لعل ثقافة المعلومات، تتلاقي مع معلومات النقد، في مفهوم الجمع، والتشارك والتواصل بين الأنماط المعرفية يعني تأسيس ثقافة جمعية من نوع متجانس ومختلف بعيداً عن الواحد نحو التعدد.

حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد مع المجتمع من حيث التواصل والتفاعل والتشارك، والتي من شأنها التأسيس لثقافة جمعية أوضح الباحث المهندس "أسامة بديع" لموقع eSyria قائلاً: «كم كان مخطئاً ذاك الذي اعتقد بأن ثورة المعلومات قد جاءت من الغرب وإليه فقط، وأن دول العالم الثالث والرابع وما يتلوها سوف تبقى في منأى عن هذا الطوفان الكاسح. وكم أثبتت الأيام فداحة ثمن هذا النوع من التفكير القائم لدى بعض الأجهزة الثقافية التي تجاوزها الزمن وجرفها تيار الأحداث شديد السرعة والوطأة، وهناك من يعتقد أن الرقابة بأنواعها المتعددة، اللطيف منها والخشن، العلني منها والمستتر، تكفل له إبقاء رأسه مدفوناً في الرمل كالنعامة بمعزل عما يجري في العالم من حوله من ثورة على مستوى المعلومات على الأقل، وكأن ذلك يجري في عالم بعيد عنا أو على سطح كوكب آخر، وبعض آخر يعتقد متفائلاً أن منظومة العادات والتقاليد والأعراف المتوارثة على مدى الدهور والسنين منيعة على التحدي والاختراق، وثالث ظن أن بإمكانه ركوب الموجة والاستفادة من حسنات ثورة المعلومات وتفادي سلبياتها، دون أن يقوم من جانبه بأي تغيير أو تطوير أو تحديث، والكل كان مخطئاً، والخطأ خطيئة في عالم لا يرحم، وكله أصبح وراءنا الآن وبقي المتغير السريع هو الثابت الوحيد المؤكد! وباتت مجتمعاتنا العربية في كافة أقطارها تحت وابل فيض إعلامي كاسح لا يبقي ولا يذر. لقد ولى بلا عودة ذلك الزمن الجميل لدى البعض الذي كانت ميزته الأساسية شح المعلومات وغيبوبة الوعي، وأصبحت المشكلة الحقيقية الآن هي فيضان المعلومات مع غيبوبة أشد كثافة للوعي.

في الممارسة العملية يكتشف الإنسان أن الحرية، هي معرفة الضرورة والتغلب علمياً عليها، هي القدرة الكامنة في "الإنسان المجتمع" على كشف القوانين ومعرفة الظواهر وسبل السيطرة عليها، هذا معنى الحرية في التجربة الملموسة بعيداً عن التجريديات الفلسفية والتعاميم النظرية التي تؤسس للحرية كمفهوم وجودي يتعلق بمصير الإنسان وطرائق وجوده... إذ يكاد التاريخ يكون تاريخ الإنسان الإنسانية، في ملحمة نضالها من أجل حرية يزداد إلحاحها بمقدار غيابها، وجودها في الذهن يتناسب طرداً مع انحسارها في الواقع، وبهذا الشكل يتوازى نظال الإنسان من أجل الحرية ضد قوانين الطبيعة أولاً ثم ضد القوانين التي صاغها الإنسان "المجتمع، الدين، الدولة، المنظومات الأخلاقية"، أي أشكال التنظيم الاجتماعي التي لابد منها لتنظيم الحياة ثم ما تلبث أن تصبح هذه الأشكال قيوداً عليها

فكيف نميز الخبيث من الطيب والغث من السمين، وسط طوفان إعلامي يغرقنا فيه ساعة بساعة بل ثانية بثانية؟ عشرات المحطات الفضائية المتنوعة في أخبارها والموحدة في أهدافها، المعالجة في تسميتها والسم في مضمونها، والتي لا تترك مجالاً للإنسان كي يتوقف لحظة ليحلل بشكل منطقي عقلاني ما يتلقاه بعينيه ويسمعه بأذنيه ويستشعره بأحاسيسه!. كل ذلك بهدف واحد هو تفتيت وتجزئة ما هو مفتت أصلاً، لنصل بعدها إلى مرحلة نترحم فيها على "سايكس بيكو" وأيامهما».

