تؤكد المصادر التاريخية التي تحتفظ بها وزارة الثقافة السورية أن الكتاب ساهم بشكل أو بآخر في تطور المعارف ومسيرة البشرية, فقد كان موجوداً بأشكال متعددة بدءاً من الرقيم المسماري الذي كتبت عليه كل الآثار القديمة بواسطة آلة مسمارية حادة تشبه المسمار فسموها الكتابة المسمارية التي لها ولادة ضخمة في مواقعنا الأثرية منذ الألف الثالث قبل الميلاد وحتى في الكتابة التصويرية في الألف الرابع قبل الميلاد في "إيبلا، ماري، مسكنة و أوغاريت"،

إضافة إلى العديد من المواقع المختلفة التي شملتها أعمال التنقيب الأثري، فقد أحصي أكثر من 60 ألف رقيم مسماري اكتشف في هذه المواقع وكلها توثق لمراحل مختلفة مرت على سورية منذ بدايات الكتابة الأولى وحتى وقتنا الراهن، وفي سورية وجدت أول القواميس في العالم في "ايبلا، ماري و أوغاريت", ووجدت في أول وسائل التعليم، فالكتب التعليمية للطلاب في كل مرحلة كان لها كتاب وكان لها أسلوب التعليم الواحد, وأول معاهدات السلم بين الدول والدفاع المشترك وجدت في "ايبلا" 2400 قبل الميلاد، وأول القوانين والدساتير والأساطير والآداب وجدت من خلال هذه الرقيمات, إذاً القراءة كانت متأصلة في بلادنا منذ تلك العصور حتى وقتنا الراهن واستمرت في التألق, أول مطبعة وجدت في "حلب" في القرن الثامن عشر, ولذلك المطابع السورية كانت من بدايات المطابع التي وجدت في البلاد العربية, ودور النشر كانت في أوائل القرن الماضي ومستمرة بشكل متألق تقدم الكتاب بأسعار رخيصة وبآفاق عالمية واسعة.

إن لدور النشر أهمية كبيرة في تعزيز قيمة الكتاب وتنشيطه بين المجتمع، وذلك يكون من خلال إصدار الكتب بطريقة أنيقة وراقية بعيدة عن تلك الكلاسيكية التي مازالت تجمع في رفوف مكاتبنا المنزلية، فبرأي العولمة ليست فقط دخول الانترنت والتعامل مع الالكترونيات، بل بإدخال الأنماط الحديثة إلى الكتب التي تجذب القارئ وتحفزه على عملية القراءة

دور النشر وتغيير نمط طبع الكتاب

كتب من دون قراء

الطالب "مفيد بري" يقول: «إن لدور النشر أهمية كبيرة في تعزيز قيمة الكتاب وتنشيطه بين المجتمع، وذلك يكون من خلال إصدار الكتب بطريقة أنيقة وراقية بعيدة عن تلك الكلاسيكية التي مازالت تجمع في رفوف مكاتبنا المنزلية، فبرأي العولمة ليست فقط دخول الانترنت والتعامل مع الالكترونيات، بل بإدخال الأنماط الحديثة إلى الكتب التي تجذب القارئ وتحفزه على عملية القراءة».

"صهيب شريف" من "دار الفكر" يقول: «الكتاب كان عبر التاريخ الوسيلة التي غيرت حياة الإنسان، لأنه ذاكرة الإنسان، وبالتالي هو محتوى لتجارب مجموعة هائلة من البشر، فهي عملية لضم تجارب أشخاص آخرين لحياتنا، فالمعلومات التي يقدمها الإنسان للكتاب تقصر من عمر تجربته الشخصية، الكتاب حياة أخرى تضاف لحياة الإنسان، ونحن كدور نشر نحاول بطرق عديدة أن نصل إلى القارئ من خلال إدخال تقنيات ووسائل تخديم المعلومة بحيث تكون منافسة للوسائل الأخرى، وذلك بتجسيمها وتبسيطها وإدخال الإضاءة والألوان إليها، كما تلاحظون إن دور النشر السورية كافة تحاول جلب كتب للأطفال بطريقة سلسة وممتعة من خلال إدخال الأجسام النافرة إليها وإضافة الأصوات المرافقة لعملية القراءة، وبذلك نكون قد حافظنا على أهمية الكتاب ومكانته».

