«إشكالية اللغة العربية في المواقع الالكترونية»، هي ورشة العمل التي أقامتها وزارة الإعلام- معهد الإعداد الإعلامي بالتعاون مع الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب في جامعة الدول العربية، في "مكتبة الأسد" بـ"دمشق"، من 5-7/12/2010، وتضمنت أربعة محاور أساسية هي: الخصوصية اللغوية في المواقع الإلكترونية، تجارب في المواقع الإلكترونية، واقع وآفاق اللغة العربية في المواقع الإلكترونية، التقانات اللغوية الخاصة بالمواقع الإلكترونية.

وتناول اليوم الأول المحورين الأولين بعد جلسة الافتتاح، حيث تحدث الأستاذ "حسن م. يوسف"1 عن واقع اللغة العربية في المواقع الإلكترونية، والانحدار الذي وصلت إليه في بعض مواقع الدردشة، خاصة لدى الفتيان والفتيات؛ جيل المستقبل، وخطر ذلك على اللغة التي يجب أن نحصّن بها الجيل من الغزو الثقافي والعولمة التي تحاول طمس هويات الآخرين.

تلك التي تلتزم قواعد المنظومة اللغوية بمستوياتها النحوية والصرفية والدلالية ورسمها الإملائي. وعليه تكون اللغة غير المعيارية هي تلك التي لا تلتزم ثوابت تلك المنظومة اللغوية وأصولها، فتسمح لنفسها بالخروج على قواعدها وأحكامها

وعرّف اللغة بقوله: «اللغة ليست مجرد أداة للتواصل بين البشر بل هي جوهر الهوية الوطنية والإنسانية، إنها شعاع من روح يحفظ تراث الأفراد والمجتمعات ويقدمها لغيرهم من الأفراد والمجتمعات. ووصف ابن خلدون اللغة بأنها "الوسيلة التي تترجم ما في ضمائرنا من معانٍ وأنها مرآة للعقل تعكس ما يحتويه؛ فإن هي تصدعت وضعفت أوهنت الجهد، وحرمت الدقة، ومنعت تسامي العقل والقلب"».

حسن م يوسف- ممدوح خسارة- نبيل الدبس- أروى الشمالي

وأورد الباحث العديد من تقارير التنمية الإنسانية العربية والعالمية التي تحذر من الأمية وقلة مستخدمي الفصحى وأسبابها، وقلة الترجمة من وإلى اللغة العربية، كما استشهد بنصوص كثيرة لكبار الأدباء والمفكرين تؤكد أهمية اللغة، والحاجة إلى تطويرها والعناية بها.

وتناول الدكتور "ممدوح خسارة"2 في محاضرته "إشكالية اللغة غير المعيارية في الكتابة الإلكترونية" عرّف من خلالها اللغة المعيارية بأنها «تلك التي تلتزم قواعد المنظومة اللغوية بمستوياتها النحوية والصرفية والدلالية ورسمها الإملائي. وعليه تكون اللغة غير المعيارية هي تلك التي لا تلتزم ثوابت تلك المنظومة اللغوية وأصولها، فتسمح لنفسها بالخروج على قواعدها وأحكامها».

المهندس رشاد كامل

ثم تناول أهم مواضع تمركز اللغة العربية غير المعيارية في النشر الإلكتروني: مواقع الدردشة على الشابكة، الرسائل النصية في الهاتف الجوال، أشرطة المراسيل المتحركة والثابتة في الفضائيات، بعض مواقع الأفراد الشخصية على الشابكة، بعض المواقع التي تروّج للعامية وتقعّد لها عن قصد، وتطرّق إلى أشكال هذه الكتابة من عامية أو بلغة أجنبية أو برموز وأرقام أو بكلمات دخيلة... إلخ... ثم أجمل مخاطر اللغة غير المعيارية على اللغة العربية الفصحى، بدءاً من ترسيخ العامية إلى "ليتنة" الكتابة العربية (كتابتها بالأحرف اللاتينية) وهو ما تسعى إليه قوى غربية، أو إدخال الكلام الهجين بكثرة إلى اللغة، وتعميم الكثير من الأخطاء النحوية والإملائية، ومن ثم تغيير الألفباء العربية بإدخال أصوات ورموز أجنبية عليها، والإسهام بضحالة المحتوى العربي على الشابكة.

وتحدث الدكتور "فرقد الرمضاني"3 في محاضرته "رأي في قيمة وجودة المحتوى العربي على الانترنت" متناولاً أهم المصطلحات وأهداف ورقة العمل ونظرة موجزة على المحتوى العربي الموجود حالياً على الإنترنت، طارحاً نماذج من المعايير العالمية للكتابة الإلكترونية، وضرورة وضع معايير لتقييم جودة وقيمة المحتوى العربي على الشابكة، مقتطفاً من دراسة الإسكوا ESCWA (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا) حول أهمية المحتوى العربي على الانترنت وضرورة تطويره.