المهندس أسامة بديع

وما أفرزته ثورة المعلومات من نظم جديدة ترتبط بتغيير آلية التواصل وتقنياتها، وانعكاسها على الفرد والمجتمع بين المهندس "أسامة" بالقول: «لا يتعلق السؤال المطروح هنا بالفوائد العظيمة لهذه الثورة الرائدة وهو ما لا ينكره أحد، بل السؤال حقيقة هو عما أفرزته ثورة المعلومات من نظم تفكير جديدة ومفاهيم تغيير ملتبسة تبنتها وسائل إعلام "عربية" وسخرتها خدمة لمشاريع غامضة المنشأ والهوية. إذ لم تتضح بعد الآثار البعيدة المدى لهذه النظم والمفاهيم على مستوى المجتمعات العربية، إلا أن ما بات مؤكداً الآن هو أن ثورة المعلومات وتقاناتها قد أصبحت أمراً واقعاً وقضاءً محتماً وهي السلاح الرئيسي في حروب المستقبل. وهذا السلاح قادر على زلزلة الأرض من تحت أيٍ كان، وما تهديد رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون قبل أسابيع بإيقاف جميع شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتويتر في أثناء الاحتجاجات العارمة التي شهدتها ضواحي العاصمة البريطانية وغيرها من المدن إلا دليل آخر يثبت سطوة وشدة بأس هذه التقانات، ومدى الاضطراب والحيرة في كيفية التعامل معها حتى في الدول التي اخترعتها وساهمت بشكل رئيسي في تطويرها. بحيث بات الجميع يخشاها لا فرق في ذلك بين نظم تتهم بأنها غير ديمقراطية ونظم تدعي الديمقراطية. وبالتالي فهناك حاجة ماسة لدراسات معمقة حول الآثار البعيدة المدى لثورة المعلومات والمفاهيم التي استحدثتها وانعكاسها على الفرد والمجتمع وعدم ترك الأمر لمن همه الأول والأخير تفتيت وتشظية بلاد العرب مستخدماً في ذلك تعابير جميلة خلابة كالانتفاضة والثورة. قديماً وقفت سيدة فرنسية جليلة أمام مقصلة الثورة الفرنسية بانتظار تنفيذ حكم الإعدام فيها ووقع نظرها على تمثال الحرية "الشهير إياه في خليج نيويورك" والذي أهدته فرنسا بعدها للولايات المتحدة الأمريكية ولم تتمالك السيدة واسمها مدام رولان نفسها أن تقول كلمتها الشهيرة: كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الحرية. واليوم وأمام مقصلة الإعلام المنفلت من عقاله هنالك شعوب بكاملها يمكنها أن تقول: كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الحرية الإعلامية».

أما من الجانب النقدي الذي يحمل تأويلاً وثقافة فكرية سياسية خاصة، فبين الناقد الدكتور "عاطف البطرس" عضو اتحاد الكتاب العرب حول مقومات الديمقراطية ووجود الحرية فيها قائلاً: «من أكثر المفاهيم رواجاً وانتشاراً في الأوساط الاجتماعية على مختلف مستوياتها مفهوما الحرية والديمقراطية، هذا الانتشار الأفقي لا يتناسب مع النفاذ العمودي "العمق" لهذين المفهومين بسبب تباين الوعي المعرفي ودرجة الثقافة للمهتمين بهما في النظرية والتطبيق، مفهوم الحرية على بساطته وانفتاحه ومفهوم فلسفي وجد وتنامى وازداد تعقيداً مع تقدم الوعي البشري وأخذ دلالات مختلفة تتناسب طرداً مع تقدم المعارف البشرية وتداخلها، ومن الصعب الحديث عنه نشأة وتطوراً لرحابة فضائه الدلالي وتعدد إيحائه. تبقى مشكلة الحرية معضلة واجهها الإنسان، وتحققها هدف يكاد يكون عصي المنال ما إن يتحقق قدر منه حتى نكتشف أننا بحاجة إلى مزيد من الحرية، استناداً إلى المقولة: "كلما لبينا حاجة الناس من الحرية ازدادت احتياجاتهم إليها"، والسؤال المطروح أصلاً هل الإنسان حر؟ أم إنه مكبل بالقيود؟...هل هو مخير أم مسير؟».