الاحتفال بالكتاب

التلفزيون وتأثيره على اختفاء الكتاب

يحدثنا الكاتب السوري الأب "إلياس زحلاوي" عن دور التلفزيون في عدم اقتناء الكتاب من قبل المجتمع، فيقول: «عقدت ندوات كثيرة في الفترة الأخيرة من عام 2010 حول الكتاب وكان مجموع المتحدثين يشكون من طغيان التلفزيون والانترنت, والحقيقة أن التلفزيون امتص تفكير الناس وامتص وقتهم وحياتهم، لا أريد أن أشير إلى مختلف الجوانب التي يمارس فيها التلفزيون تأثيراً سلبياً على حياة الناس ولكني أؤكد أن التلفزيون دفع الكثيرين إلى الإقلاع عن المطالعة, أما الانترنت فمشكلته مشكلة أخرى, إن عالم الانترنت متاهة تجرف كما يجرف السيل المعلومات وليس للإنسان القدرة على الغالب التمييز بين ما هو غث وما هو ثمين, الانترنت يضع أمامك كلما تريد وكل ما لا تريد، ويأخذ منك بالدرجة الأولى الوقت وخلال اختيارك لا تستطيع أن تعتمد مصداقية ما لاختيار هذا النص أو هذا الموضوع، المهم اليوم نحن كعرب أمام مشكلة كبيرة وهي إقلاع الناس عن المطالعة، مع أن الإنسان فِكر بالدرجة الأولى، والفكر كلمة والكلمة تحمل رسالة, فإذا غاب الفكر وغابت الكلمة وبقي الإنسان فما يمكن أن يبقى منه، وهل يبقى منه ما يترك له التلفزيون بعد كل ما يشاهد على شاشته, نحن اليوم بأمس الحاجة إلى تفكير الناس وضرورة العودة إلى الكلمة المكتوبة, لأنه باستثناء الكتابات السريعة والكتابات التجارية هناك من يكتب ليطرح فكراً، تاريخاً وعلماً، وهؤلاء الذين يكتبون عصارة أفكارهم وأبحاثهم, وأحياناً كثيرة يكتبون خبرة حياتهم، فنحن بحاجة ماسة إلى هذا الفكر وهذه الكتابة من خلال المطالعة واقتناء الكتاب».

معارض الكتاب ودور النشر

ويقول الدكتور "علي القيّم" معاون وزير الثقافة: «إن عادة القراءة لم تعد متأصلة ضمن عاداتنا الاجتماعية فلإنسان أصبح منشغلاً بالأمور الحياتية ومتابعة الفضائيات والدش والنت وغير ذلك من الوسائل التي حدثت في الصورة والتواصل مع العالم، والتي أصبحت قرية كونية بشكل أو بآخر أدى إلى تراجع دور الكتاب في حياتنا, إنه شيء خطير؛ لأن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده وإنما أيضاً بالكتاب، والكتاب أساسه كبير في التنمية البشرية، الثقافية والاقتصادية, قد تكون حلت محل الكتاب الكثير من الوسائل، مثلاً اللوح القارئ، الكمبيوتر والمحمول وغير ذلك، وهذا اختصر المسافة بين القارئ والكتاب, وأنا برأيي هذا ساعد على الانتشار».

