على الرغم من أنها تجاوزت 112عاما ً منذ أيام إلا أنها لا تزال قوية ً وقادرة ً على المشي والحركة ضمن القرية وزيارة بيوت أولادها وأحفادها الذين يعدون بالمئات، إنها السيدة " نازلية " التي أمضت حياتها في حقول و بساتين عدرا الواقعة في ريف دمشق، تأكل كل ما هو طبيعي وتشرب من مياه الينابيع الصافية والعذبة .

لم تكن تحمل العكاز قبل خمس سنوات، تمشي دون أن تشعر بالتعب، تجاربها التي لا تعد ولا تحصى جعلتها تتحمل مختلف الظروف وتتجاوز جميع الصعوبات.

عايشت الحربين الكونيين ولا تزال تتحدث بأدق تفاصيلها

منزلها وأحد أحفادها

دخلت ُ إلى عالمها من أوسع الأبواب بكل احترام لسنها ووضعها، فـأفردت أوراق العمر بكل سعادة، وبدأت تتحدث عن مراحل عمرها وأهم المحطات فيها، حيث عايشت الحربين الكونيين ولا تزال تتحدث عن يومياتهما بأدق التفاصيل كم كان يُروى آنذاك .

بدأت الحديث معها عن سني عمرها ، فقالت إنها تبلغ 112 عاما ً دون أن تعرف السنة التي ولدت فيها، بل ربطت ذلك بأيام الوجود العثماني في بلدنا، ومن هنا بدأت تفتح صفحات طفولتها وكيف فتحت عيناها على الدنيا لتجد المعاناة والظروف القاسية، تحدثت بإسهاب عن ما كانت تسمع عن الحرب العالمية الأولى التي عصفت بالمنطقة وخلفت الدمار والخراب .

نازلية خليل

فرق كبير بين الماضي والحاضر

تقول "أم محمود" إن الزمن قد تحسن كثيرا ً مقارنة بتلك الفترة حيث لم تكن هناك المدارس ووسائل الاتصال المتعددة والأطباء والخدمات الأساسية بل كان سكان القرى يبدؤون نهارهم مع شروق الشمس في العمل وينامون مع مغيب الشمس فلم تكن هناك وسائل للترفية«كما اليوم» لكن على الرغم من ذلك كانت اللقاءات والزيارات بين الجيران حميمية وودية وكأن سكان القرية جميعهم عائلة واحدة يتقاسمون مع بعضهم البعض الأفراح والأتراح.

كنا نسكن بيتا ًمن الطين ولم أذهب إلى الطبيب قط

تغوص السيدة في أعماق ذاكرتها أيام الصبا لتروي عن تجربتها في تكوين أسرتها وتربية أولادها، فتقول: العلاقات بين الشبان والشابات كانت واضحة وقوية لأن الجميع يعمل في الزراعة، ومن هنا تعرفت على خليل، وبعد موافقة العائلتين تم الزواج والبدء بالخطوة الأولى في الحياة، كانت أيامنا جميلة جدا ً لا نعرف الهم والغم على الرغم من أننا كنا نسكن بيتا ً من الطين، كان دافئا ً في الشتاء وباردا ً في الصيف، ولا أتذكر يوما ً أنني ذهبت إلى الطبيب أو تناولت الدواء، فصيدليتي هي الطبيعة.

نقل الخبرات إلى الأحفاد يساعدهم على تجاوز المصاعب

مضت الأيام بسرعة، تتابع السيدة، ورزقنا الله سبحانه تعالى بثمانية أولاد، تمكنت من تربيتهم جميعا ً تربية جيدة ً، وهم الآن آباء وبعضهم أجداد، وأنا سعيدة بأنني لا زلت بينهم وأساعدهم وأقدم لهم شيئا ً من تجربتي ليستفيدوا منها، لآن الحاضر يقوم على أساس الماضي، والمستقبل يقوم على أساس الحاضر وهكذا، فنقل الخبرات الحياتية المختلفة إلى الأحفاد يساعدهم على تجاوز الكثير من المصاعب، وتقدم مثالا ً على ذلك بأنه عندما تسمم أحد أولاد ابنها البكر محمود، نصحته بأن يتناول كأسا ً من الحليب، وبالفعل تعافى الطفل.

لا تبالي أم محمود بالسنوات وهي تمضي مسرعة ً، فهي فخورة بأنها تجاوزت 112 عاما ً وأنها لا تزال تحتفظ بذاكرتها الحية التي تعد مخزننا ً للتاريخ والذكريات والتجارب عن حياتها خاصة ً وحياة المنطقة عامة ً.

عندما تجلس معها تحاول أن تفرغ ما في جعبتها من قصص فريدة ومشوقة في حياتها، واللافت أنها عندما تتحدث عن قضية ما، تشعر وكأنها حدثت قبل أيام قليلة من خلال تذكرها للتفاصيل، وهذا يدل على صفاء ذهنها وذاكرتها التي لا تعرف الشيخوخة بعد .

تقول هذه السيدة التي قطعت كل هذه المراحل إنها تتمسك بالسكن في القرية حيث الهدوء والراحة والمساحات الخضراء الواسعة والهواء النقي، وتضيف:لا أستطيع العيش في المدينة وصخبها وضيق بيوتها، ولأن لدي من الأحفاد الكثير والحمد الله لذلك أسعد أيامي هي الأعياد، حين تجتمع الأسرة الكبيرة وأتمكن من رؤية الجميع.

شجرة زيتون معمرة في حديقة منزلها و الزهورات .. الدواء والشراب المفضل

قبل أن تختتم حديثها معنا، أصرت على تحضر كأس من الزهورات الطبيعية التي تجنيها من حقول القرية في أيام الربيع، تقول إنها أفضل دواء للرشح والسعال في الشتاء وهي تشربها كل صباح ومساء في جميع الفصول، وهذا يقيها من الكثير من الأمراض.

وختمت السيدة الجليلة حديثها معنا عن شجرة زيتون معمرة في حديقة منزلها الريفي، فقالت: إن هذه الشجرة لا تزال تطعمنا الزيتون والزيت والمعطون، وقد زرعتها بعد أسبوع من زواجنا أنا وأبو محمود، لقد رحل أبو محمود منذ عشرة أعوام وأنا على الطريق اليوم أو غدا ً، ,اطلب دائما ً من أولادي أن يحافظوا عليها لأنها أصبحت جزءا ًمن كياني وتاريخي.