كثير من الشعراء أحبوا دمشق, فكتبوا عنها القصائد والدواوين, ولم يغلب الشعراء في الكتابة عن دمشق, إلا من أحبتهم دمشق, وأهدتهم سرها, الذي سافر معهم أين ما ذهبوا..

«ولدت يوم الاستقلال, وعندما أنظر إلى المرآة, أشعر بالأيام التي تركت سطورها على وجهي, أما الوطن فكتب أسطره على الأيام, وأنا أموت والوطن لا يموت», هذه الكلمات ليست لشاعر أو لأديب, بل من محبٍ عشق الوطن وتغرب عنه, إلا أن الليالي الطوال التي عاشها في ألمانيا لم تنسه "الشام"؛ «الأميرة التي تنام على سفح قاسيون, وتشرب من نهر بردى».

الأميرة التي تنام على سفح قاسيون, وتشرب من نهر بردى

"eSyria" التقت بتاريخ 1\10\2009, مع المغترب "فايز صبان", الذي ولد في عيد الاستقلال الأول 17\4\1946, وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية وخدمة العلم, سافر إلى ألمانيا في عام \1971\م, ودرس هناك اختصاصاً مهنياً يدعى "بناء الآلات" ثم تابع دراسته في "تصميم الجلديات", وبعد فترة من وجوده في المانيا, افتتح شركة صغيرة, تختص بتصدير المنتجات الجلدية, وفي أثناء تلك الفترة تزوج بامرأة ألمانية ثم عاد الآن, ليتزوج من شابة دمشقية, ويكمل حياته التي قسمها بين عمله في ألمانيا وبيته في دمشق.

"فايز صبان" يعتقد أن من يحب وطنه يستطيع فهم ومحبة بقية البلدان حيث قال: «أعتقد أن الإنسان يولد و يعيش في دوائر متعددة, فهو يبدأ من دائرة العائلة , فإن شعر بالأمان يخرج إلى الدائرة التي تليها وهي دائرة الحارة, فهو إما ينتمي إلى "القنوات" أو "العمارة" وهكذا.., فإن شعر بالأمان يخرج إلى الدائرة التي تليها وهي دائرة المدينة, فيقول أنا من "دمشق" أو من "حمص" وهكذا.., والدائرة التي تليها هي دائرة البلد الذي ولد فيه, وآخر هذه الدوائر هي الدائرة الانسانية, فالإنسان عندما يشعر بالأمان في المجتمعات التي يعيش فيها يستطيع تفهم خصوصية كل مجتمع مهما صغّر, وأن يحترم جميع الثقافات, أما إذا شعر الإنسان بخوف أو اضطهاد , فإنه يعود إلى الدائرة الصغيرة التي يشعر فيها بالأمان وعندها يقوم بالانكماش والانغلاق على مجتمعه الصغير, فمثلاً المنظمات الإنسانية التي يقدم أفرادها المساعدة لكل الجنسيات, أفرادها خرجوا من دوائرهم الصغيرة المغلقة و عاشوا ضمن الدائرة الانسانية الكبيرة, من هنا تجد مثلا أن من يسافر قد يحب الدائرة الجديدة التي وضع فيها ولكنه لا ينسى الدائرة والمجتمع الذي خرج منه».

في شبابه لم يبخل "الصبان" على نفسه بحضور كافة الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية, فهو يذكر معرض دمشق الدولي وعنه قال "الصبان": «كان المعرض يقام على مدى شهر كامل, وتحرص على المشاركة فيه أكبر الشخصيات والجهات العربية و العالمية, فـ"أم كلثوم" و "فيروز" مثلاً كانتا تزينان مسرحه القديم, وكان الناس يركبون الزوارق الصغيرة ويتنزهون بها على "بردى" من "ساحة الأمويين" وحتى جسر "فكتوريا", إن هذه المشاهد لم تتركني في اغترابي, وإنما جعلتني أشتاق أكثر للعودة يوماً بعد يوم».

المغترب أكثر من يستطيع مقارنة البلدان التي يعيش فيها بالبلد الذي جاء منه, "الصبان" شبه البلدان باللوحات الفنية, « المغترب يستطيع الإحساس بمواطن الجمال والقوة في بلده الأم و كذلك يستطيع الإشارة إلى نقاط الضعف والخلل, فالإنسان عندما ينتقل من منزل إلى آخر يستطيع المقارنة بين المنزلين, لأنه عاش أياماً و ليالي فيهما, أما من عاش طوال عمره في منزل واحد فقد اعتاد على شكل واحد من أشكال الحياة, والإنسان عندما يشاهد لوحة بيضاء ويكون فيها نقطة سوداء, يترك كل البياض الموجود و يركز على هذه النقطة, كذلك الذي يزور وطنه يستطيع بسهولة أن يلاحظ السلبيات الموجودة و يحاول أن يصلحها أو أن يشير إليها على أقل تقدير, أما من يعيش في لوحة سوداء إذا لاحظ نقطة بيضاء, فإن أمله يعلق بها».

للسيد "فايز صبان" دفاتر ملأها بأسطر الحب, « لم أنسى دمشق يوماً, فقد كتبت عن دمشق قصصاً وخواطراً, أرويها للأصدقائي في ألمانيا و أحكي لهم عن تاريخ دمشق وعن أيام الطفولة الجميلة التي مازالت محفورة في ذاكرتي, فأنا أعشق الشام بأرضها ومائها وكل ما فيها, وعبرت عن أحاسيسي بالكتابة ولكل إنسان طريقة يعبر بها عن الهوى الذي يحمله, وعن الآلام التي تلحق به جراء الابتعاد عنها, وكنت أشبه دمشق "بالفتاة" الجميلة التي تنحدر من أصول شريفة والتي أصبحت اليوم يتيمة, بعد أن خسرت الغوطة الجميلة التي تحميها, كما أنها غيرت ثوبها الأخضر السندسي المفعم برائحة ياسمين بآخر رمادي وكحلت عيونها بالشحار الأسود, بعد أن جفّت عيونها الصافية».