بين الفكر والفن علاقة إحساس، ناتجة عن ثقافة متراكمة تحمل في شكلها القيم الجمعية وفي مضمونها المعلومات ذات القيمة الأخلاقية.

حول علاقة الفرد بالمجتمع أوضح الباحث والكاتب "زياد النداف" لموقع eSyria قائلاً: «إن العلاقة بين الفرد والمجتمع علاقة عضوية لا تنفصل أبداً فالمجتمع هو مجموعة من الأفراد وبالتالي ما ينطبق على الفرد ينطبق كذلك على المجتمع، والتفاعل الحاصل بين الفرد والمجتمع هو أن البنية العقلية للفرد تعتمد على العامل الاجتماعي والعامل الطبيعي، فالمجتمع هو عنصر مهم في تكوين البنية العقلية للفرد والجماعة، كما هو فعل وأهمية البيئة الطبيعية، فبالنسبة إلى تأثير الفرد على المجتمع فلا شك أن عوامل متعددة تحدد هذا التفاعل والتأثير منها مستويات التعليم والثقافة والعامل الاقتصادي وعوامل أخرى سياسية وجغرافية، فكما تطور مستوى الفرد يجب أن يتطور مستوى المجتمع وهذا التطور الاجتماعي يقع على عاتق النخبة دائماً لرفع مستوى وعي أفراد المجتمع في كافة مستوياتهم الثقافية، ولكي نحدد بعض ملامح ثقافتنا الاجتماعية ومشاكلها، فاعتقد أن أهم مشكلة نواجهها هي العصبية القبلية أو الذهنية التي تعتمد على المشاعر الضيقة، والمقصود بالمشاعر الضيقة، مشاعر التعصب بشكل عام، ولعل أخطرها العقائد الدينية والاجتماعية، كذلك العقائد السياسية والجغرافية...الخ.

لقد ساهمت ثورة المعلومات وتقنياتها بتدفق الأخبار والعلوم والنشاطات رغم اختلاف مصادرها وصدقيتها أحياناً ما جعل العديد من أفراد المجتمع يتواصلون مع هذه التقنية وينفكون عن التواصل مع مجتمعهم وهذا ما أدى إلى وجود شرخ على مستوى المجتمع الواحد ما أدى إلى ردة فعل لدى أفراد آخرين من نفس المجتمع للمحافظة على السـَّـائـد والمتوضع والمألوف

وتابع الأستاذ "النداف" بالقول: «إن ما نتوهمه حقائق ثابتة في الوجود هو سبب بقاء الفرد والمجتمع يعيشان في غياهب الماضي الذي كانت له ظروفه ومسببات بنيته الثقافية والعقلية تتناسب مع زمان ومكان معينين، فيجب أن نلاحظ أن التغيير يطول الإنسان والزمان والمكان، وبالتالي على الفرد والمجتمع، أن يطورا آليات الحياة بما يتناسب مع اللحظات المعيشة، فالتغيير المستمر والتطور يخرج الفرد من دائرة الحياة الرتيبة ويجعله مشاركاً بفاعلية أكبر في مجتمعه، فأنا اعتقد أن الإحساس بالوهن والإحباط لدى الفرد هو في أحد جوانبه يعود إلى رتابة الحياة التي تجعل الإنسان كأحد أفراد مجموعة نمل، فالعقائد غالباً ما تضع في وجه الفرد عقبات نحو التطور بحجة أن هذه القوانين والأعراف والعقائد هي مقدسة ولا يجوز المساس بها ولا حتى تطويرها أو مجرد نقدها، فيصبح الإنسان تابعاً لمفاهيم وقيم فرضها مجتمع سابق لا يمت إلى روح العصر بصلة».

الفنان التشكيلي عامر الخطيب

وعن القيم الجمعية والأخلاقية والتاريخية والنفسية بين الباحث "زياد النداف" بالقول: «إن مبدأ الواجب الأخلاقي هو الذي يبلغ من القوة حداً يمكنه أن يدفعنا إلى الفعل الخير والتضحية العظيمة من أجل بلوغ الغايات الاجتماعية الكبرى، ولا ننسى ما للنفس البشرية ونوازعها الأنانية من تأثير في هذا المجال ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار بحيث نكافئ ونشجع المتميزين والنخبة، فتطور المجتمعات يعتمد إلى حد كبير على تقديم هؤلاء المتميزين بغض النظر عن انتماءاتهم وولاءاتهم».

