بهدف ايجاد صيغ تعاقدية في مجال التعهدات الهندسي من بدايتها وحتى نهايتها؛ والمحافظة على أفضل أداء للمهندسين الاستشاريين، وإيجاد حلول لمشاكلهم، قامت ثلاث جمعيات هندسية أوروبية في عام /1913/ بصياغة نظام يحدد العلاقة بين أطراف العقد الهندسي «المالك، المهندس الاستشاري، المقاول»؛ ابتداءً من تصميم المشروع وتحديد التفاتصيل الهندسية، مروراً بتحضير "عقد المقاولة" وانتهاءً بتوقيع هذا العقد.

أُنشئ لهذا النظام الذي تبنته العديد من دول العالم، "اتحاد المهندسين الاستشاريين" أو ما يسمى "فيديك" «"FIDIC": "International Federation of Consulting Engineers"»، هذا الاتحاد قام بمتابعة العقود الهندسية وتطورها في العالم- خصوصاً في المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية- وبحث العلاقة بين الأطراف المتعاقدة؛ وقام خبراء "فيديك" بتصنيف وإنشاء عقود تنظم العمل الهندسي المتطور، وتراعي حقوق والتزامات الأطراف المتعاقدة خاصة في العقود الهندسية الكبيرة، وجعلتها مرنة في ضوء اختلاف القوانيين والأنظمة المتبعة في البلدان المتعددة.

"FIDIC": "International Federation of Consulting Engineers"

أعطى "اتحاد فيديك" أثناء تصنيفه لهذه العلاقات والعقود ألواناً، فسمي المصنف الذي يتناول شروط "عقد المقاولة" "الكتاب الأحمر"، وسمي المصنف الذي يتناول العلاقة بين "المالك والاستشاري" "الكتاب الفضي"، وكذا بالنسبة "للكتاب الذهبي" الذي تناول مسألة عقود "تصميم وبناء وإدارة المشروع".

المحامي "محمد أنس غازي"

عرفت سورية "عقود فيديك" منذ أربعينيات القرن الماضي؛ خصوصاً عند تعاقدها مع شركات وجهات عالمية لتنفيذ مشاريعها الحيوية على المستوى الوطني، موقع "eSyria" التقى مع المحامي "محمد أنس غازي" رئيس مجلس إدارة شركة "ميثاق" للمحاماة والاستشارة الهندسية، الذي تحدث عن ماهية "عقد فيديك"، وأهميته في تنفيذ المشاريع الحيوية، وبدأ بقوله: «أولاً لابد من الإشارة إلى أن صيغ عقود (الفيديك) تم وضعها من قبل خبراء قانونيين وهندسيين في مجال العمل الهندسي من أجل إيجاد توازن في العقود وبالتالي حفظ حقوق أطراف التعاقد.

كما أن هذه العقود لا تعارض القوانين والتشريعات النافذة في البلدان المختلفة، وليست قوانين ملزمة غير قابلة للتعديل، قام بتصميمها مجموعة من الخبراء بالاعتماد على تجاربهم الطويلة في تنفيذ المشاريع وخاصة المشاريع الحيوية- أقصد "بالحيوية"، مشاريع التي تتعلق بالمرافق العامة الضخمة مثل "محطات لصرف الصحي" أو "لمعالجة المياه" أو "إنشاء بنى تحتية للشبكة الهاتفية" وغيرها من المشاريع التي تحتاج إلى تمويلات ضخمة ومؤسسات دولية وشركات عملاقة لتنفيذها».

الدكتور المهندس "كمال ملص" أحد الخبراء والاستشاريين الهندسيين في دولة "الإمارات العربية المتحدة" أوضح الآلية التي يوقع فيها "عقد فيديك" دون أن يتعارض مع "القانون القضائي" في البلدان المختلفة، بقوله:

«عندما أريد توقيع عقد حيوي في "سورية" على سبيل المثال، أقوم بقراءة هذا العقد وأعدل بعض الفقرات وألغي بعض المواد بما يتوافق مع "القانون السوري"، وبما يتلاءم مع "الفهم القضائي" و"الهندسي" الموجود».

إن "عقود فيديك" لا تتعارض مع القوانين والتشريعات في البلدان المختلفة، فهي نماذج عامة مرقمة بتسلسل معين يتم إجراء إضافات أو حذف على الارقام المتسلسلة، من دون تغيير الأرقام التسلسلية المذكورة في العقد، وبذلك تصبح هذه العقود دولية أرقام موادها التسلسلية واحد لا يتغير ولو تغيرت مضامين المعلومات الواردة ضمن البند التسلسلي».

