تعيدنا الصور عادة إلى ذكرياتنا مع أشخاص وفي أماكن نفتقدها، أما اليوم وفي المعهد الهولندي للدراسات الأكاديمية في "دمشق" نقلتنا مجموعة صور، وأفلام فيديو إلى بلد ووجوه لم نعرفها يوماً بل لنتعرف إليهم من خلال رحلة "صورتي أمستردام".

بتاريخ 22/3/2009، زرنا المعرض المقام بالتعاون بين كلية الفنون الجميلة والمعهد الهولندي للدراسات الأكاديمية، والمتضمن صوراً فوتوغرافية، وثلاثة أفلام فيديو أنجزت في أمستردام من قبل "شاهين عبد الله"، "دينا السعدي"، و"جلال الماغوط" بالإضافة لعرض نتاج ورشة "صورتي دمشق".

تجربتي بالنسبة لورشة العمل مع خبراء هولنديين، وسفري إلى أمستردام كشخص وكفنان كانت تجربة جداً مفيدة وممتعة على مستوى الاحتكاك المباشر مع فكر جديد، والتعامل مع أشخاص من بلد آخر وثقافة مختلفة، ووجودنا في بلد مجهول المعالم ومختلف بتفاصيله وشمسه وهوائه

وخلال تواجدنا في المعهد حضرنا العرض الأول لفيلم بعنوان "أمستردام الملونة" المنجز من قبل "جلال الماغوط" طالب في كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" قسم الاتصالات البصرية، وعن فكرة فيلمه حدثنا قائلاً: «اقترحت على المارين في الشارع أن يختاروا لوناً لأمستردام، وكانت الاختيارات معبرة ومتنوعة، كما حاولت في فيلمي هذا أن أركز على أهم العناصر الأيقونية لأمستردام "الجسر، المياه، طاحونة الهواء والأبنية المائلة"، فهذا الفيلم يتطرق لموضوع المدينة الذي يحمل ملامح الأفلام الوثائقية القصيرة، وهذه التجربة مهمة لنا كطلاب ونرجو أن نكثر منها في السنوات القادمة».

شاهين عبد الله "، "دينا السعدي"، و "جلال الماغوط"

أما "دينا السعدي" وهي أيضاً طالبة في كلية الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية، فألقت الضوء في فيلمها على مميزات "أمستردام"، والأشياء التي تنفرد بامتلاكها وهنا تقول: «"أمستردام" تتميز بكثرة القنوات، وهي الدولة الثانية في العالم بعد "إيطاليا" بعدد الأنهار فيها، كما أن عَلمها يحمل معنى وبعداً تاريخياً مهماً، فهو يضم ثلاث إشارات (x)، فقمت باستفسار سكان المدينة عن سر شكل علمهم، ولم يعلم الكثيرون في "هولندا" السبب، لذلك أنهيت فيلمي بإشارة استفهام، لكن بعد انتهائي من تصوير الفيلم علمت عن سبب الشعار، وهو باختصار تعبير عن أقدم أعداء أمستردام "النار، الماء، الطاعون"، حيث إن "أمستردام" في صراع قديم مع الماء بما أنها بلد تطوف على الماء فهم دائماً يردمون ليبنوا، أما الطاعون فهو المرض الذي انتشر في فترة حروب القرون الوسطى، والنار رمز للقتل، كانت رحلة جميلة لنا كفريق تعرفنا من خلاله على تفاصيل دقيقة وجديدة عن بلد ما على خارطة العالم».

فيلم وثائقي مبسط مع تجريد إسقاط على الفكرة "lines" قدمه الفنان التشكيلي "شاهين عبد الله" أستاذ في كلية الفنون الجميلة، وأثناء حوارنا السريع معه حدثنا بعد أن لفت نظرنا إلى الصور التي أتى بها من "أمستردام" إلى "دمشق": «عند وصولي إلى "أمستردام" أحسست أنها مدينة "زومبياد" حيث كل الناس يمشون بخطوط تعبر عن اتجاهات حياتهم، وبعد معرفتنا بشكل أفضل للمدينة وجدنا أنها حقاً مدينة الحرية بكافة أشكالها، وإذا حاولنا أن نعمل إسقاطاً على أنماط حياة السكان، ووقت النوم والاستيقاظ، وطريقة المواصلات نجد مساحة كبيرة من الحرية ضمن الخط الذي اختاروه لحياتهم ضمن مرحلة طويلة جداً من حياة أمستردام».

ويكمل "شاهين" حديثه لنا: «الفيلم اسمه "خطوط" وهو يوضح هذه الفكرة من خلال جزء صغير من يومياتهم، اخترته واختصرت به مجمل حياتهم التي يهدفون من خلالها للحرية، وفكرة الفيلم بالاتفاق مع الخبراء تتجلى في مقولة: "الشيء المهم أكثر من الحب والشهوة والمال والشهرة والعدل والحكمة هي الحرية"، ففي هذا الفيلم إسقاط على حقيقة الحرية».

