علاقة الفرد بالمجتمع هي اقتصادية اجتماعية ثقافية، وتحديد التواصل الاجتماعي يتم برؤية تحليلية اقتصادية اجتماعية.

حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد مع المجتمع أوضح الأستاذ الدكتور "حسين القاضي" أستاذ المحاسبة في جامعة دمشق لموقع eSyria قائلاً: «في الواقع علاقة الفرد بالمجتمع تعبر عن ضرورات مهمة لحياة المواطن وحل المشاكل التي تواجهه أثناء حصوله على عمله، وتأمين حاجات أسرته، لذلك نجد أن المواطن يمضي ساعات طويلة يعمل من أجل الحصول على دخل يكفيه ويكفي أسرته، أما الوقت الضائع فيعمل هذا المواطن على صرفه من خلال علاقات اجتماعية تتناسب مع ظروفه الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد علاقته بالمجتمع إذ لا يمكن الفصل بين القيادة الاقتصادية والقيادة العسكرية أو الأمنية لهذا المجتمع، هذه القيادة التي تعبر عن ذاتها من خلال تعاملها مع المؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية التي تهدف إلى توعية الناس باتجاه الخير والتغلب على المشكلات التي يعيشها الأفراد، من خلال القيم والمواعظ الدينية وهكذا يفرز المجتمع منظمات تجمع أفراداً مختلفين يهدفون إلى خدمة مصالح أو اتجاهات معينة لا غنى للمجتمع عنها، وكلما تقدم المجتمع من حيث اعتماده على تقنيات متقدمة وأساليب اتصال متطورة ضعفت أهمية المنظمات الاجتماعية وهيئات المجتمع المدني، لتبقى ممثلةً للمصالح الاقتصادية والسياسية للطبقات الحاكمة في المجتمع، وكلما ازدادت البطالة وقلّت ساعات العمل المنتج ازدادت أهمية المنظمات الاجتماعية بما فيها من مؤسسات دينية وجمعيات خيرية واجتماعية مختلفة، وكلما غابت العلاقات العلمية بين الفرد والمجتمع، وكلما انعدمت الديمقراطية وغاب الرأي الآخر، انصرف الناس إلى المؤسسات الاجتماعية وتسلحوا بالأفكار الغيبية. وعم النفاق في علاقاتهم الاجتماعية والسياسية والإعلامية».

إن تنوع المحطات الإعلامية ووسائل التواصل الإعلامي المختلفة "كالفيسبوك ويوتيوب وتويتر والإميل" بصورة عامة قوت الاتصالات بين الأفراد وأضعفت الدول والمنظمات وجعلت السيطرة على وسائل الإعلام أكثر صعوبة مما يتطلب مصداقية أكبر وواقعية أكثر، وتسليماً بالأمر الواقع، ومصراحة الناس بالحقيقة، وعدم فرض رأي المنظمات على الأفراد بشكل ارتجالي

وعن أهمية القاسم المشترك المجتمعي الذي يؤسس لثقافة جمعية استقلالية يقول الدكتور "حسين القاضي": «بطبيعة الحال لكل مجتمع قيم تختلف بكثير أو قليل عن المجتمعات الأخرى لكن المرحلة التي وصل إليها العالم الآن على الصعيد الاقتصادي والسياسي والإعلامي، جعلت معظم دول العالم تسير في فلك واحد هو الفلك الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، تحت شعارات الحرية الفردية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والمنافسة بين الناس والأفراد، وطرح المزيد من السلع الاستهلاكية والتأثير بذوق المستهلك عبر أنحاء العالم عبر آلات الدعاية الضخمة التي توجه وسائل الإعلام من خلال تلفزيون الواقع، والصحافة الواقعية التي تعبر عن أنماط استهلاكية تريد الشركات المنتجة من الإعلام الترويج لها، وتنجح إلى حد بعيد في تحقيق النتائج التي ترجوها، كل ذلك من خلال صراع وهمي بين واقع متخلف، يتغنى بالتراث، وغرب متقدم يسيطر على السياسية والاقتصاد، وإن بناء الشخصية البنيوية المستقلة المبنية على القيم الوطنية يحتاج إلى ممارسات أخلاقية متقدمة واقعية ديمقراطية تحترم الفرد ولا تمارس عليه أي أبوية».

