بإرادةٍ قويّة، وقدرة على تحويل المرض إلى فرصة للتعبير عن الذات؛ استطاعت "دلال أورفه لي" أن تنجو من مرض السرطان، وأن تدوّن يومياتها في كتابها "حكاية الجميلة والوحش" لتكون صوتاً شجاعاً ناطقاً بمشاعر المصابين بهذا المرض.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت مع "دلال أروفه لي" بتاريخ 17 كانون الأول 2019 لتتحدث عن ميلها للكتابة، فقالت: «بدأ اهتمامي بالكتابة من عمرٍ مبكر، تذكر والدتي أنني عدتُ من الروضة ذات يومٍ وقلت لها أنني أحب أشكال الأحرف، أما عن أحد الحوادث التي أدركتُ فيها موهبتي فقد كانت في الصف الرابع الابتدائي حيث أصبحت مادة التعبير الإنشائي جزءاً من حصص اللغة العربية، وحدث أن طلبت مني معلمتي أن أقرأ موضوع التعبير الذي كتبته أمام تلاميذ الشعبة الثانية، وبدأ المعلمون يلحظون تميزي بكتابة مواضيع التعبير منذ ذلك الحين، وكلما كبرتُ ونضجتُ أكثر، أدركتُ أن الكتابة هي موهبتي».

اقترح "راديو سوريات" إنشاء قصة مصورة عني وعن الكتاب، ويعود الفضل لصديقتي من جامعة "دمشق" اسمها "نوار المير علي" التي رشحتني لأكون موضوعاً للقصة، وبالفعل نشرت قصتي من خلال كتابة فقرات مرفقة بصور لي عن مراحل نجاتي من المرض بعنوان "قصة ناجية من مرض السرطان"

وعن دوافعها لكتابة الرواية تقول: «بدأ مشروع رواية "حكاية الجميلة والوحش" كخواطر عفوية كتبتها دون نية في النشر في البداية، وبعد أن تلقيتُ خبر إصابتي بسرطان الغدد اللمفية وجدتُ نفسي أهرب إلى كتابة خواطري عن كل يوم في تلك الفترة الصعبة، حيث تم تشخيص إصابتي في أيلول 2017، فكتبتُ عن مرحلة تلقي الخبر، الصدمة، و ملاحظاتي، عن ردود أفعال أسرتي ومحيطي وتعاملهم معي، إضافةً إلى فترة العلاج، وفترة الشفاء وما بعدها. بدأتُ أشعر بضرورة نشر الخواطر حين لم أجد ما يمدني بالقوة في كلمات المواسين من حولي، وشعرتُ أن الناس قد تثقل على مريض السرطان حين تقول بعض العبارات المكررة مثل؛ (هناك أنواع سرطان أصعب)، بدلاً من سؤاله عما يمر به وتركه ليعبر فعلاً عن مشاعره، أحياناً يسعى المقربون من المريض لحمايته بشكلٍ مفرط، وقد يوحون إليه بما يتوجب عليه أن يشعر (أنت قوي أو عليك بالصبر) بدلاً من سؤاله عما يشعر أو قول؛ بإمكانك أن تعبر عن مكنونات قلبك، وبتشجيع من والدي ووالدتي نشرت خواطري حيث صدرت رواية "الجميلة والوحش" في "مصر" عن دار "بردية للنشر والتوزيع" في شهر كانون الأول من عام 2018».

رواية "حكاية الجميلة والوحش"

وعن أسباب النشر ورسالتها للقارىء تكمل بقولها: «عندما قررتُ أن أنشر الخواطر؛ كنتُ أريد أن أطرح للناس كيف تبدو الأيام لمريض السرطان كرحلة من الألم والأمل من جهة، ولأوضح أنّ المريض واعٍ ومدركٌ لوضعه من جهة أخرى، كما لاحظتُ أنني كلما تحدثتُ عن إصابتي بالسرطان أجد الناس تشاركني قصصاً عن قريب أو أبٍ أو أمٍ مصابٍ أو مصابةٍ بالسرطان عينه، وبأنهم قد مروا بالمحنة نفسها، فأجد لديهم الرغبة بالحديث عن المحنة وجلي ألمها عن صدورهم تماماً كما فعلت، وكل ما تطلبه الأمر هو مزيج من الشجاعة لفتح الحديث والصدق في التعبير والكثير من الإصغاء، في حين أنني حين كنتُ مريضةً كنتُ أظن أن مرض السرطان نادر لا يصاب به أحد، فمجتمعاتنا تميل غالباً للتحفظ على أي موضوع يفقدها صورة الكمال، والسرطان أحد هذه المواضيع التي لا تتجرأ مجتمعاتنا حتى على ذكر اسمه بشكل واضحِ وصريح، ما يزيده رهبةً وغموضاً على المريض وأهله، لذلك قررتُ نشر خواطري التي جمعتها يوماً بعد يوم في كتاب لكلّ من يريدُ أن يقرأ صوتاً يقول له : أنا أسمعك، أنا أفهمك، ولا بأس أن تشعر بما تشعر به الآن».

