بعد حصوله على شهادة الدراسات العليا من كلية الفنون الجميلة "بدمشق" توجه الفنان "خالد الساعي" إلى "اسطنبول" يقوده شغفه بدراسة فنون الخط وأشكاله، وهناك نال إجازة في فن الخط بإشراف البروفسور "علي أرسلان"، ليبدأ بعدها برحلة جديدة يتنقل خلالها بين دول العالم ويتعرف على تجارب مختلفة فيها... وبعد غياب عشر سنوات عاد "خالد الساعي" إلى مدينته "دمشق" ليقدم لجمهوره خلاصة تجربته السابقة من خلال معرضه في المركز الثقافي الفرنسي الذي افتتح يوم الاثنين 12/1/2009.

موقع eSyria وخلال تغطيته لفعاليات المعرض استوقف الفنان "خالد الساعي" في هذا الحوار.. بداية سألناه عن سبب اختياره دراسة الخط وتحديداً الخط العربي فقال: «لم يكن الخط مجال دراستي الوحيدة فقد درست الخط والتشكيل والرسم والزخرفة.. ولكنني اكتشفت بالنتيجة أن الفنان لا يكون عالمياً إلا بالقدر الذي ينتمي فيه إلى جذوره ويغرق عبرها في بحور المحلية بكل تفاصيلها، وبين كوني خطاطاً ورساماً وعملي في المجالين معاً ورغم حيرتي في البداية إلا أنني وجدت أن الجمع بين الفنين لن يكون أمراًِ مستحيلاً من خلال عملية دمج غير تقليدية».

للخط أنواع كثيرة ومختلفة وهناك المئات من الأنواع التي تشير إلى مناطق معينة أو ثقافات محددة.. فالخط الكوفي الأندلسي يشير إلى اللطافة والوداعة، والخط الأيوبي يدل على الصرامة والقوة، الخط الفارسي متقشف، وهناك الخط الثلثي في بغداد، وخط النسخ في دمشق

وعن نظرة الجمهور إلى هذا الدمج قال: «من خلال المعارض التي أقمتها في عدد من دول العالم وجدت أن الجمهور الغربي لا يرى الخط في اللوحة وإنما ينظر إلى التكوين البصري فيها.. وهذا ما اعتقده من خصوصيتي الفنية حيث لم يتناول الخط بهذا البعد من قبل ولم يعمل عليه بهذا الشكل سابقاً، فالحرف ليس مجرد ناقل للغة أو متحف قديم للتاريخ وإنما قد يكون الحرف حاملاً لمعاني مختلفة وأبعاداً "دينية ورقمية وصوفية وموسيقية"، إضافة إلى إسقاطات شكلية منوعة تعطي الحرف أشكالاً مختلفة، فهناك أشكال الحروف المشتقة من العين ومن رأس الأفعى والسيف... واللغة البصرية التي يحملها الحرف كبيرة وما على الفنان إلا أن يحررها في ظل ثقافة تشكيلية ليكون الحرف قادراً على أن يقوم بأي دور».

من لوحات خالد الساعي.

من خلال تنقله بين عدد من دول العالم اكتسب الفنان "خالد الساعي" نظرة جديدة إلى الفن والمدن يقول: «أعتقد أن تجربتي الفنية من خلال التواجد في عدد كبير من دول العالم أضافت الكثير إلى رصيدي وتجربتي الشخصية.. وهنا أذكر زيارتي إلى مدينة "برشلونة" التي شعرت فيها بأن الأبنية تشبه إلى حد كبير الخطوط والأحرف العربية وهذا أعطى بعداً جديداً لاختياراتي الفنية على اللوحة، فالخط كما يقول "فيكتور هيغو" "عمارة تسكن فينا"، وأعتقد أن الخط هو بناء وعمارة وتشكيل وتشريح للأشياء من حولنا فالمساجد والمنارات والأبنية الأخرى كلها أشكال فنية يقوم الحرف بعكس صورها ضمن إطارات معينة.. وفي هذا المجال لا يقتصر دور الحرف على عكس الصور وإنما يصل في قدرته على ترجمة ونقل الأحاسيس وهذا ما اختبرته من خلال ترجمتي لنص شعري فرنسي عبر لوحات للحروف العربية».

يذكر هنا أن الفنان "خالد الساعي" أقام الكثير من المعارض الفردية نذكر منها معهد العالم العربي "باريس 2001"، متحف الفن "ميتشغان-الولايات المتحدة 2002"، مجلس غاليري "دبي 2005-2007"، متحف الفن "بون-ألمانيا 2005".

خالد الساعي مع مديرة المركز الثقافي الفرنسي

وعن عودته إلى مدينته "دمشق" وإقامة المعرض فيها قال "الساعي" «أعود إلى "دمشق" بعد عشرة سنوات من التجوال في دول العالم وأحاول عرض النتاج الفني الذي قدمته خلال الفترة الماضية.. وأن أشارك جمهور الفن التشكيلي في سورية عشقهم لهذا الفن الجميل وهذا الكلام ليس مجاملة، وإنما بكل موضوعية الجمهور السوري من أرقى الجماهير التي تتابع الأعمال الفنية وتملك حساً بصرياً عالياً للوحة، وبعد تجربة في عدد من الدول منها "كندا، أمريكا، المغرب، فرنسا" أقدم في هذا المعرض مناخات فنية منوعة وبنفس الوقت أحتفل بطريقتي الخاصة بعودتي إلى "دمشق"».

من خلال المعارض التي أقمتها في عدد من دول العالم.. هل وجدت اختلافاً في التلقي نتيجة عرض لوحات للخط العربي؟ «أعتقد أن الفن عبارة عن لغة بصرية وكلمة خطاط كلمة قاصرة لا تؤدي المعنى الحقيقي للفن.. فاللغة البصرية قادرة على إيصال المعاني المختلفة إلا أن المشكلة في الوطن العربي الذي يتكلم لغة واحدة تكمن في اتجاههم إلى اللغة في حين أن الغرب يتجهون إلى الصورة، فالأثر البصري الذي يتركه الحرف لا يرتبط بالبيئة المحلية التي يأتي منها ولا يقتصر دوره على نقل المعاني وتصويرها بأشكال جميلة.. إنما الحرف في كينونته حاملاً لهذا المعنى بكل تفاصيله».

جانب من زوار المعرض

تتعدد أنواع الخطوط وتتفق مع الحضارات التي عايشتها.. يقول "الساعي": « للخط أنواع كثيرة ومختلفة وهناك المئات من الأنواع التي تشير إلى مناطق معينة أو ثقافات محددة.. فالخط الكوفي الأندلسي يشير إلى اللطافة والوداعة، والخط الأيوبي يدل على الصرامة والقوة، الخط الفارسي متقشف، وهناك الخط الثلثي في بغداد، وخط النسخ في دمشق».

يشار إلى أن الفنان "خالد الساعي" حاز على العديد من الجوائز منها: جائزة الحداثة في الخط في "بينالي الشارقة" الدورة الثالثة 2008، الجائزة الأولى بخط الديواني الجلي في المسابقة الدولية السابعة لفن الخط استنطبول 2007، الجائزة الأولى بالخط التقليدي في مهرجان الخط العالمي الأول طهران 2007.

كما أن أعماله مقتناة من قبل العديد من المتاحف منها، المتحف البريطاني، متحف دنفر، كولورادو – أمريكا، متحف سان بيدرو المكسيك، متحف الفن الحديث المغرب، متحف الشارقة لفن الخط.