الدكتور عدنان أبو الفضل

وحول ما أفرزته ثورة المعلومات من نظم جديدة ترتبط بتغيير آلية التواصل وتقنياتها وانعكس ذلك على الفرد والمجتمع، بين الدكتور "القاضي" قائلاً: «إن تنوع المحطات الإعلامية ووسائل التواصل الإعلامي المختلفة "كالفيسبوك ويوتيوب وتويتر والإميل" بصورة عامة قوت الاتصالات بين الأفراد وأضعفت الدول والمنظمات وجعلت السيطرة على وسائل الإعلام أكثر صعوبة مما يتطلب مصداقية أكبر وواقعية أكثر، وتسليماً بالأمر الواقع، ومصراحة الناس بالحقيقة، وعدم فرض رأي المنظمات على الأفراد بشكل ارتجالي».

أما مقومات المنظومة الديمقراطية، ووجود الحرية فيها فبين الأستاذ الدكتور "حسين القاضي" بالقول: «لا يمكن الفصل بين المنظومة الديمقراطية والإطار القانوني والاقتصادي للدولة، فكلما قل عدد الموظفين، وانخفض حجم أجهزة الأمن، كانت منظمات المجتمع المدني أكثر قوة، وكلما صار شكل المنظومة الديمقراطية متناسباً مع مضمونها، أصبح الأفراد أقل التزاماً بالأوامر، لكن مرحلة الاحتكار التي وصل إليها النظام الاقتصادي، جعلت الشركات الكبرى تتحكم بمصير المجتمع وتفرغ الديمقراطية من محتواها، ولذلك فإن الديمقراطية والحرية تعاني من أزمة عميقة تتمثل في الفجوة بين الأفكار المثالية والواقع العملي المملوء بالإرهاب الفكري والضغوط التي يعانيها الفرد والمجتمع، وتكمن المشكلة في أن حرية الأفراد ليست متطابقة مع بعضهم بعضاً، ويزداد هذا التباين مع تطور وسائل الاتصال الإعلامي، وإن إيجاد منظومة ديمقراطية تمثل اتجاهات أغلبية الأفراد بحيث يلتقون عند حد أدنى يجمع اتجاهاتهم ومصالحهم في مرحلة من مراحل، هو الهدف من ممارسة العمل السياسي من خلال الديمقراطية، وكلما تناقض البناء السياسي مع مصالح الأغلبية من الأفراد ازدادت الهوة بين أغلبية الأفراد والمنظومة الديمقراطية التي تجمع، ما يقتضي تطوير هذه المنظومة وجعلها أكثر تمثيلاً، وأكثر خدمةً لمصلحة الأغلبية من الأفراد الذين يمثلون المجتمع».

الدكتور حسين القاضي

وحول التغييرات الجديدة في مفاهيم الحياة وفرضها على الحالة الأخلاقية ضغوطات كبيرة، بين الدكتور "القاضي"بالقول: «لا أعتقد أن هناك نموذج أخلاقي كما أنني لا أعتقد أن أي فرد خال من القيم الأخلاقية، لكن مجموعة القيم الأخلاقية، التي تتراكم لدى الأفراد ليست بمعزل عن الإطار الثقافي، والمصالح الاقتصادية، التي تعبر عنها الأفكار السياسية ووسائل الإعلام، وهذا هو الذي يجعل النموذج الأخلاقي نموذجاً وهمياً غير قادر على قيادة المجتمع بسبب تعارض مفاهيم الأفراد التي تعبر عن تعارض في اهتماماتهم ومصالحهم الاقتصادية».

