بدأ بكلمات تحمل معاني الشوق إلى الوطن وترابه، وقدرته على تحمل الغربة، عاد إلى حيث الطفولة والذكريات، إنه السيد "عزيز عثمان" الذي أمضى 10 سنوات من شبابه في "بلاد الإغريق"، فيفرد صفحات الغربة وتجاربه هناك وذلك خلال حديثه لموقع "eSyria" الذي زاره يوم الثلاثاء 21/10/2008 في حقول بلدته الجبلية "حلبون" الواقعة على سفوح "القلمون" في "ريف دمشق" حيث عاد إليها مؤخراً.

قال: «كانت المشكلة في البداية عدم قدرتي على التكلم باللغة اليونانية، ولكن لحسن الحظ تعّرفت خلال الرحلة من "دمشق" إلى "أثينا" على شاب من "محافظة ادلب" ساعدني كثيراً في المطار، هذا الأمر ولد لدّي الإحساس بضرورة البحث عمّن يعلمني اللغة قبل كل شيء، فلم أكن أتوقع ضرورة تعلم اللغات إلا بعد أن أصبح وجودي هناك متعلقاً باللغة أولا وأخيراً، ولكن خلال أشهر قليلة تمكنت بفضل الكثير من الأصدقاء "السوريين" أبناء الجالية هناك من تعلُم اللغة اليونانية وما ساعد هو الاحتكاك بأهل هذه البلد وزيارة المطاعم والأماكن السياحية والمحلات التجارية، فكنت أسأل عن معنى كل كلمة وأسجلها في دفتر صغير لأحفظها لاحقاً واستعملها، وهكذا تعلمتُ اللغة بشكل مقبول ثم تحسنت لغتي لاحقاً».

هذه الصور تختصر تفاصيل رحلتي خاصة في العمل، وتظهر مدى حرص "السوري" على أن يكون القدوة في غربته، ولكن مهما كان جمال بلاد الإغريق وسحرها، فإن كل ساعة في الوطن لا تقدر بثمن ولا بأي شيء آخر

الشوق والحنين إلى الوطن كانت هاجسه في البداية ولم يتغير هذا الهاجس حتى انتهت مرحلة اسمها "السفر إلى اليونان": «أقلعت الطائرة من مطار "دمشق" في العام/1999/ ولكن بقي قلبي هنا في "سورية"، هنا أهلي ووطني ووجودي، ولم تفارق ذاكرتي يوماً صورة "دمشق" وقراها وصور أهلي وأحبائي، وكان الحنين إلى الوطن يجتاح كياني ولم يهدأ لي بال حتى ودّعت تلك البلاد وعدتُ إلى هذه الجبال التي ترعرعت في أحضانها، وسعادتي الآن كبيرة بحجم هذا الكون وأنا أعمل في حقل الزيتون وأشرب الشاي بين هذه الأشجار التي زرعتها قبل سفري».

حنين إلى صخور بلدته

بين الرحلة الأولى والأخيرة تكوّن كم هائل من الأشواق والتجارب لدى السيد "عثمان" وكانت "سورية" هي البوصلة التي تحدد اتجاه قلبه: «عشر سنوات وعشر رحلات بين "دمشق وأثينا"، كانت تجربة ناجحة، وأخيراً انتصرت محبة الوطن على الغربة، وخلال هذه المدة كنت أزور الأهل لمدة شهر في كل عام خاصة في "فصل الصيف" وأفرغ جعبتي وقلبي من الشوق وأقّبل تراب قريتي وصخورها، حتى وصل الأمر إلى أنني أخذت معي كمية من "التراب وقطعة حجرية" من حديقة منزلنا إلى هناك، ولم يستغرب أصدقائي من "اليونانيين" ذلك بل زاد احترامهم لي، وعندما عدتُ عاد معي التراب والقطعة الحجرية إلى الحديقة نفسها.

سافر "عثمان" بقصد السياحة والتعرف على معالم "اليونان" الجميلة والأخاذة، لكن أتيحت له الفرصة للعمل هناك في مهنته: «كنت أعمل في سورية في قص الرخام والحجار، وتمكنت بفضل مساعدة بعض الأصدقاء في "اليونان" من التعرف على ورش للرخام، حيث عملت في هذه الورشة نحو عشر سنوات، واللافت خلال وجودي في هذا المكان أن المسؤول عن العمل كان يبدي كل الاحترام والترحيب والمحبة تجاهي بسبب إخلاصي في العمل، وكان هذا الاهتمام يشجعني على العطاء لأن الحصاد ليس المال بل سمعة الشخص وبلده».

من أرشيفه في الغربة

فتح السيد "عثمان" قلبه ودفتر الصور التي كانت بحوزته: «هذه الصور تختصر تفاصيل رحلتي خاصة في العمل، وتظهر مدى حرص "السوري" على أن يكون القدوة في غربته، ولكن مهما كان جمال بلاد الإغريق وسحرها، فإن كل ساعة في الوطن لا تقدر بثمن ولا بأي شيء آخر».

ويختتم السيد "عثمان" حديثه لموقعنا عن نتائج هذه الرحلة: «عدت للوطن وأقول "وداعا للغربة"، فلم تكن رحلتي سهلة، عشر سنوات مرت بآلام الغربة والبعاد عن الأهل والوطن، ولكن النتيجة كانت اكتساب لغة جديدة، والسمعة الحسنة، وعلاقات جيدة مع الكثير من اليونانيين والتعرف على الكثير من أبناء الجالية السورية الذين قدموا لي الدعم بلا حدود وكانوا وراء نجاحي هناك».

المغترب "عثمان" اثناء عمله