بين الفرد والجماعة علاقة، ترتبط بترابط ثقافة جمعية من شأنها فرز أفكار وآراء جديدة، تمنح الفرد استقلالية ذاتية وتنحى به نحو الديمقراطية الفردية.

حول المقاربات الخاصة بعلاقة الفرد مع المجتمع، ومدى التواصل والتفاعل والتشارك، بين الأستاذ الدكتور "أحمد برقاوي" أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق، وعضو اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria قائلاً: «إن علاقة الفرد والمجتمع جوهرية وأساسية الآن بل في كل آن، لأننا نعيش مشكلة قديمة جديدة، ألا وهي أن الفرد لم يولد بعد، فمنذ قرون طويلة والكائن يشكل لحظة غير واعية في الكل الاجتماعي التي نطلق عليه اسم المجتمع، المجتمع بالتعريف هو تلك العلاقات الموضوعية التي تقوم بين البشر، وتشكل بنية اجتماعية، اقتصادية، أخلاقية، حيث يفضي هذا كله إلى الهوية الكلية، إن المجتمع- أي مجتمع- هو نظام متعال على الفرد، بحيث يصبح آمراً، بهذا المعنى هو سلطة، في كل حالٍ يكون فيها المجتمع سلطة كلية يغيب الفرد، والفرد بدوره إما أن يستسلم لهذا الانصهار في الكل، ويخضع للأمر الاجتماعي، أو يقوم بانحياز وتمرد عليه، في الوطن العربي المجتمع المتكون سلطة سياسية واجتماعية وأخلاقية، قاهر للفرد، والفرد الذي يسعى للانزياح والتمرد يتعرض لعقوبة قانونية وأخلاقية، وبالتالي إن أهم ما يمكن أن يقوم به المثقف هو الدفاع عن الفرد، بوصفه حراً، مقابل السلطة الاجتماعية القامعة، لكن هذا التحرر من حيث انجازه لا يقوم به فرد واحد، بل لا يكون إلا في إطار حالة من التمرد والتحرر، يستطيع فيها الفرد عبر انتصاره أن يقول: "ها أنا"، يتحرر الفرد من الحكمة الزائفة التي تعوذ بالله من كلمة أنا، بل يسير مفتخراً إذ يقول: "ها أنا"، وعندي أننا نعيش الآن لحظة ولادة الذات، أي الأنا الذي صار فاعلاً، في سيرورة لا أستطيع أن أحدد مدتها، ولكن أكبر تعبير عن ولادة الذات هي "لا"، كلما اتسع نطاق "لا" تأكد وجود الذات، وتحررها من سيطرة نحن، دون أن يعني ذلك إطاحة بالعلاقة المعشرية بين الناس بل إن العلاقات المعشرية تغدو علاقات في حقل الحرية».

تأسيساً على ما سبق، فإن الذات وهي تؤسس هويتها الخاصة، لا تنفي تلك الهوية التي تكتسبها في حقلها الثقافي الموضوعي، لكن الكل الاجتماعي، حتى لو نظرنا إليه من زاوية أنه بنية، فإنه ينطوي على التعدد والاختلاف، بل قل: إن من يسعى إلى جعل الكل الاجتماعي متشابهاً، يسعى في الوقت نفسه إلى إماتة المجتمع، بل هذا نمط من الاستبداد والفاشية، حتى ولو لم يعلم صاحبها بذلك، فالحكمة في كيف يعبر الأنا وتعبر الذات عن هويتها في حقل الاختلاف، وكيف تبني علاقات معشرية تؤسس للاختلاف، الحزب مثلاً هو مجتمع صغير، الدخول إليه فعل طوعي، خيار حر، الذات داخل الحزب، خاضعة لقوانين الحزب ونظامه، لكنها حرة في أن تكون داخل الحزب أو لا تكون، وقس على ذلك النقابة والنادي، إذاً إن حضور الفرد داخل المجتمع يكون حضوراً خلاقاً، إذا كان المجتمع هو مجتمع مدني يجسد تعبيرات المجتمع المتنوعة، فلا يذوب الفرد داخل الجماعة، ولا يعيش الفرد خارج الجماعة، وهذا هو معنى الحرية، لو نظرت الآن إلى السلط القامعة لحضور الذات، لتجدها السلطة السياسية والدينية، والأخلاقية، قيم، عادات، تقاليد، هذه السلط تحمل الإنسان على أن يسلك وفق إرادتها، في المجتمع المدني حيث التنوع والاختلاف يختار الفرد الجماعة، الذي يريد أن ينتسب إليها، أو لا يريد، بهذا تحقق وحدة التنوع والاختلاف