ويتابع "شاهين" متطرقاً إلى أهمية هذه التجربة وعيناه متركزتان على إحدى اللوحات: «تجربتي بالنسبة لورشة العمل مع خبراء هولنديين، وسفري إلى أمستردام كشخص وكفنان كانت تجربة جداً مفيدة وممتعة على مستوى الاحتكاك المباشر مع فكر جديد، والتعامل مع أشخاص من بلد آخر وثقافة مختلفة، ووجودنا في بلد مجهول المعالم ومختلف بتفاصيله وشمسه وهوائه».

من المعرض

ونهاية الحديث كان بعيداً عن "أمستردام" وخاصاً بـ"شاهين" وعن أقصى غايته في الحياة يضيف: «وضعت خطوط كثيرة لحياتي كفيلمي "lines"، وأعيش بحريتي كشخص ضمن مساحة حياتي دون تجاوز على حساب الآخرين، ولابد أن تولد هذه الحرية إضافات ومدارك جديدة في فني لأصل في النهاية إلى اللوحة التي أسعى إليها كفنان، والتي تعبر عن وجودية وجمالية الفن، وأتمنى أن تتوفر الظروف لكل الفنانين الشباب لتقديم فنهم بما يخدم الحركة الفنية وتطويرها».

ويختم "شاهين" حديثه معنا: «عن نفسي أقول عندما فارقت عائلتي منذ عشر سنوات للدراسة في كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق"، كان دافعي لذلك حلم المراهق "شاهين" أن يكون خارقاً، والحلم الأكبر هو خطوتي الأولى بتقديم لوحة، وحلمي الآن أن أصل إلى الجمهور معبراً عن كل أحاسيسي التي علمت بعد مرحلة من حياتي أني لم أستطع التعبير عنها بالكلمات، فقررت أن أتكلم بريشة ولون».

ومن زاوية أخرى في المعهد بعيدة عن شاشة العرض التقينا بالدكتور "عبد الناصر ونوس" وبصفته رئيس قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة وشاهداً على ولادة فكرة هذه التجربة حتى نضوجها أخبرنا: «اتفقنا على كل التفاصيل ولا أذكر من ذلك سوى تشاركنا والطلاب بفنجان "النسكافيه" لنكون بانتظار تجارب وصور ولغة بصرية جديدة، وهدفنا هذا الحوار الذي تم بين شبابنا السوريين وشباب من بيئة مختلفة، فنحن نمتلك حاسة البصر والأهم رؤية حقيقية وصحيحة، وكل العالم يمتلك شمساً وضوءاً لكن تقبل الأشياء للشمس يكون مختلفاً لذلك لا تهم الأشياء بحد ذاتها بقدر ما يهم انعكاس الضوء عليها، وفي هذا المعرض كان هذا الموضوع هو الأكثر أهمية وصورهم كانت احترافية ومميزة، فالأدوات مهما تطورت وكانت حديثة من غير رؤية أكاديمية لا يمكن تفعيلها، وإذا لم يكن وراءها أناس أكاديميون لا يمكن أن تحمل ترجمة بصرية حقيقية وجديدة للمتلقي».

أما الأستاذة "أستريد رابيروك" مديرة المعهد الهولندي للدراسات الأكاديمية في "دمشق" حدثتنا بدورها عن أولى الخطوات التي أدت في النهاية لإنجاز هذا المعرض: «منذ أكثر من عام قدم من "هولندا" فنانون تشكيليون ليقدموا معرضهم هنا في سورية، وبعد انتهائهم من المعرض عبروا عن رغبتهم في عدم الابتعاد عن "دمشق"، وكان اقتراحي بعد ذلك أن نزور كلية الفنون الجميلة ودراسة إمكانية إقامة ورشة عمل فيها، ومن ثم إيفاد بعض الطلاب إلى "هولندا" لإكمال الفكرة والعودة لإقامة معرض، وحقاً بدأت ورشة العمل في أواخر نيسان 2008، وكانوا مجموعة مؤلفة من 30 طالباً عملوا لمدة تسعة أيام في الكلية ونتاجهم كان تسعة أفلام وأكثر من ثمانين صورة، قدموا بها معرضاً في غاليري "مصطفى علي"، ومن ثم سافر "شاهين" و"دينا" و"جلال" إلى "هولندا" لمدة عشرة أيام وحضروا هذه الأفلام والصور التي شاهدناها اليوم».

تكمل الأستاذة "رابيروك" حديثها بلغة عربية مع لكنة هولندية قائلة: «أنا شخصياً أحببت هذه التجربة وأشجع هذه المشاريع المشتركة بين السوريين والهولنديين وأتمنى أن تكون على المدى الطويل وبشكل مستمر، لمعرفتي أن من يعمل مع الآخر لمدة طويلة أكثر يتقرب منه ويستطيع التعرف على آرائه وثقافته أكثر ليبنوا في النهاية لغة حوار أوضح مع بعض، كما أتمنى أن يكون البلدان سعيدين بهذه التجربة».