وعن دور الإعلام والمنظومة الديمقراطية والحرية منها أوضح الأستاذ "زياد النداف" قائلاً: «الإعلام الحر يلعب دوراً مهماً في تكوين فضاءات ثقافية تساعد على تكوين الشخصية الفردية المستقلة التي تستطيع أن تفكر بحرية وأن تبدع في كافة مجالات الحياة، إن الحرية بمعناها الحقيقي لا أعتقد أنها موجودة حتى لو أعطتنا نظم المجتمع أنماطاً من الممارسة المنظمة ولو أنها مقيدة بالقوانين واللوائح، أي إنها تقييد منظم لمجمل حياة الفرد ضمن دستور له مفاهيم مؤطرة وهي نسبية إذ إن هامش تلك الحرية يختلف حسب طبيعة الدولة وأنظمتها، وإذا أردنا أن نبحث جوهر الحرية، فإن البشر لا يولدون أحراراً، فليس هناك حرية في اختيار المكان والزمان والأهل والبيئة، وحتى طبيعة الحياة، ولا كيف سينتهون منها، بالإضافة إلى خضوعهم لنظام الطبيعة القسري. إن الحرية الحقيقية هي جوهر العقل وهذا يعتمد على الحالة الوجدانية للفرد في تحقيقه لحريته الذاتية، بمعنى عندما تعود الروح من حالة الاغتراب في الطبيعة لتصبح ذاتاً عارفة متحققة، وإن المجتمعات وحتى الحضارات التي كانت فقيرة في هذا الجانب الوجداني لم تستطع الاستمرار لفترات طويلة فالقواعد الأخلاقية هي ركيزة أساسية في بناء مجتمعات متماسكة قابلة للحياة والتطور».

الباحث الأستاذ زياد النداف

وطرح الأستاذ "النداف" حلولاً وفق رؤيته قائلاً: «إننا الآن بحاجة إلى إعادة النظر بشكل جذري في أسلوب تنشئة الأجيال المقاومة، وأقدم تصوري في بعض جوانب حل المشكلة منها تطوير مناهج التعليم وأساليب التعاطي معها، ومواكبة عصر العلم فالإنسان الحالي يفقد نصف معلوماته العلمية خلال ثلاث سنوات وربما بل بالتأكيد- ستتقلص المدة بشكل كبير مع هذه الثورة المعلوماتية، وتطوير البحث العلمي وإنشاء مراكز للدراسات والإحصائيات والتي تساعد على إنشاء دولة عصرية ينعم فيها الأفراد بحالة نفسية اجتماعية، وإن الثقافة الاجتماعية الموروثة يجب ألا تصبح المصدر الوحيد للمعرفة حتى وإن كان هذا الموروث دينياً أو عقائدياً، بل أن يكون الموروث موضوعاً للمعرفة، بحيث يمكننا أن نعمل فيه العقل والمنطق، فنأخذ منه ما يفيد ويطور ونترك ما تجاوزه الزمن، وإن الفرد هو العنصر الأساسي لبناء المجتمع، ويجب ألا تكون النظرة إليه كطرف آخر في مقابلة المجتمع والدولة، بحيث نطلق عليه تسمية المتلقي ونلقي إليه شروط انتمائه للمجتمع من واجبات أو حقوق، بل هو صانع ومشارك في بناء المجتمع، هو جزء من هذا النظام والنسيج الاجتماعي، وعلى هذا الأساس يتم بناء شخصية الفرد مستقلة في هويتها الذاتية الفردية ومنسجمة في هوية المجتمع الكلي».

