ترتبطُ "الدبكات السورية" الشعبية بالحضارات التي مرت، وأغلبها تجسّد المهن والمناسبات القديمة وتالياً تعتبر من أهم عوالم الإرث اللامادي، وهي متنوعةٌ وغنيةٌ منها الحورانية، الجنوبية، السلمونية، الساحلية، الديرية.. إلخ، ناهيك عن دبكات القوميات الأخرى.

مدوّنةُ وطن "eSyria" فتحت باب النقاش بتاريخ 10 نيسان 2020 مع بعض المعنيين حول ما تقدمه الفرق الراقصة وهل برامجها تتضمن التراث الحقيقي أم غابت هذه الفرق عن ما هو أصيل من تراثنا.

يجب العمل على إيجاد مؤسسة تهتم بكل التفاصيل الفلكلورية من حركة وموسيقا وأزياء ومواضيع وأفكار وعدم السماح للفرق بالتغير حسب مصالحها

والبداية حدثنا "محمد طرابلسي" المختص بالتراث الشعبي الراقص والمدرّس في المعهد العالي للفنون المسرحية في لقائنا معه، وقال: «للأسف أغلب ما تقدمه فرقنا اليوم لا ينتمي إلى تراثنا الحقيقي، وذلك بسبب لهث الفرق وراء البهرجة الحركية وعدم معرفة من يقوم بوضع الرقصات وبحثه في الفلكلور بل يعتمد على وضع حركات على الموسيقا دون الدراية بمعنى هذه الحركات، ودبكاتنا الأصيلة ما زالت موجودة إلى الآن في أعراسنا ومناسباتنا، كلاً في بيئته ولكن للأسف لا يوجد توثيق صحيح لها، توجد بعض الكتيبات والأبحاث القليلة جداً حول موضوع الفلكلور وهي غير كافية وتعتمد على الذاكرة الشعبية وهذه الذاكرة تنتهي بموت صاحبها لأنه للأسف لم يكن يعلّم أشخاصاً آخرين».

محمد طرابلسي مع بعض طلابه

وأضاف: «يجب العمل على إيجاد مؤسسة تهتم بكل التفاصيل الفلكلورية من حركة وموسيقا وأزياء ومواضيع وأفكار وعدم السماح للفرق بالتغير حسب مصالحها».

لم يبتعد كثيراً "ماهر حمامي" مدرب فرقة "المهرة" للفنون الشعبية عن رأي زميله حيث يقول: «في الحقيقة وباختصار، الفرق التي تعمل الآن شوهت الهوية السورية للفن الشعبي وابتعدت باتجاه الاستعراض، والسبب هو المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يخرّج راقصين يميلون أكثر للتراث الغربي، وقلّة الدراسة والمعرفة بثقافتنا وحركات الدبكات لكل منطقة والملابس الفلكلورية هذه الأشياء التي تعني الكثير لثبات هويتنا، فكان الاستعراض وتقليد الفرق لبعضها وتغريب الرقص، وتالياً ضاعت الهوية، وليس للفن الشعبي بـ"سورية" أيّ اعتبار، لا في نقابة الفنانين ولا الإعلام، ولا يوجد من يعرّف الفرق بين تطوير الحركات لتناسب تطوير الزمن دون فقدان الأساس ليستمر التراث على حقيقته، وهذا يؤلم القلب، ولا حياة لمن تنادي ولا هناك من يهتم، وهنا أسأل لماذا تعلّم المعاهد رقصات "زومبا ورومبا وفالس وجاز وباليه.." ويبتعد عن الهوية السورية التي هي مهد الحضارات».

ماهر حمامي مع فرقة المهرة

ويجد "حمامي" الحل المناسب حسب وجهة نظره لتبقى دبكاتنا الشعبية في الذاكرة وتبتعد عن التشويه حيث ينهي حديثه قائلاً: «ينبغي وضع أشخاص مختصين بهذا الشأن بالمعهد والوزارات الثقافة، السياحة، الإعلام إضافة إلى نقابة الفنانين، للاهتمام ومتابعة هذا التراث ليستعيد الهوية، والتركيز على تراثنا أولاً ومن ثم تراث الغرب لاحقاً، ولا مانع أن يدرّس تراثنا الشعبي في المدارس لنؤسس جيلاً يقدّر قيمة التراث وثقافة التراث الشعبي كهوية وطن بتنوعه الجميل، لحن ودبكة وغناء وزي، بهذا نضع الحصان أمام العربة ونعيد تراثنا إلى مساره الصحيح».

يؤكد "جورج قرياقس" مؤسس فرقة "بارمايا" للتراث السرياني وخبير في الدبكات السورية بأن تراثنا السوري الراقص في مهب الريح وكل ما يقدم مجرد بهورة ليس إلا، ويتابع: «عملت جاهداً بهذا الحقل لفترة من الزمن وما زلت وخصوصاً بالمقارنات بين دبكات المناطق، اليوم هناك تشويه عجيب وغريب وانحرافات عن المسار والجذر عن قصد وغير قصد، الكلمة والإيقاع بمكان والحركة بمكان آخر، فقط هناك استعراض وحركات بهلوانية ومزيج بين الفانتازية والسيرك، تتفرج، تنبهر أحياناً، ينتهي العرض دون أن تفهم شيئاً ولا يترك أثراً في الذاكرة، أي ما يقدم لا هوية له، مجرد تشويه لهذا وذاك، لذا أنا أستشعر خطورة كبيرة على تراثنا السوري ولا سيّما أن القائمين لا يعرفون شيئاً عن التراث ولا الصفات الخاصة بالدبكات وخصوصية كل منطقة أو إثنية وقومية».

جورج قرياقس مع الفرقة

يدافع "تيسير علي" مدرب فرقة "أمية" للفنون الشعبية عن اللوحات التي يصممها للفرقة مؤكداً بأنها تعتمد على التراث دون تشويه حيث يقول: «الفن الشعبي هو موروث حضاري يتنوع ويتجدد بتعاقب الحضارات وتطورها، باعتقادي مهما تتطور هذا الفن لا يلغي حركة اللحظة الأولى التي انبعثت منها، ونحن مثلاً في فرقة "أمية" للفنون الشعبية عندما نقوم بتصميم أي رقصة شعبية نأخذ الحركة الأساسية حسب المنطقة والبيئة ومن ثم نبني اللوحة لنكّون عدة حركات والغاية منها تجميل الرقصة بحيث تخدم المسرح وبالوقت نفسه نحافظ على أساسياته الأصيلة دون تشويه، للأسف أصبحت لدينا فرق تدّعي بأنها شعبية تأخذ رقصات كلاسيكية وحتى أرابيسك وتبني عليها لوحات وبهذا تكون متأثرة بالشعوب الأخرى وتالياً تقدم أشياء لا تمت لفنوننا الشعبية بتاتاً».