يحدثنا الأب "إلياس" ويشير أنه يثق أن هناك تياراً سيخلق وسيدفع الكثيرين إلى المطالعة, لأن المطالعة هي وقفة جادة أمام كلمة جادة, أما التلفزيون فيستهلكك وقلّما يعطيك شيئاً مهماً مثل الكتاب، وإذا أعطاك فيعطيك ما لا تتمنى، وخلال حديثنا عن أهمية اهتمام دور النشر والجهات المعنية بتعزيز دور الكتاب في المجتمع، حدثنا الأب "إلياس" عن دور اتحاد الناشرين ووزارة الثقافة في تعزيز دور الكتاب وسهولة طبع الكتب قائلاً: «هناك أولاً غلاء في الكتب, فإذا قارنت ثمن الكتاب بمجتمعنا بمدخول الناس, تجد أن هناك فارقاً هائلاً بالمقارنة مع الغرب, ففي الغرب مدخول الناس مرتفع، ومهما كان ثمن الكتاب غالياً يكون في متناول أيدي الشعب, في مجتمعنا ترى أن ثمن الكتاب باهظ، فلا يستطيع الكثيرين اقتنائه, ومن خلال ما نشر لي كانت هناك شكوى دائمة من سوء التوزيع, بالإضافة إلى المراقبة المفروضة من قبل الدول العربية الأخرى على ما تنشر من كتب في سورية, نحن نعاني من سوء توزيع وسوء تعريف, فاتحاد الكتاب ووزارة الثقافة تطبع كل عام مئات الكتب وجميعها تبقى محصورة في المكتبات ولا أحد يعرف عنها, من يقارن ما تقوم من برامج مثلاً في التلفزيون الفرنسي على صعيد تعريف الكتاب والكتب، يتفاجئ بما لدينا من فقر في هذا الصعيد، فعندما ظهرت في أوربا الأقراص المرنة "السيديات" الكثيرون قالوا سيموت الكتاب, لكنه مازال يناضل بالبقاء، فالواقع أن الكتاب متعة للعين والفكر بينما الأقراص المرنة هذه لا تستطيع أن تصغي إليه لفترة طويلة على عكس الكتاب تجد متعة في قراءتها، إننا مقصرين بتطوير دور الكتاب من حيث الجهات المسؤولة والمجتمع الأهلي الذي يجب أن بساهم في تعزيز دوره في المجتمع من خلال الفعاليات الأهلية المختلفة».

اتحاد الناشرين السوريين..الانترنت من الأوعية الجديدة لضم المعلومات

عن دور اتحاد الناشرين السوريين في تعزيز دور الكتاب يحدثنا الأستاذ "محمد عدنان سالم": «الكتاب في نظري هو الكتاب سواءً كان ورقياً أو إلكترونياً، الورق هو مجرد وعاء من أوعية استيعاب المعلومات خدم الإنسانية فترة طويلة من الزمن حوالي خمسة آلاف عام منذ اكتشاف الورق عند الصينيين، والآن التفجر المعلوماتي لم يعد باستطاعة الورق استيعابه، لقد كانت معلومات الإنسان تتضاعف خلال قرون، والآن تتضاعف المعلومات البشرية خلال العقد الواحد أكثر من مرة، فلم يعد الورق قادراً على ضم المعلومات، فالانترنت هو وعاء جديد من أوعية المعلومات التي يبتكرها الإنسان من أجل ضمها، كما إن الإنسان كان يكتب على ألواح الطين والحجر ومن ثم انتقل إلى الورق والآن الانترنت، المهم هو القراءة التي تنمي وتحفز القارئ في اقتناء الكتاب الورقي أو الالكتروني، ونحن هنا بدورنا في اتحاد الناشرين السوريين نحاول أن نجذب أكبر قدر من القراء لاقتناء الكتاب وقراءته، فهناك عدد من الجهات المعنية بتنمية عدد القراء ومقتني الكتب، ونحن بدورنا المعنييون الأساسيون في تنمية عدد القراءة في المجتمع، حيث أن المكتب التنفيذي في الاتحاد وبحكم قانون تأسيسه يضم إلى جانب الناشرين كل المؤسسات المعنية بالثقافة، كما أننا بادرنا بإقامة معرض "ربيع الكتاب" رغبة بتشجيع القراءة والمضي قدماً نحو تعميق دور الكتاب بين المجتمع».

وزارة الثقافة..حملات عديدة لتشجيع القراءة

حسب الوثائق المدونة لدى وزارة الثقافة في عام 2009 تم طبع 170 كتاباً مطبوعاً من قبل الهيئة العامة السورية للكتاب، 20 كتاباً للأطفال، 15 كتاباً سينمائياً منجزاً تم طبعه، كما بلغ عدد رواد مكتبة الأسد خلال عام 2009، 115ألف زائر، إضافة إلى المعارض المختلفة التي أقيمت للكتاب في مراكز متعددة.

