وردة جورية دمشقية أينعت بعيداً عن تراب وطنها، كتبت بلغات عالمية كثيرة، وعملت في التلفزة والإعلام المكسيكي باقتدار وشهرة، إنها الكاتبة والمغتربة السورية الراحلة "إكرام أنطاكي".

ولدت إكرام أنطاكي في مدينة دمشق في 9 حزيران عام 1948، كانت والدتها من محبي الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، وكان جدها بطريرك انطاكية وسائر المشرق ومن الذين ساعدوا الأرمن خلال المذابح التي تعرضوا لها من قبل الأتراك، في عامها الرابع دخلت مدرسة دار السلام / مدرسة الراهبات الفرنسيسكان في دمشق حيث تعلمت إلى أن نالت الثانوية العامة منها.

كتبت بالعربية ديوان شعر بعنوان "مغامرات حنا المعافى حتى موته" في الفترة القصيرة التي عادت بها إلى دمشق وكان باكورة أعمالها، تم توالت كتبها وخاصة بعد انتهائها من دراسة الفلسفة في الجامعة المكسيكية، بالفرنسية كتبت أطروحتها لنيل الماجستير والدكتوراه

التحقت بعد ذلك بجامعة "دمشق" حيث تفتحت على الثقافة الوطنية المنتشرة وقتها، وغادرت إلى باريس عام 1969 لتنال شهادة في أنثروبولوجيا (الأعراق) في العالم العربي من جامعة باريس السابعة، ثم عادت إلى سورية عام 1975 ولم تلبث أن غادرتها إلى المكسيك باختيار شخصي حيث تذكر صديقتها الكاتبة "زينب نطفجي" أنها "رغبت بالذهاب إلى "نهاية العالم" فقاست تلك المسافة على خارطة العالم باستخدام فرجار كانت نقطته الأولى مسقط رأسها دمشق والثانية المكسيك فاختارت الذهاب اليها".

في المكسيك بدأت حياتها وحيدة، كما تقول الكاتبة السورية "حميدة نعنع"، حيث لا معين لها ولا سند، واستطاعت بعد وقت قصير أن تأخذ موقعها في إحدى الجامعات المكسيكية أستاذة للحضارة العربية فيها، وبدأت بالكتابة في الصحف المكسيكية إلى أن انتقلت إلى التلفزة المكسيكية لتقدم أحد أشهر برامجها عن الحضارة العربية والإسلام وفلسطين بعنوان "وليمة أفلاطون"، وبدأت بنشر كتبها عن العلاقة بين الشرق والغرب وعن الحضارة السورية معززة ثقافة التواصل الحضاري ورافضة العنف كثقافة تربط بين البشر.

كتبت "إكرام انطاكي" 29 كتاباً بمختلف لغات العالم الحية، تذكر الكاتبة الاسبانية "لوسيا لويث ايريدا" في حديث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 25/8/2013 فتقول: «كتبت بالعربية ديوان شعر بعنوان "مغامرات حنا المعافى حتى موته" في الفترة القصيرة التي عادت بها إلى دمشق وكان باكورة أعمالها، تم توالت كتبها وخاصة بعد انتهائها من دراسة الفلسفة في الجامعة المكسيكية، بالفرنسية كتبت أطروحتها لنيل الماجستير والدكتوراه».

قدمت أحد أشهر برامجها "وليمة أفلاطون" ذي الطابع الفلسفي على القناتين /11/ و/13/ في تلفزيون المكسيك والراديو والذي لاقى انتشاراً شعبياً طيباً إلى جانب برامج لمقدمين مشهورين في التلفزة المكسيكية أمثال "ماريا بيا" و"ريكاردو"، ثم جمعت هذه الأحاديث في أربعة عشر مجلداً صدرت لاحقاً بين عامي 1996 حتى عام 2000م تناولت فيها أحاديث متعددة كالعلم والدين والتاريخ والفلسفة.

نالت "إكرام" عديد الجوائز عن كتبها، فنالت جائزة الدولة "ماجدة دوناتو" عن كتابها القيم "ثقافة العرب" الذي كان على خط بداياتها الفلسفية وأبرز هذا الكتاب انتماءها الواضح إلى ثقافتها الأصلية "دون انحياز" كما تقول الكاتبة الإسبانية إيريدا، وتضيف الكاتبة إيريدا: «ظلت إكرام وفية لثقافتها العربية حريصة على ان يحتل البعد العقلاني مكانه في كل كتاباتها وبهذا الانتماء المعرفي قدمت رؤيتها للعموم كما حصل مع كتابها "الثقافة الثالثة" الذي نال جائزة كتاب السنة في الفن لعام 1990".

من أهم أعمالها قاطبة كتاب "روح قرطبة" El esperitu de Cordoba حيث يلتقي كما يقول الكاتب والمترجم السوري "حيدر عيسى" «ابن رشد مع ابن ميمون في حوار فلسفي حول قضايا فلسفية تتعرض للعالم الذي نعيش ولندخل معهما في أجواء قرطبة المزدهرة» وهذا الكتاب كان رواية رغم أنها سارت في المنحى الفلسفي.

تقول "إكرام أنطاكي" في معرض تقديمها لكتابها الهام أيضاً "منعطف الألفية" الصادر بعد وفاتها: «إن ميزة التاريخ الإنساني البحث عن التوازن والقياس وحين يختل هذا التوازن تحدث تلك الانكسارات الكبرى في التاريخ فنحن لا نستطيع أن نرفض الحداثة من جهة، ولكن ذاكرتنا تختزن موروثاتها القديمة من جهة أخرى،..، مما يؤكد حقيقة أن كل ما هو قديم ومدفون في ذواتنا مازال موجوداً تحت حداثتنا».

تميزت السنوات العشر الأخيرة من حياتها بانفتاح واسع على المجتمع المكسيكي وكتبت عن قضاياه متمثلة إياه مجتمعها فكتبت في قضايا المواطنة والمهاجرين وغير ذلك، كما عملت إكرام أنطاكي مستشارة لرئيس الجمهورية للشؤون العربية ولعدد من دور النشر.

تزوجت "إكرام" وأنجبت ولداً واحداً أسمته "مروان" في استعادة لحنينها الأبدي إلى دمشق ومروانها خاصة أن مروان بن الحكم كان رائد الترجمة والتعريب في العهد الأموي.

توفيت في 31 تشرين الأول عام 2000 ودفنت في قبر دمشقي في مكسيكو سيتي. وبعد وفاتها كرمها المركز الثقافي الاسباني في دمشق بإقامة حفل تكريمي لها ولأعمالها بحضور شقيقها "أكرم أنطاكي" وعدد كبير من المهتمين في سورية.