الأستاذ حسين الإبراهيم

أما الأستاذ "مروان ناصح"4 فطرح في محاضرته "العامية في المواقع الإلكترونية" إشكالية اللهجات العامية في الإنترنت وخطرها على اللغة العربية الفصيحة، وأسباب انتشارها، وخاصة على مواقع المنتديات الحوارية. موضحاً أنه «إذا كان المجال لا يتسع لإعادة الحديث في أهمية اللغة العربية الفصيحة لأبنائها؛ وما تمثله لهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، في تشكيل وجودهم الحضاري وهويتهم المميزة، فلا بد من الإشارة إلى أن الجهل بالعربية وعدم إتقانها ومعرفة أساليبها والمقدرة على الكتابة بها على نحو سليم وفصيح، هو القاسم المشترك الذي يدفع بالكثيرين إلى الهرب نحو العامية في الكتابة، وهو الأمر الذي يضع الجهات التربوية والتعليمية أمام مهامها ومسؤولياتها، لتلافي وجوه التقصير في العملية التعليمية وأساليبها منذ الطفولة المبكرة».

وألقى المهندس "رشاد كامل" محاضرة بعنوان "تطوير المحتوى العربي على الانترنت.. تجربة eSyria"، تناول فيها تجربة موقع "مدونة وطن" في إيجاد المحتوى السوري المطلوب على شبكة الانترنت، وتحفيز المواطنين السوريين على استخدامها والاستفادة منها، ومساعدة المطورين ومستثمري الانترنت السوريين في سورية والعالم على توسيع قاعدة المستفيدين من خدماتهم على الانترنت.

وأضاف: «تمَّ تأسيس مشروع "eSyria– مدونة وطن" ضمن إطار مبادرات الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في تطوير المحتوى الرقمي العربي على الشابكة "الإنترنت"، ومشروع "eSyria" استهدف قطاعاً من المحتوى التدويني والخدمي بحيث يحقق حالة من المتابعة لمحتوى رقمي عربي وسوري غير إخباري وغير مرتبط بالزمن.

فمعظم المواد التي تمَّ صنعها من قبل فريق العمل في المشروع والتي بلغ عددها إلى تاريخه 42 ألف مادة، تدوّن "الحدث، اللقاء، الظاهرة، المكان، الشخصيات.. الخ" بشكل يمنحها قيمة ممتدة زمنياً تجعلها جاهزة للتصفح مراراً وتكراراً لعشرات السنوات وصولاً لأن تكون مرجعاً عن سورية والسوريين.

ومن ضمن الطيف المتوافر للمحتوى الرقمي العربي "السوري" اختص مشروع "eSyria" بالقسم الأقرب للتدوين المعتمد المحتوى المفيد والمحتوى المحفز والمحتوى التنموي بالإضافة إلى المحتوى الخدمي.

وتحدّث عن المواقع الخدمية والإعلامية في المدونة، وما هو قيد الإنجاز من المواقع، والمواقع المخطط إنجازها خلال العامين المقبلين 2011 و2012. وتحدث عن خصائص العمل في الموقع واللغة التي تتصف بالدقة- المباشرة- عدم المبالغة- السهولة، وعن التخطيط المسبق لما يتم نشره وما يحتاجه من تدريب.

وتساءل ما الذي حققناه منذ عام 2008؟: «الجائزة البرونزية للمواقع الإعلامية العربية في مسابقة pan Arab awards في دورته الرابعة عام 2008. شهادة تكريم من المتحف الإثني التابع لبلدية برشلونة- إسبانيا نشره موقع eDamascus في شهر (6/2008). جائزة "أفضل بوابة خدمية استراتيجية" على المستوى العربي عن موقعه "دليل المواقع السورية" في مسابقة pan Arab awards للعام في دورته الخامسة عام 2009. والأهم 49 مليون صفحة تم قراءتها عبر موقعنا... مدونة وطن».

أما الأستاذ "حسين الإبراهيم" فتحدث عن "المكون المعرفي واللغوي في المحتوى الرقمي العربي" معرفاً المحتوى بأنه النتاج اللغوي والتعليمي والخدمي والثقافي لمجتمع أو لفئة أو لمجموعة، النتاج الذي يشكل البيانات والمعلومات الخاصة (نصوص ورموز وصور)، ومن علاقات تجمع بين هذه العناصر، ومتحدثاً عن صناعة المحتوى الرقمي وأن المحتوى هو الهدف، وأن هناك علاقة جدلية بين المحتوى والحامل وهذه العلاقة تعني أن أي تطور في الحامل يجب أن يتبعه تطور في صناعة المحتوى، وأي تطور في المحتوى سواء من حيث المعطيات أو الهدف يجب أن يتبعه تطور في الحامل.