وتابع الدكتور "القاضي" عن الطرف الآخر في التواصل من خلال دراسته وتحديد احتياجاته وآليات التواصل معه بالقول: «إن الأجيال الجديدة تخضع لتغيرات سريعة بوتائر أعلى بكثير من ذي قبل، فالاختراعات العلمية الحديثة وتطور وسائل الإعلام والاتصال، تترك آثاراً عميقة على البنية الثقافية للأفراد، ما يؤثر على ميولهم واتجاهاتهم والقيم التي يؤمنون فيها، وإن التعامل مع الأجيال الجديدة يجب أن يتم من خلال الحوار، الذي يعتمد على احترام الرأي الآخر، بهدف نقل المجتمع إلى مراحل أكثر تقدماً دون التمسك ببعض الأفكار والقيم التي تصبح غير مقبولة وغير ضرورية بنظر المتلقي».

الدكتور عدنان أبو الفضل متأملاً

تلك كانت رؤية الاقتصاد العلمية، وبالمقابل هناك رأي علمي آخر بالمقاربات الخاصة لعلاقة الفرد بالمجتمع من حيث التواصل والتفاعل والتشارك، وأهمية القاسم المجتمعي، ودور الإعلام، برؤية طبية للدكتور "عدنان أبو الفضل" عضو مجلس إدارة رابطة الجراحين، بين بالقول: «إن علاقة الفرد بالمجتمع علاقة وثيقة حيث يؤثر كل منهما بالآخر، فالفرد بمكوناته الجينية ومستوى وضعه الاقتصادي ومفرزات ثقافته ومؤهلاته الاجتماعية، والمجتمع بمكوناته الإثنية والدينية والاقتصادية ومستوى تطوره، ينشئه على عادات وتقاليد وقيم تختلف من مجتمع إلى آخر، فإما أن ينشأ سليماً قوياً، أو ضعيفاً شاذاً خاملاً، وتبرز مشاكل في سياق تفاعل الفرد مع مجتمعه وأهم مشاكلنا في الوطن العربي هي العصبية والقبلية والتطرف وهيمنة الماضي على الحاضر بحيث أننا نرى الحاضر بعيون الماضي فليس ثمة أمة تعيش ماضيها أكثر من العرب، وليس "الاسكندر المقدوني وكونفوشيوس الصيني وهولاكو أو تيمورلنك" وسواهم، على الرغم من افتخار أممهم بهم، يعيشون في الشرق أو الغرب، يزاحمون قادة عصرهم هذا ويحتلون مساحات كبيرة من الإعلام كما نعيش نحن العرب عيوننا إلى الوراء تنظر وليس إلى المستقبل وبالتالي يصبح الصراع بين السلفية والحداثة أمراً لا مفر منه ويصبح التطرف سيد الموقف بامتياز، والمطلوب الاعتدال لا النزوع إلى الماضي واستحضاره بأدواته البدائية يصح في عصر التكنولوجيا والعولمة ولا الانفلات من القيم والعادات النبيلة والقدوة الحسنة من الماضي أو الحاضر أمر يؤدي إلى نتائج سليمة، لقد وجد الماضي ليكون معيناً للاستلهام والتحفيز لمجاراته في التمييز بل تجاوزه، ولكن الحاصل لدينا نحن العرب أن كثرة الانكسارات والإحباطات المتكررة أدت إلى عدم إيمان الجيل الجديد بالمرجعيات الدينية ما أدى إلى التقليد الأعمى للغرب بدل التكنولوجيا والتطور، كما قال "ابن خلدون": "الضعيف يقلد القوي"، ودور الإعلام مهم وله وجهان أحدهما إيجابي والآخر نقيض ذلك، فالإيجابية تكمن في إمكانية خلق فضاءات ثقافية وآفاق معرفية لا متناهية ومتنوعة تساهم في خلق شخصية مستقلة ومبدعة، أما الوجه السلبي فيتجلى في انحياز الإعلام لفئة أو حزب».

