بين الأدب والقانون تجتمع الأفكار لتفرز نتيجة ثالثة، هي المعرفة الجمعية التي من شأنها أن تجعل من المقاربات الثقافية علاقة فردية فيها روح المجتمع.

حول ما أفرزت ثورة المعلومات من نظم جديدة ترتبط بتغيير آلية التواصل عبر تقنياتها العصرية، وما عكسته من ثقافة على الفرد والمجتمع أوضح المحامي الأستاذ "فؤاد البني" المهتم بقضايا الفرد والمجتمع لموقع eSyria قائلاً: «مع كل اكتشاف علمي كبير "البخار، الكهرباء" كانت تظهر تأثيرات هذا الاكتشاف على بنية وتركيبة الاقتصاد، الذي يؤثر بدوره في تغيير تركيبة وبنية المجتمع، وبالتالي فإن ثورة المعلومات التي حدثت خلال السنوات الماضية، وما زالت في تطورها المستمر والمتسارع، كان لها تأثير الكبير على الفرد، وانعكس ذلك على المجتمع، ما أدى إلى وجود أدوات اتصال جديدة وسريعة تختلف كلياً عن أدوات الاتصال السابقة، "كاللاسلكي والهاتف الثابت والصحافة والإذاعة والتلفزة" وأخذت هذه الأدوات أشكالاً مختلفة بزمن قياسي سريع، يصعب أحياناً التكيف معها، مثل "فيس بوك، تويتر، ويب، وبلاك بيري" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، وسرعة إيصالها إلى عدد هائل من المتابعين والمهتمين نوعاً ولغة، ويتعذر على الباحث والدارس معرفة حدود تأثير هذه الثورة المعرفية في المستقبل القريب، على المكونات التي تحوي بين جنباتها الكثير من الأسرار والخفايا وتأثيرها على الشباب من خلال الشبكات العنكبوتية، التي أصبحت أحياناً وغالباً مصدراً من مصادر المعلومات التي يبحث عنها الخصوم وتقدم إليهم بشكل مجاني ودون عناء، من خلال غرف الدردشة وغيرها، ويجب ألا ننسى أيضاً الإيجابيات التي أحدثتها هذه الثورة ومع ذلك لابد من توقي الحذر بالتعامل مع هذا القادم الجديد باستيعاب كل إيجابياته وسلبياته وتأثيراته القريبة والبعيدة بعيداً عن روح الاستسهال والاستسلام لاستخدام هذه الأدوات».

لا يمكن أن يكون التواصل الثقافي إلا بالحوار الصادق، لأنه السبيل الوحيد للارتقاء بالشعوب، والثقافة هي أن نتحاور بنوايا صادقة، سلاحنا قوة الإقناع والمحاكمة المنطقية، لا أن نتجادل بنوايا مبيتة، وبسلاح الجدل السفسطائي العقيم، بالحوار نحسن قراءة الحاضر ونتقن نبوءة المستقبل ونبرع في رسم ملامحِ المرحلة القادمة معتنقين مفاهيم مشتركة ملتفين حول وطنيتنا بكل طاقاتنا المختلفة المتنوعة على اختلافنا وتنوعنا، بذلك فقط نستطيع أن نجتني من ثقافتنا الفردية ثقافة جمعية لها مقوماتها الإبداعية وبعدها المكاني والتاريخي، وثماراً ناضجةَ خاليةَ من السموم الفاسدة

