طالما حمل الفن التشكيلي قضايا الإنسان والأمة وما أكثر التجارب الصادقة التي تثبت هذه الحقيقة، في قرية "بقين" بريف دمشق التقينا أبنها المغترب "عبد اللطيف هاشم" فنان تشكيلي وباحث في شكل الحرف العربي.

موقع "eSyria" بتاريخ 29/8/2009 خلال زيارته لقرية "بقين" التقى الفنان التشكيلي "عبد اللطيف هاشم"، ليأخذنا بذاكرته في جولة سريعة كانت بدايتها عقب تخرجه مباشرة:«درست الفنون الجميلة عن هواية ورغبة، تخرجت عام 1982 على نظام الخمس سنوات من قسم "الإعلان والفنون الزخرفية" وكنت من الطلبة الأوائل، بعد تخرجي وخلال خدمة العلم وظفت اختصاصي الفني في الجيش، فقد كتبت ذات يوم إلى قائد الوحدة طالباً إجازة: "أنا لا أريد إجازة في أن التقي بخطيبة ولا مبيتاً في أن التقي بعشيقة، فعشيقتي هي ريشتي فأجعل لكم من اللوحة طلقة تدَوي في مشاعر الإنسان"، من ثم أُخذت إلى قسم "التوجيه السياسي" ورسمت حينها اللوحات المعبرة عن الفكرة والموقف العربي».

لدي عدد هائل من اللوحات، وفي كل أعمالي أبوح بأني مؤمن بفكرة الرومانسية أو الذاتية فكل شيء اعزوه إلى داخلي، وأرى أن الفن نوع من أنواع العذاب، فالفن عطاء وهناك ربط بين الفن والعذاب، لدي عذابات كثيرة في حياتي مررت بها وكانت عبارة عن نقاط استناد لأنطلق منها

يتابع "عبد اللطيف": «عملت في سلك التدريس وكنت المسؤول الفنون على مستوى المحافظة، وانتُدبت لتغيير المناهج في سورية، كما كنت عضو في لجنة تدريس البرامج التعليمية ببرنامج بث مباشر على التلفزيون السوري، واشتركت في برنامج عن رحلة الكتابة العربية، من ثم سافرت إلى "الكويت" عام 1989وصممت برنامج الخط العربي على كمبيوتر "صخر" بكل أشكال الخطوط العربية».

من أعماله

"عبد اللطيف" مستقر حالياً في دولة "الإمارات العربية"، عن وجوده هناك وعمله يحدثنا: «عام 1993 تقدمت لمسابقة مدرسين في "الإمارات العربية" وكنت الأول فيها، أعمل حالياً كمدرس وشاعر في "دبي" كما نشرت بعض المقالات والأبحاث الفنية عن الفن العربي "الابستراكت آرت" الفن التجريدي، وقد وصلت بالفن العربي والتجريدي إلى مرحلة جيدة ومتطورة عن بدايتي، فالفنان عليه أن يكون باحثاً وكما نعلم "ليوناردو دافنشي" كان باحثاً، شاعراً ومهندساً، وأنا لا أدعي القدرات العبقرية لـ"ليوناردو" لكنه مثلي الأعلى مع "مايكل آنجلو" و"رافاييلو"».

يضيف "عبد اللطيف": «قدمني الأستاذ الدكتور "عفيف بهنسي" عام 1982كفنان باحث، من يومها وإلى الآن ابحث في جمالية الخط العربي، وحالياً أقوم ببحث جمالي تراثي تشكيلي فني أصيل اسمه "جمالية الخط العربي" عبارة عن /33/ بحث سأجنده للتلفزيون لأنها الوسيلة الأكثر رواجاً في وقتنا الحالي، كما قدمت خلال عام 2005-2006 كتاباً اسمه "الحكمة في الشعر العربي" وهو يضم أربعة آلاف بيت من الشعر حفظتهم وكتبتهم بخطي حسب ما صممته من أحرف وعملت لهم "موتيف"».

أثناء الدراسة في دمشق

عرض لنا "عبد اللطيف" بعضاً من أعماله الموجودة في منزله المهجور إلا صيفاً، وأثناء ذلك حدثنا مشيراً إليها: «لدي عدد هائل من اللوحات، وفي كل أعمالي أبوح بأني مؤمن بفكرة الرومانسية أو الذاتية فكل شيء اعزوه إلى داخلي، وأرى أن الفن نوع من أنواع العذاب، فالفن عطاء وهناك ربط بين الفن والعذاب، لدي عذابات كثيرة في حياتي مررت بها وكانت عبارة عن نقاط استناد لأنطلق منها».

من ثم أطلعنا الفنان "عبد اللطيف" على مسودات بحثه الأخير القيد الإنجاز، حيث خص أقسامه الـ/33/ كل منها بموضوع؛ ففي إحداها كان بحثه فقط عن "لفظ الجلالة" كيف يُكتب وكل الأسماء الحسنى، وأخرى عن المدائح النبوية، زخرفة صفحات المصحف الشريف، البسملة ما هي وما أصلها، المكعب الشريف، ومواضيع إسلامية أخرى عنى بها كثيراً في بحثه الذي كلفه غاليا ثمناً للمراجع كما رأينا وحدثنا.

عبد اللطيف هاشم

"عبد اللطيف" يحمل همه وأبحاثه ويخبرنا: «بحثي موجه إلى كل إنسان يتكلم العربية، فنحن في سورية فكرنا قومي نؤمن بالقومية العربية حتى إن سيدنا "محمد" كان قومي يحب بني قومه لأنه عربي ولغة أهل الجنة هي العربية والقرآن الكريم بالعربية، أنا اعتز بعروبتي و أتمنى أن أوصل هذا الحرف إلى العالم وأملي كبير في أن أشعل عود ثقاب في ليلة ظلماء».

يتابع بغنائية عشقية رؤيته لكل حرف: «أكتشف في سحر الخط العربي مع كل هنيهة شيئاً جديداً، وقد توصلت إلى جماليات لا محدودة في الخط الكوفي، أما الحرف الثاني الذي نكتبه بالقصب فاكتشفت إن بيني وبينه علاقة عشق وهوى، انظر إلى الحرف كل يوم بشكل آخر كأنها عروس في ليلة زفافها، فأصبحت أغني وأحكي مع كل حرف ولو نظرت إلى الحرف يوماً كأصم فسأموت».

نهاية حديثنا مع الفنان التشكيلي "عبد اللطيف هاشم" كانت كوصية يتركها لمن سيأتي بعده تاركاً كنزه البحثي سنداً للمستقبل: «مازلت ابحث عن إنسانيتي فعندما ارتقي إلى مرحلة إنسان فهذا شرف عظيم لي، وأعلى قيمة أرغب أن أقولها لمجتمعي بأن هذا الحرف أمانة بين أيديكم احملوها فالطريق معبد أمامكم، احملوا الوزر؛ أنا الآن حامل للوزر على عاتقي، إنني أضع هذه الوديعة بأعناق كل من يحب العربية».