هنا وخلال لقاء موقعنا بالدكتور "علي القيّم" معاون وزير الثقافة حدثنا عن أهمية الكتاب ودور المجتمع الأهلي في تنميته: «إننا نحاول بدورنا في وزارة الثقافة بتشجيع القراءة والحفاظ على مكانة الكتاب، وقد قمنا في الفترة الأخيرة بدأنا في الهيئة العامة السورية للكتاب التابعة للوزارة بتقديم "وجبة ثقافية" يومية بشكل مجاني للقراء والمثقفين السوريين والعرب، حيث قامت الهيئة منذ أشهر بتحميل كتاب مجاني من إصداراتها على موقعها الإلكتروني كل يوم، وذلك بهدف تمكين أي متصفح في سورية والوطن العربي والعالم من قراءة الكتاب وتحميله مجاناً، كما تم تحميلها بأكثر من صيغة؛ بصيغة الوورد والـ pdf، وهي خطوة نحو تعزيز دور الكتاب في المجتمع».

يتابع الدكتور "علي" حديثه عن القراءة والكتاب في التاريخ السوري، فيقول: «إذا ذهبنا إلى التاريخ نجد أن القراءة كانت موجودة ومتأصلة لدى الشعب العربي السوري واستمرت في الخمسينات وحتى وقتنا الراهن بشكل أو بآخر، وهناك عدة عوامل ساهمت بابتعاد الإنسان عن القراءة أهمها الأساليب التعليمية التي الهدف منها ليس التعلم والتثقف بل النجاح في الامتحان فقط, الهدف منها ليس التعلم إنما جمع المعلومات بطريقة "ببغائية" للدخول إلى كلية الطب، الصيدلة أو الهندسة، لذلك نحن بحاجة إلى هذا الفصل القرائي بالدخول إلى المدرسة والمراحل الجامعية المختلفة حتى إلى أساليب حياتنا الاجتماعية، فنحن نادراً ما نسمع أن شخصاً زار مريض أو في فرح أو أية مناسبة وقدم كتاباً, فالكتاب غير موجود في حياتنا الاجتماعية».

يتابع الدكتور "علي" حديثه ويشير إلى دور المجتمع الأهلي في تنمية قيمة الكتاب، قائلاً: «لم يلغى دور الكتاب الورقي في حياة الناس, كما أن عدد الكتب المطبوعة في العالم المتقدم هي كثيرة ولا تتراسخ كما حصل لدينا في الوطن العربي, الوطن العربي يطبع في العام ألف نسخة ويحتاج لأربع سنوات حتى يتم نشرها, معنى ذلك أن لكل مليون نسمة في الوطن العربي نسخة واحدة من هذا الكتاب بينما حصة المواطن الأمريكي 11 نسخة والمواطن الانكليزي 30 نسخة, وفي بعض الدول تصل إلى 39 كتاب مطبوع لحصة المواطن الواحد, هذا يدل أننا أهملنا الكتاب وتراجع دوره وأهملنا دور المكتبات في المدارس والمنازل وفي الأحياء, وهنا يقع دورنا بتوجيه دعوة للقيام بالنهضة في مجال الطباعة وتوسيع الكتاب وإقامة الندوات التي تحرك بدوره عملية التثقيف الشاملة، ولاشك أن هذه العملية لايمكن أن تقوم بها لا وزارة الثقافة ولا وزارة التربية لوحدها، فلابد من مشاركة كل المجتمع الأهلي والمؤسسات الثقافية، الاقتصادية والفكرية وحتى التجارية، لأنه ثبت علمياً أن تنمية الإنسان هي استثمار هذه النواحي, فالكثير من دول العالم المتقدمة لا تعطي موافقات لإقامة أي شركة خاصة إلا إذا كان هناك بند أساسي لدعم المشاريع الثقافية وهذا متأصل في "فرنسا، ايطاليا اليابان وألمانيا" والكثير من دول العالم المتقدمة, نحن دائماً في القطاع الخاص ، يبعد عن الإنسان المشاريع الثقافية لأنه يعتبرها مشاريع غير ربحية وتحمل أعباء مالية، لكن ثبت علمياً أيضاً أن الإنسان المثقف هو الذي يعي قيمة السلعة ويعي قيمة ما يملك، هناك من يقول أن الكتاب أصبح يحتضر، وهذا شيء غير دقيق، فصحيح أن هناك في الأسواق اللوح القارئ والكثير من المكتبات الضخمة وبعض مكتباتها في تصرف القارئ, ولكن هذا التصرف لن يكون مجانياً، هناك كلفة على القارئ, وتبقى كلفة الكتاب أقل, لأن كلفة القراءة نوع من الالتزام الاجتماعي».