"غازي" أشار إلى أن "سورية" أثناء مرحلة الاستقلال عرفت "عقود فيديك" عنذ تنفيذ مشاريعها الضخمة مثل "بناء مصافي للنفط"، و"شق الطرق" وغيرها، المهندس "معن القنواتي" مدير الإشراف في "محافظة دمشق" أشار إلى أن "عقود فيديك" توحد الفهم والمصطلحات بين الأطراف المتعاقدة وخاصة عند وجود شركات عالمية للتنفيذ، ويعطي الإدارة هامش مرونة عند تنفيذ العقد، وأضاف "القنواتي":

«إن نظام "عقود فيديك" واضح وخصوصاً في التفاصيل الهندسية الدقيقة، التي لا تكون مبينة بالشكل الأمثل في العديد من البلدان، فالقوانيين والأنظمة العقود المقاولات المعمول بها في هذه الدول لا تشير مثلاً بشكل دقيق إلى موضوع الأمان أو تحديد مصطلح الجمالية العمرانية، والتي وضحت في نماذج "عقود فيديك" المتطورة باستمرار، كما أن الفهم الهندسي الموحد لعقود "فيديك" في العالم يختصر الوقت بالنسبة للأطراف المتعاقدة عند دراستهم العقد، ومراجعة المصطلحات المعتمدة في بنود العقد».

الأستاذ "غازي" أوضح أنه على الرغم من التاريخ الطويل لدخول "فيديك" إلى "سورية" إلا أن أكثر العقود الحيوية لا توقع على أساسه، وهذا الذي دعاه إلى إقامة دورات مهنية تعريفية عن "عقود فيديك" في ظل التطور الاقتصادي والاستثماري وخصوصاً في المجال العمراني؛ الذي تشهده "سورية"، وأضاف "غازي":

«شهدت الأعوام الأخيرة صدور عدد من القوانين التي تتعلق "بالتطوير العقاري"، ونتج عنها مشاريع عقارية ضخمة في "سورية" تحتاج إلى شركات عقارية كبيرة لتنفيذها مثل إنشاء "ضواح سكنية متكاملة"، هذه المشاريع لن تخرج بالمواصفات المطلوبة إن لم تكن موقعة على عقد واضح لكل الأطراف، وهذا ما تحققه "عقود فيديك"، كما أن الشركات العالمية ومؤسسات الدولية المانحة لقروض تنفيذ المشاريع الحيوية في العالم؛ لا تتعامل إلا بنظام "فيديك".

لذا قمنا- عبر الشركة التي أديرها- منذ عام /2006/ بالتعاون مع "الاتحاد الدولي لفيديك" بتنظيم ملتقى للتعريف بماهية "عقود فيديك" وأهميتها في تنظيم وكفاءة "العقد الهندسي"، ودعونا الجهات الرسمية وأعضاء النقابات الهندسية وشركات المقاولة لحضور هذا الملتقى؛ وقد صدر عن رئاسة الوزراء- التي حضرت عبر ممثلين منها- قرار يقضي بتشكيل لجنة من مستشاري "رئاسة الوزراء و"الشركة العامة للدراسات والاستشارات الهندسية وعدد من المهندسين والخبراء المختصين الذين كانوا في الملتقى؛ هذه اللجنة قامت برفع مقترح لدراسة إضافة مادة على القانون /51/ "قانون تعهدات الدولة"؛ هذه المادة تسمح للجهات القطاع العام بتعاقد على أساس عقود "فيديك".

ونهدف في هذه المرحلة وخصوصاً بعد صدور التعليمات التنفيذية "لقانون التطوير العقاري" إلى إقامة عدة دورات مهنية تساهم في تسريع آلية اعتماد "عقود فيديك" في "سورية" وتعرف بشكل عام بهذه العقود وتتوسع بشكل تفصيلي في بعض مصنفات هذه العقود- الكتب الملونة "لفيديك"-».

الدكتور "كمال ملص" الذي سيدير إحدى الدورات المهنية التي تهدف إلى التعريف "بعقود فيديك"، وأهميتها، أكد أن هذه الدورة التي ستنظمها "شركة ميثاق" بالتعاون مع "شركة تكامل" "للاستشارات الهندسية" وبرعاية من "الاتحاد الدولي لفيديك"، وأضاف بقوله: «يتجه هذا النوع من الدورات إلى كل من جهات القطاع العام، ورؤساء وأعضاء النقابات الهندسية والمقاولات، وأعضاء من وزارة الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان، وهيئة التطوير العقاري؛ لكون هذه الجهات على ارتباط وتماس مباشر مع مسألة التطوير العقاري الذي تشهده "سورية"، وتتجه هذه الدورات أيضاً، التي ستبدأ الأولى منها في /15-16/ أيار /2010/، إلى المحامين والمقاولين والملاك والمهندسين الاستشاريين والشركات العربية والعالمية المهتمة بالاستثمار الهندسي- خصوصاً العقاري- في "سورية"».