إن حركة الإنسان النفسية الداخلية لاستشعاره الوجودي- وهي حركة إيقاعية كاملة كجزء من أي حركة في العالم الخارجي أي خارج حدوده الذاتية- مضبوطة بإيقاع حركته النفسية الداخلية، وأي خلل في هذا التوازن سيسبب بلا شك البؤس والغم، فعملية التفاعل بين الفرد والمجتمع العالم الخارجي ضرورية لخلق مجتمعات أكثر تجانساً وإمكانية للتطور، وهذا العامل في اعتقادي هو الحاسم في تكوين شخصية الفرد».

عامر الخطيب بين كتبه

وعن المفاهيم الجديدة التي طرحتها ثورة المعلومات بين الباحث "زياد النداف" بالقول: «إن الأنظمة التي تقوم على ايديولوجيات معينة سواء دينية أو سياسية أو اجتماعية، تأخذ بجانب واحد من الثقافة والمعرفة، وهو ما يسمى جزئية المعرفة، فتنطلق من ايديولوجيتها وكل ماعداها هو باطل، وهذه الذهنية لا تساعد على فهم الحياة بفضائها الرحب، بل تؤدي إلى قوقعة العقل عندما نضعه دائماً على مفترق طرق، إما هذا أو ضده، وطبعاً هذا هو ما اعتقد، أما ضده فلا يحق لك التفكير فيه والاطلاع عليه، كذلك عندما نسخر العقل وطاقاته الهائلة- العقل النخبوي- للدفاع عن تلك العقائد وتلميع صورتها وإظهارها بمظهر المثالية في مقابل عقائد الآخرين الأقل مثالية طبعاً، فالطاقات العقلية التي من المفروض أن تتجه إلى محاكاة العصر والتطور تبقى أسيرة عقائد الماضي ولا تعترف بما وصل إليه الإنسان والمجتمع الآن، فنحن أمة سخرنا عقولنا لتثبيت عقائدنا بدل أن نستخدم عقائدنا في تطوير فكرنا».

وفي مجال الإعلام ودور وسائل الاتصال والتكنولوجيا أشار "النداف" قائلاً: «يجب أن نستخدم هذه التكنولوجيا وثورة الاتصالات لتطوير مجتمعاتنا وثقافتنا فقد ساهمت بشكل أساسي في التقريب بين أفكار الشعوب وأنماط حياتها، ولا ننسى أن نعالج بشكل علمي مدى تأثير الفرد في البلدان النامية بالحضارات المتقدمة خاصة أن المجتمعات الضعيفة تحاول تقليد المجتمعات القوية، فهذا شيء طبيعي ونستطيع بسهولة أن نلاحظ مدى تأثير هذه الثورة التكنولوجية على ثقافة الفرد وتفاعله مع الثقافات والمجتمعات الأخرى.

إن الشباب يمثل توجهاً أكثر دنيوية اليوم بحيث أصبح أكثر وعياً لحاجاته من حرية وحقوق ورغبته في إقامة أنظمة تقوم على تداول السلطة والتعددية واحترام الآخرين، ولكن كما أن هذا الجانب من الشباب المستخدم لهذه التكنولوجيا فإن هناك الجانب الآخر- أقصد بعض المتطرفين من المؤدلجين- يمكن لهم أن يستفيدوا من هذه التكنولوجيا لأنها ليست حكراً على فئة معينة، فالكل يستطيع أن يستخدمها لتعزيز ونشر وجهة نظره، ولكن في النهاية إن وسائل الاتصالات الحديثة هي عامل أساسي في التواصل بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية، ولنا فيما نشاهده الآن من حراك سياسي في العالم العربي إثباتا لدور تلك الوسائل، ولعل من أهم الأسباب التي جعلت الشباب يتوجه إلى وسائل الاتصالات والتواصل تلك هو للتعبير عن آرائه بحرية لان وسائل الإعلام المتوافرة لا تفتح له ذلك الأفق ولم تستطع أن تتفهم حاجات الجيل والعصر بعملية وانفتاح».