الناقد الدكتور عاطف البطرس

وتابع الدكتور "عاطف البطرس" بالقول: «أسئلة ليست جديدة على الفكر البشري وقد عولجت من مواقع مختلفة وساهمت الديانات السماوية بتقديم أجوبة عنها، وكان للمعتزلة في الفكر الإسلامي نصيب كبير ومساهمة خلاقة حولها، "مسألة الجبر والاختيار"، ويبقى السؤال قائماً وتتعدد الأجوبة عنه وتتباين وفق تطور المعارف الإنسانية والتقدم العلمي فكيف يمكن أن نتحدث عن حرية الإنسان إذا كان لا علاقة له بأهم حدثين في صيرورته، وهما الولادة والموت، فالإنسان لا يولد بإرادته ويموت دون رغبة منه، فما هامش الحرية أذاً ، وما جدوى الحديث عنها، إنه في المساحة الزمنية والمكانية بين الحدثين: الولادة والموت. كيف يمكن أن نتحدث عن الحرية والإنسان خاضع لمنظومة تشارطية لا يمكن اختراقها، وتتضمن: الشرط البيولوجي العضوي، الشرط الجغرافي التاريخي، الشرط الاجتماعي بضغوطاته المتنوعة التي ليست السلطة السياسية أكثرها وأخطرها مصادرة لحريته».

وعن الحرية بأنها معرفة ضرورية أوضح الناقد الدكتور "البطرس" بالقول: «في الممارسة العملية يكتشف الإنسان أن الحرية، هي معرفة الضرورة والتغلب علمياً عليها، هي القدرة الكامنة في "الإنسان المجتمع" على كشف القوانين ومعرفة الظواهر وسبل السيطرة عليها، هذا معنى الحرية في التجربة الملموسة بعيداً عن التجريديات الفلسفية والتعاميم النظرية التي تؤسس للحرية كمفهوم وجودي يتعلق بمصير الإنسان وطرائق وجوده... إذ يكاد التاريخ يكون تاريخ الإنسان الإنسانية، في ملحمة نضالها من أجل حرية يزداد إلحاحها بمقدار غيابها، وجودها في الذهن يتناسب طرداً مع انحسارها في الواقع، وبهذا الشكل يتوازى نظال الإنسان من أجل الحرية ضد قوانين الطبيعة أولاً ثم ضد القوانين التي صاغها الإنسان "المجتمع، الدين، الدولة، المنظومات الأخلاقية"، أي أشكال التنظيم الاجتماعي التي لابد منها لتنظيم الحياة ثم ما تلبث أن تصبح هذه الأشكال قيوداً عليها».

وتابع الدكتور "البطرس" بالقول: «مما لاشك فيه أن الإنسان ابن الطبيعة ومهما انفصل عنها واستقل، "الانفصال الاتصالي" يبقى متواصلاً معها ومتصلاً بها على الرغم من صراعه معها وكأنهما في وحدة التضاد وقانون النفي واحد يشترط وجود الآخر، وحنين الإنسان إلى طبيعته الأولى يزداد إلحاحاً مع الانقسام المجتمعي إلى طبقات ومع استفحال الملكية الخاصة أصل كل الشرور، ثمة من يقول: "إن الإنسان لا يمتلك طبيعة ثابتة"، وإنما هناك عوامل وظروف جغرافية تاريخية اجتماعية اقتصادية سياسية معرفية تحدد طبيعته وبتغير تلك الظروف تتغير الطبيعة البشرية، وما على الإنسان إلا أن يسعى دائماً من أجل تغيير شروط حياته لتتغير تبعاً لذلك طبيعته، "فالإنسان لا يخضع لحتمية صارمة أو مقفلة ولا تأسره ماهية ثابتة أو هوية نهائية وإنما هو عالم من الممكنات مفتوح على الاحتمالات والمفاجآت"، فالحرية إذا بشكل من أشكالها ومستوى من مستوياتها هي التحرر من القيد الطبيعي الذي يعمد الإنسان إلى تحطيمه مع أنه يحن إليه دائماً، وهذه مشكلة من أعقد المشاكل التي يتصدى لحلها العقل البشري، وعليه فحرية الإنسان تكمن في قدرته على تغيير نفسه وتعديل طبيعته لأنه يخرج عنها ويبدل وجهه باستمرار، أما الحرية بمعناها السياسي وهي من هذه الوجه تكاد تتقارب إلى حد التماهي مع مفهوم الديمقراطية إذ يصبح مفهوم الديمقراطية هو التجسيد العملي التطبيقي للحريات السياسية التي هي جزء من المفهوم الكلي عن الحرية بمعانيها ودلالاتها المختلفة. جوهر الحرية بهذه الدلالة السياسية هو: الديمقراطية وأشكال ممارستها».