أدونيس"...

أكبر ربح جنيته من هذا العمل هو إطلاعي على أهم المؤلفات الأدبية باستمرار بالإضافة إلى أنني أنشأت ولدين وابنتين قد تخرجوا من الجامعة وقد أدمنوا على القراءة الدائمة ومطالعة مجمل الصحف.

أكثر المسائل طرافة "بعادل" أنه يفرج حال بعض المثقفين الذين يحتاجون في بعض الأحيان إلى بعض الكتب والمجلات الفصلية، لكن غالباً مايفتقرون لأسعارها كاملة، والملفت أن "عادل" يقبل أن يعير بعض الكتب والمجلات الفصلية وأحياناً الدوريات الأسبوعية اليومية أيضاً كما يبيع ويسجل على الحساب في بعض الأحيان.

(16/7/2008).