قد يلتقي الفكر مع الفن فها هو الفنان التشكيلي "عامر الخطيب" يبين رؤيته حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد بالمجتمع من حيث التواصل والتشارك والتفاعل قائلاً: «إن حذر المجتمعات من الخروج عن منظومة العادات والتقاليد والأعراف السـَّـائدة يجعل قبولها إلى الثقافات الجديدة والطـَّـارئة بطيئاً وغير متوازن لأن الفرد يسـبق المجتمع بشكل دائم في فتح الثغرات التي تسمح عندَ اتساعها لعبور النخبة في أي مجتمع ومن ثم يلحق المجتمع بهذه النخبة ضمن وتيرة تكريس التقليد لتصبح الثقافة الجديدة تقليداً وعادة مع الوقت، وإن المجتمعات المفتوحة الأفق والحضارية هي التي تتبع أفرادها المبدعين لتجدد عاداتها وتقاليدها وتضخ الدماء الجديدة والأفكار الجديدة والعصرية في مختلف مكوناتها».

وعن أهم ما أفرزته ثورة المعلومات من نظم جديد وانعكاسها على المجتمع أوضح الفنان "الخطيب" بالقول: «لقد ساهمت ثورة المعلومات وتقنياتها بتدفق الأخبار والعلوم والنشاطات رغم اختلاف مصادرها وصدقيتها أحياناً ما جعل العديد من أفراد المجتمع يتواصلون مع هذه التقنية وينفكون عن التواصل مع مجتمعهم وهذا ما أدى إلى وجود شرخ على مستوى المجتمع الواحد ما أدى إلى ردة فعل لدى أفراد آخرين من نفس المجتمع للمحافظة على السـَّـائـد والمتوضع والمألوف».

ربما كانت اللوحة لدى الفنان "عامر الخطيب" تعبر عن رؤيته أكثر من التكثيف اللغوي لهذا أشار إلى مقومات الديمقراطية ومكانة الحرية فيها بقوله: «إن أهم مقومات المنظومة الديمقراطية هي العدالة الاجتماعية وبالتالي فإن السلطة القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية هي نفسها الجهة الراعية للديمقراطية وإن توسع الحريات يخفف من عبء المسؤوليات على الجهة الراعية التي تتحمل معها الأحزاب والمنظمات والمؤسسات تبعة ازدياد مساحة الحرية لتجعل من حيوية المجتمعات القدرة على صمودها وديمومتها وتجددها وتحمل مسؤولياتها أي تشحذ نفسها بنفسها».

وحول مفاهيم الجديدة والتغيرات التي طرأت على المجتمع ومدى سيرورة النموذج الأخلاقي الحالي في تطوير بنية المجتمع، وعلاقة الآخر أو المتلقي في تحديد احتياجاته بين الفنان التشكيلي "عامر الخطيب" بالقول: «بما أن المعلومة التي يتلقاها الفرد متعددة المصادر ومختلفة المشارب فهذا يعني أن الوازع الأخلاقي لهذه المعلومة ليس واحداً وبالتالي فإن ما هو محظور أخلاقياً عند هذا المجتمع مباح أخلاقياً لدى المجتمع الآخر، والفرد الذي يتلقى المعلومة يتأثر بها بغض النظر عن مرجعيتها الأخلاقية وهذا يؤدي من حيث النتيجة لتقليده كفرد أضعف ومن ثم تقليد المجتمع الأضعف للمجتمع الأقوى بعيداً عن الحالة الأخلاقية للمجتمع الضعيف الذي ينتمي إليه وبالتالي فإن النموذج الأخلاقي غير قادر على الحفاظ على وجوده إلا لدى المجتمعات المسيطرة معلوماتياً وإعلامياً. والأزمة الأخطر هي أزمة الأخلاق، لقد اعتدنا على إعداد الوجبات المركزة وتقديمها جاهزة باعتبارنا الأجدر على فهم مذاق الآخرين وتقديم احتياجاتهم وهذا المفهوم يجب علينا تغييره وإعادة النظر فيه بالانتقال من موضع دراسة الآخر إلى موضع مشاركة الآخر وحواره والسعي إليه لنكون بالمقابل مادة لدراسة المتلقي وجزءاً من التشاركية الشفافة المنتجة البعيدة عن أساليب التلقين والإملاء».