عندما نقول مسرح "دمشق"، فكأنما نُجمل المسرح السوري عموماً، غير أن "نبض" العرض الذي استغرق 50 دقيقة بين ضحكٍ وبكاءٍ ودعاء، تجلّى ضمن حالة تجريبية مختلفة، أدخلت المشاهد في عمق الحالة، وحاولت التلويح للمسرح بمنديل الآتي.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 نيسان 2014 مخرج ومؤلف المسرحية "مأمون خطيب" ليتحدث عن هذه التجربة فكرةً وأهمية، فقال: «فكرة المسرحية جاءت بعد بحث عميق في واقع المجتمع السوري، وقررنا تجربة تقديم تقرير واقعي شرط ألا يكون إخبارياً، ولم نرد الاستعجال بالعمل كي لا يكون انطباعياً ينقل الحدث فقط دون العمل على نتائجه، فبحثنا كثيراً عن فكرة تكون إنسانية خالدة وجاءت فكرة فقدان الأبناء في الحرب، وقهر الأمهات، وإسقاطها على فكرة فقدان "سورية" الأم لأبنائها في وقت هي بحاجة فيه إلى كل جهد يمكن أن يقدم من كل فرد في مجتمعنا، كما انطلقنا من الأدب المسرحي العالمي لمسرحية قصيرة اسمها "أمهات الرجال"، ولكن رأينا أن أمهاتنا لديهن الفكرة والعوالم الأكبر، ومن هنا بدأنا البحث في عوالم الأمهات السوريات».

شخصيتي شخصية امرأة هجرت دارها، وسكنت في الحديقة بعد أن تركها زوجها، كما فقدت ابنتها الوحيدة بعد أن كانت تختبئ معها في قبو، أي إن فقدانها كان مضاعفاً، فقد فقدت كل سند لها في الحياة، علماً أن لا علاقة لها بما يجري، ما انعكس عليها سلباً، فهي مظلمومة اجتماعياً لأنها مُلامة على فقد زوجها، ومظلومة إنسانياً لأنها فقدت أهلها، والفكرة العامة للمسرحية هي أننا مهما اختلفنا سيبقى وجعُنا واحداً، لكن هذه التجربة كانت بمنزلة صفحة جديدة قدمت إليّ الكثير

الناقد المسرحي "لؤي سلمان" تحدث حول رؤيته للعمل قائلاً: «العرض إنساني بحت وضروري في هذا الوقت بالذات، لأنه ينتمي إلى أدب الحرب، كأسباب ونتائج، وهو بمثابة صرخة موحدة من الأم "سورية" ومن الأمهات السوريات، بأن الخاسر الأكبر هو الوطن، فالأم خسرت شهيداً وشهيدين، لكن الوطن خسر أجيالاً، وهذا له انعكاسات سنراها في المستقبل، إضافة إلى أن النص من الواقع الذي نراه ونعيشه بشكل يومي، سواء على مستوى الكوميديا السوداء التي دخلت في النص، أو على مستوى التراجيديا والمواقف الفجائعية، العرض كان على مستوى آلام السوريين بشكل عام، وحدهم بالفجيعة والخسارة والحزن، وبإمكاننا اعتبار أن مخرج العمل وطاقم العمل كاملاً من ممثلين، وموسيقيين، وسينوغرافيا وغيرهم، استطاعوا تقديم عرض متكامل على المستوى البصري والسمعي رغم عدم استخدام أدوات معقدة، كما شاهدنا توليفة درامية أنيقة تتحدث بلسان الجمهور، وتحاكي واقعاً أليماً، لكن وكما أشار العرض في أكثر من مكان أنه لا بد من التمسك بالأمل، ولا بد أن يبقى نبض الحياة مستمراً في "سورية"».

المخرج "مأمون خطيب"

إحدى الأمهات في مسرحية "نبض" الفنانة "هناء نصور" تحدتث عن المسرحية قائلة: «المسرحية تلامس كل أم، روح الأم الحقيقية التي هي روح "سورية" الأم التي تجمع الجميع، وهكذا تأتي المسرحية تعبيراً مباشراً عما فقدته الأم خلال هذه السنوات من عمرها، سواء بيتها أو أطفالها أو أمانها ومكانها وأملها. وخصوصية الأم في هذا العرض أنها فقدت زوجها وأولادها الثلاثة فاختفى كل عالمها، وكان أملها الوحيد أن يبقى ولدها الأصغر على قيد الحياة، لكنها تكتشف أن الحياة قاسية جداً فتتوقف عن العطاء والأمل، الشخصية هي روح لا تنطفئ، هي نبض مطلق لا أحد يمكن أن يوقفه».

الفنانة "رنا جمول" التي مثلت دور الأم الثانية أضافت: «المسرحية جعلتني أدخل إلى أماكن أكثر وجعاً في الواقع السوري، علماً أنني حاولت جاهدة أن أبقى بعيدة عن الآلام لأن الحياة يجب أن تستمر، إلا أنني واجهت كل ما كنت أخاف منه في الواقع ضمن هذا العمل، فالمسرحية أرهقتني وأثرت في نفسيتي وأعصابي، حيث كان دوري أماً لابن وحيد بنت عليه كل آمالها وأرادت أن تجعل منه شخصاً مميزاً، لكنه التحق بالجيش، ومنذ تلك اللحظة تتغير كل حياتها، وفي النهاية تفجع بخبر استشهاده، ويبقى العمل رغم المضمون الواقعي يحمل دلالات للمستقبل الآتي، وتجربة أعتقد أنها قدمت جديداً في اللمسة المسرحية».

لقطة من المسرحية

أما الفنانة "نسرين فندي" التي لعبت دور الأم الثالثة فقالت: «شخصيتي شخصية امرأة هجرت دارها، وسكنت في الحديقة بعد أن تركها زوجها، كما فقدت ابنتها الوحيدة بعد أن كانت تختبئ معها في قبو، أي إن فقدانها كان مضاعفاً، فقد فقدت كل سند لها في الحياة، علماً أن لا علاقة لها بما يجري، ما انعكس عليها سلباً، فهي مظلمومة اجتماعياً لأنها مُلامة على فقد زوجها، ومظلومة إنسانياً لأنها فقدت أهلها، والفكرة العامة للمسرحية هي أننا مهما اختلفنا سيبقى وجعُنا واحداً، لكن هذه التجربة كانت بمنزلة صفحة جديدة قدمت إليّ الكثير».

والسؤال الأهم الذي أجاب عنه مخرج ومؤلف المسرحية "الخطيب" كان عن اسم المسرحية "نبض" بالقول: «اسم المسرحية "نبض" لأن النبض هو رمز الحياة، ففقدان الأبناء هو فقدان لهذا النبض، وفقدان الأبناء في هذه المسرحية هو فقدان "سورية" لأبنائها، وضياع جيل كامل من السوريين، و"سورية" الأم هي الخاسر الأكبر، ولكن النبض مستمر، ولن تتوقف الحياة هنا، وعلينا العمل للآتي، لمستقبل أبنائنا وبلدنا، وقدمنا تجربتنا على أمل أن نفتح باباً جديداً نعيد من خلاله دور المسرح كرافعة من روافع الحياة، وداعماً لقضايا المجتمع، خاصة أننا نعلم أهمية المسرح وتأثيره المباشر وغير المباشر في نبض الحياة».