"أنا أعشق الحرية والبطولة، فدمشق والمجاهدون وجهان لعملة واحدة، صمدوا في وجه الاستعمار مثل مدينتهم التي صمدت وستصمد إلى الأبد، نحن المجاهدين عشنا ونموت فقراء، وجهادنا لم يكن إلا إرضاء للوطن ولوجه الله والضمير".

هذا ما قاله المجاهد "عمر الأرنؤوط" الذي تصدى للاحتلال ووقف بوجهه مثل الكثيرين من أبناء سورية، وكان لزاماً علينا أن نتركه يتحدث لأن المجاهدين كالشهداء لا يسألون أبداً.

قال: أنا المجاهد "عمر الأرنؤوط" من مواليد دمشق عام 1920، درست حتى الصف الثامن الإعدادي وبعدها بدأت بالحياة الرياضية فكنت بطل سورية في الركض للمسافات الطويلة وقفز العصا، وفي عام 1940 كنت حكماً لكرة القدم والملاكمة وزاولت مهنة التحكيم في أغلب الدول العربية، وبعد خروج العثمانيين من أرضنا جاءنا المحتل الفرنسي على سورية ولبنان والإنكليزي على فلسطين حيث كان له الدور الكبير في (تنغيص) حياتنا فقررت الانخراط بالعمل الجهادي والمقاوم من خلال مشاركتي في الإضراب الستيني مع زملائي الذين استشهد أغلبهم على يد الاحتلال ومن بينهم المجاهد "فوزي اللحام" الذي اعتقل معنا بسجن المزة، ولولا تدخل الشيخ المرحوم "محمد الأشمر" والمرحوم "شكري القوتلي" لقتلت في السجن آن ذاك، ومن ضمن الأحداث التي أذكرها قيامي أنا وزملائي بإلقاء المفرقعات على مبنى الأركان الفرنسية عام 1943 عندما كان الكولونيل "بيكمن" يعقد اجتماعاً مع العسكريين يدرسون فيه سبل القضاء على الإضراب، وبعدها عرفوا أنني من قمت بالتحريض على إلقاء المفرقعات فلاحقوني ولم يتمكنوا من إلقاء القبض عليّ لأنني كنت متخفياً وأنام في كل يوم بمنطقة مختلفة.

وأذكر لكم حادثة يوم رفض "حسني الزعيم" ذهابي مع "فوزي القاوقجي" إلى فلسطين، فذهبت أنا ووالدتي لمنزل حسني الزعيم وقالت له: ذهب لي الشاب "إبراهيم" شهيداً وهذا الثاني ليكون شهيداً آخر، وبعدها ذهبت متطوعاً مع فوزي القاوقجي إلى فلسطين وكان مقرنا بلدة "قباطية" التي تقع شمالي "نابلس"، عملي هناك كان "مراقب أمن رئيسي" تندرج مهمتي في مراقبة تحركات العدو وإقامتهم.

وخلال وجودي في فلسطين قاتلنا المحتل الانكليزي، ومن بعده قاومنا العصابات الصهيونية التي نشطت في فلسطين آن ذاك بدعم من الانكليز حتى عام 1948 العام الذي أعلن فيه الصهاينة قيام كيانهم الغاشم على دماء الشعب العربي الفلسطيني. وبعد النكبة عدت إلى سورية مع زملائي وانخرطت بالعمل السياسي والاجتماعي، فكنت عضو مجلس محافظة مدينة دمشق مدة عشرين عاماً وأنا الآن نائب رئيس رابطة المحاربين القدماء.

عن عائلته أضاف: أنا من عائلة وطنية مجاهدة، والدي "محمد علي بك الأرنؤوط" كان قائد موقع دمشق العسكري إبان الحرب العالمية الأولى، وأخي "أنور الأرنؤوط" ذهب مع الثوار إلى فلسطين ولصغر سنه أعادوه إلى المنزل وأذكر حينها حزنه الشديد على العودة حيث كان عمره 14 عاماً فقط، وعائلة أمي من العائلات المناضلة والمجاهدة في مدينة "صفد" بفلسطين، ولدي الآن ولد واحد وأربع بنات وسبعة عشر حفيداً.

في الختام أود القول: تعتبر دمشق اليوم من أهم العواصم على المستوى المعمورة لما لها من تاريخ إنساني امتد بعمق الزمن، حتى اعتبرت أقدم العواصم المأهولة بالعالم، ومن خلال قدمها وعراقة شعبها تهافتت عليها الغزوات من الإمبراطوريات التي كانت موجودة ثم اندثرت بعد ذلك، أما دمشق فبقيت موجودة بصمود شعبها وتحديه لكافة المستعمرين الذين جاؤوا لاحتلال هذه الأرض الطاهرة، وعلى كافة المناضلين والمجاهدين أن يحافظوا على مبدئهم في تحرير الأرض والإنسان بعد ثبات نوايا الدول التي تدعي الديمقراطية المزيفة وتستخدمها لتغرد في سماء الحريات وحقوق الإنسان، مع أنهم يغردون في سماء حب النفط واحتلال الدول والشعوب الحرة وتدمير الحضارات.