وأوضح أن «أهمية المحتوى: من أهمية المعلومات والبيانات المتضمنة- من الحاجة إلى هذه المعلومات- من قدرة المهتمين بهذا المحتوى على الوصول إليه والتفاعل معه، سواء من حيث اللغة أو آليات التواصل (كتب- معارض آثار- متاحف- صحافة- إذاعة- تلفزيون- إنترنت... إلخ)- المحتوى هو الهوية الخاصة بالمجموعة أو المجتمع الذي تنتمي إليه، وهذا يعني أن غياب المحتوى يعني حلول التبعية بديلاً من الأصالة في التواصل والتفاعل مع العالم، لأن الأصالة تبنى على المكونات المجتمعية الذاتية».

وأكد أن المحتوى الرقمي هو الحامل الأساسي للغةِ في مجتمع المعرفة، وأن هناك نوعين للتبادل اللغوي: للاستهلاك (الأدب)- للإنتاج (العلم والتكنولوجيا). وأن الحياة في المحتوى الرقمي لأن العالم يتجه نحو مجتمع المعلومات، أي المجتمع الذي تتحول فيه أدوات التواصل والتفاعل إلى النموذج الرقمي، فإن المحتوى التقليدي غير الرقمي سيصبح بعيداً عن متناول اليد، من حيث المكان والزمان، والمحتوى الرقمي يتدخل في صناعة الإعلام وصناعة الخدمات وفي جميع الصناعات الحديثة من خلال تحويل المعلومات إلى أداة إنتاجية، والاقتصاد المرتبط بهذه الصناعات يستمد استمراريته من خلال تفاعل هذه المعلومات مع المتطلبات والإمكانات وبالتالي يرتقي المحتوى الرقمي إلى موقع متقدم في الاقتصاد القائم على المعرفة.

وتحدث عن المحتوى الرقمي والإنترنت، وعن نموذج الحاسة السادسة الرقمية وأنها منصة معلومات جديدة تستعد لدخول السوق، مكوناتها اتصالية وإعلامية، فلسفتها تنتمي إلى نموذج إعلامي مختلف يطلق عليه (معلومات تحت الطلب). وآلية عملها تعتمد على ربط المعلومات الوافدة بمعلومات مخزنة وتحقيق التفاعل فيما بينها ومن ثم الحصول على المعرفة وبالتالي اتخاذ الموقف أو القرار، والصحيفة ـ الشاشة. وختم بمجال عمل الفريق ومهامه.

1- حسن م. يوسف: مواليد 1/2/1948 الدالية- اللاذقية، صحفي وكاتب قصة ومسرحية وسيناريو ومترجم عن الإنكليزية، له العديد من المؤلفات.

2- د.ممدوح خسارة: مواليد 2/9/1941 قطنا- دمشق، دكتور في فقه العربية من جامعة دمشق، عضو مجمع اللغة العربية، أستاذ جامعي، عضو اتحاد الكتاب العرب، له العديد من المؤلفات.

3- د. فرقد الرمضاني: دراسة الدكتوراه في الهندسة والتطبيقات المعلوماتية عام 1984 – جامعةUCC - بريطانيا - النمذجة الحاسوبية Computer modeling. عضو في نقابة المهندسين– فرع مدينة دمشق– 1974. مهندس تنفيذ– لجنة إعمار مزارع الدولة– 1973- 1974. خبرة واسعة على مدى (37) عاما تشمل مختلف جوانب التطوير الإداري وتنفيذ المشاريع واستخدام التقانات المعلوماتية والاتصالات والإعلام من دراسات واستشارات فنية تحليلية وتصميمية وإعداد دفاتر شروط فنية وتقويم عروض وإلقاء محاضرات ونشر مقالات وتقديم برامج إعلامية معلوماتية وعلمية.

4- مروان ناصح: مواليد 1951 ميادين- سورية. إجازة في اللغة العربية 1973. مدير القناة الفضائية السورية 2004-2007. مدير قناة سورية دراما 2009-2010. له مساهمات إعلامية وأدبية كثيرة. عضو اتحاد الكتاب السوريين والعرب، عضو اتحاد الصحفيين والعرب، عضو اللجنة الوطنية لتمكين اللغة العربية.