وعن أهمية القاسم المشترك المجتمعي الذي يؤسس لثقافة جمعية ذات استقلالية، بمعنى بناء شخصية بنيوية منفردة مستقلة، أوضح الدكتور "احمد برقاوي" بالقول: «تأسيساً على ما سبق، فإن الذات وهي تؤسس هويتها الخاصة، لا تنفي تلك الهوية التي تكتسبها في حقلها الثقافي الموضوعي، لكن الكل الاجتماعي، حتى لو نظرنا إليه من زاوية أنه بنية، فإنه ينطوي على التعدد والاختلاف، بل قل: إن من يسعى إلى جعل الكل الاجتماعي متشابهاً، يسعى في الوقت نفسه إلى إماتة المجتمع، بل هذا نمط من الاستبداد والفاشية، حتى ولو لم يعلم صاحبها بذلك، فالحكمة في كيف يعبر الأنا وتعبر الذات عن هويتها في حقل الاختلاف، وكيف تبني علاقات معشرية تؤسس للاختلاف، الحزب مثلاً هو مجتمع صغير، الدخول إليه فعل طوعي، خيار حر، الذات داخل الحزب، خاضعة لقوانين الحزب ونظامه، لكنها حرة في أن تكون داخل الحزب أو لا تكون، وقس على ذلك النقابة والنادي، إذاً إن حضور الفرد داخل المجتمع يكون حضوراً خلاقاً، إذا كان المجتمع هو مجتمع مدني يجسد تعبيرات المجتمع المتنوعة، فلا يذوب الفرد داخل الجماعة، ولا يعيش الفرد خارج الجماعة، وهذا هو معنى الحرية، لو نظرت الآن إلى السلط القامعة لحضور الذات، لتجدها السلطة السياسية والدينية، والأخلاقية، قيم، عادات، تقاليد، هذه السلط تحمل الإنسان على أن يسلك وفق إرادتها، في المجتمع المدني حيث التنوع والاختلاف يختار الفرد الجماعة، الذي يريد أن ينتسب إليها، أو لا يريد، بهذا تحقق وحدة التنوع والاختلاف».

الدكتور أحمد برقاوي

أما نظم المعلوماتية التي ترتبط بتغيير آلية التواصل وتقنياتها، وما أفرزته على الفرد والمجتمع، فأوضح رؤيته الأستاذ الدكتور "أحمد برقاوي" بقوله: «حسناً إنها ثورة المعلومات أو قل هي ثورة في التواصل المعلوماتي، حيث المعرفة الآن سهلة المنال، وحيث الفرد باستطاعته وبكبسة على الزر أن يعرف ما كان يحتاجه جده أو أبوه إلى أيام بل إلى شهور لمعرفته، الثورة المعلوماتية هذه عبر الثورة الالكترونية، جعلت الفرد قادراً على أن يصل الحقيقة مهما حاول أعداء الحقيقة إخفاءها من جهة، ومن جهة ثانية على معرفة الباطل أيضاً انطلاقاً من وعيه ذاتي، من المعلوم أنه في كل العالم أنظمة منع، منع المعلومة، أية معلومة كانت، وبدرجات متفاوتة طبعاً، أما الآن فمهما حاولت أي سلطة أن تمنع ليس باستطاعتها ذلك.

وأنا أتحدث عن إيجابية الثورة المعلوماتية، لا أنسى أن أشير إلى خطر العزلة، حيث يجلس الكائن وجهاً لوجه أمام آلة صماء ملأى بكل ما يشتهي من معرفة آخر أخبار الفيزياء، إلى اللعب، إلى مشاهدة أفلام "البورنا"، ولهذا فإن حقل الثقافة يحدد علاقة الفرد بالثورة المعلوماتية، لا شك أن المجتمع يعاني من كبت جنسي سيفضي إلى علاقة بين الفرد وهذا الحقل الموجود في الإنترنت، وبالعكس، في مجتمع لا يعاني مثل هذا فإن الوقت الذي قد يصرفه رجل غربي أو شاب غربي يكاد أن يكون معدوماً، بالمقابل أن مجتمعاً يمنع السياسة وأخبار السياسة يحمل الفرد على أن يستقي معلوماته السياسية من مجتمع آخر، المهم في الأمر أن الحجاب القديم قد تمزق، وصار الكائن قادراً على الرؤية المباشرة للأشياء، سواء كما هي، أو كما تبدو، لأننا حتى ولو آمنا بانتشار المعرفة، فإن للمعرفة إيهاباً أيديولوجياً لا نستطيع الفكاك منه».