أما عن رؤية القانون في مقومات المنظومة الديمقراطية وحيز الحرية منها فقد أشار المحامي "فؤاد البني" بالقول: «الديمقراطية منظومة متكاملة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور المجتمع، وهي ليست وصفة واحدة جاهزة تلائم جميع المجتمعات بل لكل مجتمع ديمقراطيته الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكن هناك قواسم مشتركة عامة تحكم هذه المنظومة وتحكم كل المجتمعات، فهي تبدأ أولاً بإيجاد الأساس القانوني لها، بدءاً من الدستور الذي يحدد الحريات والحقوق والواجبات في التعبير عن الرأي بحرية وعلانية قولاً وكتابةً وأن يمارس الفرد بحرية تامة النقد والنقد الذاتي وحقه في الاجتماع والتظاهر في الإطار الذي تحدده حزمة من القوانين التي تنظم الحياة الديمقراطية، كقانون الانتخابات الذي يحدد أصول ممارسة حق المواطن بحرية الانتخاب والترشيح، وقانون الأحزاب الذي يعطي للفرد حق المشاركة في ممارسة الحياة السياسية وغيرها من هذه القوانين، وثانياً قدرة المجتمع على ممارسة هذه الديمقراطية من خلال وضوح هذه المفاهيم التي تحكم هذه المنظومة، وقدرته على ممارسة حقه في التعبير واستخدام أدواته العامة المقروءة والمسموعة والمرئية ضمن حدود القول المعروف "تنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخرين"، والحرية حق التعبير بالقول والفعل والتظاهر ليست مطلقة، إنما هي مقيدة ضمن معيار الرأي والرأي الآخر، فالمجتمع لا يستطيع فهم الديمقراطية إلا من خلال مساحة واسعة من الحرية دون الانزلاق إلى أعمالٍ تخالف هذه المساحة».

الأديب جهاد الأحمدية

وتابع الأستاذ المحامي "البني" بالقول: «إن المجتمعات التي وصلت إلى درجة عالية من التطور طبقت الديمقراطية بعد أن مرت بفترة انتقالية طالت أم قصرت تبعاً لدرجة وسرعة تطورها، وعمقت من خلالها الوعي بقبول الرأي والرأي الآخر، واحتكامها إلى صناديق الاقتراع وتقبل نتائجها، والانضواء تحت لواء الأكثرية مع احتفاظها برأيها، طامحة نحو الأكثرية وهكذا، إن التطبيق الحقيقي للديمقراطية في المجتمعات التي لم تتعود عليها، يساهم في تكوين مجتمع جديد يختلف كلياً عن المجتمع الذي ساد لفترة طويلة تحت ظروف سلبت منه كل مقومات الحراك الاجتماعي والسياسي، بطرد عامل الخوف وإلغاء أساليب الفردية للإدارة العامة، ونسف مظاهر التقرب والتزلف والتملق، وتعميق مبدأ تكافئ الفرص».

وحول دور المثقف في دخول المعلوماتية إلى حياة المجتمع بين الأديب "جهاد الأحمدية" أمين سر فرع اتحاد الكتاب العرب بالسويداء، قائلاً: «إذا كانت المواطنة محض انتماء إلى الوطن فإن المواطنة الحقة تكون في الانتماء الفاعل والمؤثر في مسيرة بناء هذا الوطن وفي الحفاظ على مقوماته، وهل هنالك من هو أجدر من المثقف للتصدي لمثل هذه المهمة الإنسانية الراقية؟ فالمثقف هو ذاك المواطن الذي يتمتع بإحساس عال بالمسؤولية تجاه مجتمعه، وهو الذي يعتقد أنه المقصود بذاته دون سواه لتحمل تلك المسؤولية في الملمات، الثقافة ليست كما يعتقد الكثيرون إنها تنحصر في تحصيل المعارف وتخزينها بل في كيفية التعامل مع هذه المعارف المكتسبة والاستفادة منها في تطوير بنية المجتمع، وفي المضي قدما في مسيرة الارتقاء به، الناس جميعاً يتشابهون في الطريقة التي يحصلون فيها على الغذاء لكنهم مختلفون تماما في كيفية تحويل الطاقة الناتجة عنه إلى فعل، هذا الفعل هو الذي يحدد شخصية الفرد في مجتمعه، استهلاك الطاقة في البحث العلمي أو الفكري مختلف عن استهلاكها في نشاطات عبثية غير مجدية كالثرثرة أو الاقتتال أو غير ذلك».