وعن علاجها وما تريد قوله للمصابين بهذا المرض؛ تكمل قائلةً: «تغلبتُ على السرطان عن طريق العلاج الكيماوي، وأقول للمصابين أو المصابات به أن كل ما يشعرون به مُقدّس وحقيقي، الألم والأمل حقيقيان، الحزن والغضب، الإنكار والإدراك كلها مشاعر لها أن تأخذ من وقت كل مريض، أريد أن أقول لهم أنه ليس عقاباً على ذنبٍ اقترفوه، كما أنه ليس اختباراً لقياس صدق إيمانهم، المرض هو المرض، هو فترةُ صعبةُ هم وحدهم يقررون كيف لها أن تمضي وما هي الدروس والعبر التي يريدون أن يحملوها معهم بعد انتهاء تلك الرحلة وما هي الذكريات التي يريدون أن يتركوها خلفهم».

تكريمها لتفوقها الدراسي

وفيما يتعلق بتحدي المرض بالدراسة الأكاديمية تقول: «رغم المرض؛ استمريت بطلب العلم، وحين أصبت بسرطان الغدد اللمفية كنتُ في الفصل ما قبل الأخير في الجامعة، وموضوع التخرج قد استغرق مني الكثير من الوقت والجهد، خاصةً أنني اضطررت للعودة إلى نقطة الصفر في تحصيلي الجامعي حين هاجرت إلى "أمريكا"، فتابعت دراستي خلال الأشهر الأولى من التشخيص وتحديد طريقة العلاج، لكن اضطررت للتوقف عند الفصل الأخير للتركيز على وضعي الصحي، وأعود بعد بضعة أشهر وأنهي ما بدأت بالتخرج أخيراً.

في المراحل الأولى كنتُ أدرس لأتحدى الإصابة، لكن كان لا بد من مكوثي في المنزل ومراقبة حالتي الصحية أولاً بإمكان الدراسة أن تنتظر، فصحتي كانت على المحك وكانت أولى بتركيزي».

وعن طرح قصتها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تقول: «اقترح "راديو سوريات" إنشاء قصة مصورة عني وعن الكتاب، ويعود الفضل لصديقتي من جامعة "دمشق" اسمها "نوار المير علي" التي رشحتني لأكون موضوعاً للقصة، وبالفعل نشرت قصتي من خلال كتابة فقرات مرفقة بصور لي عن مراحل نجاتي من المرض بعنوان "قصة ناجية من مرض السرطان"».

بدورها "هناء الذهبي" أحد صديقاتها كتبت على صفحتها بعد انتهائها من قراءة الكتاب: «مع آخر يوم من العطلة الصيفية أجدني حزينة لوداعها! ووداع هذا الكتاب الذي لامس شغاف القلب، وأبهر العقل بصوره البلاغية الإبداعية، "دلال" كتبت فصدقت وأبدعت، كنت أقرأ وأحس كأنها بجانبي هي التي تحكي لي أقف بين صفحة وأخرى وأراجع نفسي كيف تصرفت حينها؟ ماذا قالت؟ وماذا كتبت؟ كانت ولا زالت شخصية قوية فذة، زادها المرض قوة ورحمة، والأهم أنه كان الدافع لكتابة هذا الكتاب ونشره».

من جهتها "نوار المير علي" صحفية سورية مستقلة تعمل حالياً لدى "راديو سوريات"، تقول: «من المهم مشاركة تجربة "دلال" على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف تحدت المرض، وتابعت حياتها واستطاعت التخرج من الجامعة رغم المرض، ما يعكس أهمية الإرادة الإنسانية وقدرة الإنسان على تجاوز المحن التي تواجهنا عندما تلهمنا مثل تجربتها، والمهم أن نقول عند تخرجها حصلت على تكريم، قالت رسالة هامة: (عندما تشعرون باليأس تذكروا تجربة تلك الشابة التي استطاعت التخرج رغم ظروف الهجرة والمرض)، هذه العبارة ملهمة ليس لكل الناجيات من السرطان فقط، بل لجميع الذين تواجههم ظروف صعبة، هي تجعلنا نفكر أنه مما كانت الظروف التي نمر بها صعبة علينا أن نرى الحياة بصورة مختلفة، وبالنسبة لي كصديقة استوحيت منها قوة الإرادة، وجعلتني أفكر أن الإرادة دوماً تصنع فرقاً، لذلك اخترنا نشر قصتها على صفحة "راديو سوريات" لتكون من التجارب الملهمة لكل السوريات، لأنها واجهت السرطان بقوة ودعم من عائلتها ولا سيّما زوجها، وحقق كتابها أصداءً كبيرةً في "سورية" و"مصر" والعالم، لأنّ القراء بحاجة لمعرفة ما يخطر ببال مريض السرطان، وكيف تكون نظرته للحياة حيث ترك أثراً هاماً، والأهم كيف تحدت الألم بالكتابة والتعلم رغم الجرعات الكيمياوية».

يذكر أنّ "دلال أورفه لي" ولدت عام 1992 في مدينة "دالاس" ولاية "تكساس" في "الولايات المتحدة الأمريكية"، عادت عائلتها للعيش في مدينة "دمشق" منذ كانت في الثالثة من العمر، حيث تلقت تعليمها حتى عام 2012، وانتقلت إلى "أمريكا"، وتخرجت من جامعة "إلينوي" في "شيكاغو" عام 2018، وحصلت على إجازة في "الاتصالات والإعلام"، اتبعت عدة دورات تدريبية في المكاتب الصحفية لكل من محافظ مدينة "شيكاغو" وسيناتور ولاية "إلينوي"، وحالياً متفرغة لاستقبال مولودها الأول.