الدكتور أحمد برقاوي أثناء الحوار

وبرؤية فلسفية ذات بعد سياسي بين "د. برقاوي" مقومات الديمقراطية ومكان الحرية فيها بالقول: «الديمقراطية هي نظام كلي ليست نظاماً سياسياً فقط بل نظام سياسي، اجتماعي، أخلاقي، اقتصادي، معرفي، يقوم على اعتبار الفرد الإنسان الذات غاية الغايات، بوصفه حراً في خياراته، وهي أرقى درجة الآن وصلت إليها البشرية من درجات علاقة الإنسان بالعالم، في السياسة أنت تختار حكامك، في الديمقراطية يكون الحاكم موظفاً أول من موظفي الدولة، ومؤقتاً، قوياً بسبب خيارات الناس، وبالتالي ليس لديه قوة مستقلة بل مستمدة من البشر، والبشر بدورهم قادرون على أن يسلبوه هذه القوة إذا أرادوا ذلك في عملية انتخاب جديدة، في الديمقراطية يصير الفرد حراً في القول، والتعبير، والتفكير، لا يردعه إلا شيء واحد، هو عدم الاعتداء على الآخر ولهذا باستطاعتي أن أعرف الديمقراطية بأنها انتصار الآخر، حضور الآخر في الحياة، في ديمقراطية يكون القانون ثمرة إجماع الشعب، عبر وسائل تؤكد سلطة الشعب "الانتخاب، والاستفتاء"، وما شابه ذلك، في الديمقراطية ما إن ينتج المجتمع سلطاته حتى يخلق من ذاته قوة الحد من سلطات السلطات التي أنتجها، من هنا الديمقراطية انتصار الفرد، وانتصار الفرد في ديمقراطية، هو تحقق ما للحرية، لأن الحرية مفهوم أوسع من الديمقراطية، وبالتالي الديمقراطية هي تعين للحرية، للحرية الفردية، وللحرية الاجتماعية، بحيث لا يخضع الفرد إلا لقوانين تحمي حرية الآخر، كما تحمي حريتك، ولهذا بالاستطاعة أن أغير قول "ديكارت" "أنا أفكر إذاً أنا موجود" بقول بوحييه "أنا حر إذاً أنا موجود" لأن الحرية، هي التحرر ما أمكن من اغتراب الإنسان عن ذاته وحقيقته أنه كائن حر».

وكان للدكتور "أحمد برقاوي" رأياً حول التغيرات الجديدة في مفاهيم الحياة التي فرضت على الحالة الأخلاقية ضغوطات كبيرة، باعتبار النموذج الأخلاقي قادراً على الحفاظ على وجوده في تكوين الشخصية بقوله: «هناك قول "لباسكال": "إن الحقيقة ما قبل جبال البرنيه، خطأ ما بعدها"، وأضيف إن الأخلاق هي الأخرى ما قبل جبال "البرنيه" ليست ما بعدها، وأضيف أيضاً إن الأخلاق ما قبل قرن من الزمان ليست هي ما بعد هذا القرن الذي مضى، زبدة القول: إن التغيير الاجتماعي يفضي بالضرورة إلى تغيير أخلاقي، دعني قبل أن أفض هذه العلاقة، أن أتوقف عند الأخلاق ذاتها.

ما الأخلاق؟ إنها مجموعة من الأوامر التي "من حيث المبدأ تحمي الإنسان"، وفق مستوى تطور المجتمع ذاته، هناك مبادئ أخلاقية عامة، لا تقتل، هذا من المبادئ الأخلاقية الباقية والمجمع عليها، لا تقتل، لا تسرق، هو الآخر مبدأ أخلاقي، لكن لم تعد البشرية تلتزم بمبدأ لا تزني، ففي كل بلدان أوروبا تقوم علاقات جنسية دون عقد زواج شرعي، وفي بلداننا تقوم هذه العلاقات بشكل سري، هذا المبدأ الذي كان مبدأ أخلاقياً لم يعد مجمعاً عليه، لكن المجتمع نفسه يخلق قيماً خاصة به، الثأر عادة أخلاقية، هي من عادات المجتمع البدوي والفلاحي، إذا نظرت إليه الآن ستجد أن تحطيم البنى الفلاحية والبدوية نسبياً، ووجود سلطة قانون قادرة على الاقتصاص أو القصاص، يلغي هذه القيمة، وبالتالي تتغير الأخلاق بتغير البنى الاجتماعية، المرأة بالأساس خطاب أخلاقي، ونقاشات في مطلع القرن، حوّل عمل المرأة أو عدم عملها، لم تعد ذات أهمية الآن، عمل المرأة حالة أخلاقية جديدة، بتغير نظرة المجتمع إلى المرأة، وقس على ذلك عادات القرابة وقيمها، ولهذا فإن تطور المجتمع ذاته يفضي إلى تطور القيم الأخلاقية وتغيرها، هذا من جهة، من جهة ثانية، فإن أثر الثقافات المتقدمة والقوية على ثقافات المجتمعات الأقل تطوراً كبير جداً، وخاصة في حقل الفئات الوسطى والمثقفة، وهذا بدوره أدى إلى خلخلة منظومة القيم السائدة وأصبحنا أكثر ميلاً للتشبث بقيم الغرب، وليس هذا من قبيل العيب بل من قبيل الحركة الموضوعية للعلاقة بين الثقافات».