المحامي فؤاد البني

وتابع الأديب "الأحمدية" بالقول: «المثقف الذي يعتقد أنه بمجرد اكتسابه كماً كبيراً من المعارف والمعلومات يكون له الحق في أن يتسلم أعلى المناصب إنما هو مجاف للحقيقة والدقة، المثقف الحقيقي هو الذي يتفاعل مع مجتمعه موظفاً مكتسباته المعرفية بما يخدم ذاك المجتمع ويساهم في عملية بنائه سليما معافى خالياً من الشوائب التي قد تعيق تقدمه، وإلا فيكون مثله كمثل المستنقع الذي يجمع المياه من مختلف المسارب، ولكنه لا يستطيع أن يروي ظمأ عطشان واحد، أو أن ينبت زهرة طيبةَ العطر، ولكنه ينبت الطحالب والأعشاب الضارة، ويجتذب البعوض والذباب والحشرات المؤذية، إذن على المثقف أن يخرج من قوقعة ذاتيته المفرطة وألاّ يسعى إلى تضخيم ذاته من خلال التَّباهي الفارغِ بكثرة ما يعرف، فالعبرة ليست في الكم بل في الكيف، بل عليه أن يقوم بدوره في تثقيف من حوله والانخراط في كينونة المجتمع فاعلاً فيه ومنفعلاً به، فهو لغزارة معلوماته مطالب أكثر من غيره، "فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟"».

وعن دور المثقف وتأثيره في الثقافة الوافدة بدءاً من آلية الحوار وانتهاءً بالمفاهيم التي يجب أن يبنى عليها تطوير وسائل الإنتاج المحلية، وإمكانية التعامل معها، أوضح الأديب "جهاد الأحمدية" بالقول: «في عصرنا الحاضر يقع على المثقف أعباء كثيرة ومسؤوليات أكثر صعوبة وأشد تعقيداً عليه التصدي لها والاضطلاع بها، وذلك نظراً للتطور الهائل والمتسارع في العلوم التقنية وخاصة المعلوماتية التي باتت تتحدى، بحدة، العقل البشري الذي أنتجها. فأين هم مثقفونا من هذه المسؤولية؟

جهاد الأحمدية أثناء الحوار

لا شك أن هنالك فرقاً كبيراً بين المثقف الحقيقي وبين مدعي الثقافة، فالأول يعيد إنتاج مكتسباته لتكون طيعة في خدمة متطلبات المجتمع بينما يكتفي الثاني باستهلاك الثقافات الوافدة متباهيا بحصوله عليها مفضلاً إياها عن كل ما تنتجه الطاقات المحلية جاهلاً أو متناسياً أنها تخدم الأمة التي صدَّرتها، ونحن العرب، نتربع على تاريخ موغل في أصالته وعراقته الحضارية، ولكننا نفتقر اليوم لأبسط قواعد الإنتاج الثقافي بل تحولنا إلى مستهلكين خاملين للثقافات الوافدة، ولهذا علينا أن نخرج من عباءة التاريخ ونواجه رياح الحضارة الوافدة بعقول عارية إلا من المنطق وأحكامه، والحقيقة وبرهانِها، وننظر إلى الشمس لنتعلم منها كيف تطل من فوق القمم الشامخة كل صباح تحاور الجبال والسهول والغابات والحقول، تهدي إلى الأشجارِ الباسقة والحشائش الخجولة الألوان وتوقظ الوحوش الضاريةَ والغزلان والإنسان».

وتابع الأستاذ "الأحمدية" بالقول: «لا يمكن أن يكون التواصل الثقافي إلا بالحوار الصادق، لأنه السبيل الوحيد للارتقاء بالشعوب، والثقافة هي أن نتحاور بنوايا صادقة، سلاحنا قوة الإقناع والمحاكمة المنطقية، لا أن نتجادل بنوايا مبيتة، وبسلاح الجدل السفسطائي العقيم، بالحوار نحسن قراءة الحاضر ونتقن نبوءة المستقبل ونبرع في رسم ملامحِ المرحلة القادمة معتنقين مفاهيم مشتركة ملتفين حول وطنيتنا بكل طاقاتنا المختلفة المتنوعة على اختلافنا وتنوعنا، بذلك فقط نستطيع أن نجتني من ثقافتنا الفردية ثقافة جمعية لها مقوماتها الإبداعية وبعدها المكاني والتاريخي، وثماراً ناضجةَ خاليةَ من السموم الفاسدة».