وحول مقومات المنظومة الديمقراطية أوضح الدكتور "عدنان أبو الفضل" قائلاً: «الديمقراطية هي أحد الوجوه الرئيسية والأسلوب الأمثل لتطبيق الحرية ويتجلى ذلك من خلال الدستور الذي يضمن حرية الرأي والمعتقد وسواها على ألا تتجاوز إلى حدود حرية الآخرين، إذن الحرية ليست مطلقة بحال من الأحوال فإذا أطلق لها العنان دون ضوابط دخلت في الفوضى، والإنسان لم يختر أسرته أو عشيرته أو بلدته أو وطنه، وزمن ولادته حتى اسمه، ولكنه بعد نضجه يستطيع أن يختار كلماته وأفعاله وانتماءاته ولهذه ضوابط تتفق في العموم وتختلف في الجزئيات من بلد لآخر حسب موروثه الأخلاقي ودرجة تطوره، والقواعد الأخلاقية مرتكز أساسي للمجتمعات وكم من الإمبراطوريات تهاوت واندثرت عندما تخلخلت مرتكزاتها الأخلاقية التي تشكل إلى حد كبير قوام الشرعية السلطوية، من هنا تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في الأسلوب التربوي للأجيال القادمة ومراجعة ذلك الأسلوب وإعادة النظر فيه بشكل مستمر لأنه ما اتضح اليوم قد لا يتضح غداً فالأولويات تختلف من مكان لآخر، ومن زمن لآخر، وهنا لابد أن نركز على نقطة هامة أن العلاقة بين نظام الأفراد أو المجتمع والفرد ليس أمراً واجب التنفيذ بين آمر وناهٍ، وإنما حوار وتفاعل وتشارك لكل من هؤلاء نصيبه حسب جهده ومعرفته وتخصصه وموقعه الاجتماعي».

وحول ما أفرزته ثورة المعلومات من نظم جديدة ترتبط بتغيير آلية التواصل وتقنياتها وانعكاس ذلك على الفرد والمجتمع، بين الدكتور "أبو الفضل" بالقول: «ثورة المعلومات تختلف من نظام لآخر على الرغم من أنها تسمى ثورة لاختلاف ما قبلها عما بعدها، والإعلام في ظل ثورة المعلومات يسير بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، حيث يجعل العالم قرية كونية لذلك وجدت في هذه التكنولوجية "الانترنت، والفيس بوك، والتويتر"، وسيلة ناجعة لدى الشباب ليمارسوا فضاءً أوسع من الحرية التي يتوقون إليها، هذه الدماء الجديدة تصحح مسار التطور وتطلقه من عقاله إذا كان سداها ولجتها الأخلاق والقيم النبيلة الإنسانية، وبكل الأحوال تبقى لثورة المعلومات مصداقية أكثر حين يتم تدقيق الخبر ومعرفة الإحصائيات الدقيقة والمعلومات الشاملة المتنوعة، بالإضافة إلى توسيع هوامش الحريات وآفاقها، فإن كانت الجهة الراعية هي منظومة الدولة فتكون بذلك هي الجهة المخولة شرعاً لرعاية شعبها وتحقيق منظومة الديمقراطية التي تعتبر هدفاً أساسياً لكل الشعوب والمجتمعات والأفراد».

وعن التغييرات الجديدة في مفاهيم الحياة وفرضها على الحالة الأخلاقية ضغوطات كبيرة، أشار الدكتور "عدنان أبو الفضل" بالقول: «لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن المنظومة الأخلاقية ليست واحدة في كل المجتمعات فما يعد هنا محبباً قد يكون منكراً في مجتمع آخر، ولكن تبقى المبادئ الأساسية من الصدق والأمانة وحب الآخر والإيفاء بالوعد والعهد ثابتة، في كل المجتمعات والأزمنة، وعلينا أن نميز الأساسيات من الفروع فلكل عصر أولويات، ولكل زمن علاقاته وتقاليده ومزاجه وبالمحصلة يجب أن تكون العلاقة مع الآخر علاقة تشاركيه بعيدة عن التسلط والتهميش، وصولاً إلى مجتمع متعدد الآراء ومنسجم في التوجهات العامة يسوده التكافل والتضامن والعدالة لاجتماعية التي تشكل حيزاً كبيراً من فضاءات الحرية».