أقامت "دار الأوس للنشر" يوم الثلاثاء 17 تشرين الثاني 2009 ندوةً بعنوان "الفن المفتوح والتقانة"، وذلك على مسرح كلية الفنون الجميلة بــ "دمشق".

وتضمن برنامج الندوة سلسلة محاضرات تهدف إلى التواصل وتعليم أسس النشر الإلكتروني، ووسائل التشارك الإبداعي، وكيفية العمل المشترك من خلال الشبكة، بالإضافة إلى دراسة ومناقشة علاقة التطور التقاني الحالي وارتباطه بالفن، كما تم إقامة حوار مع الطلاب للاستفادة من الخبرات الكبيرة التي يتمتع بها المحاضرون، وذلك بالتعاون مع مؤسسة "المشاع الإبداعي"، وكلية الفنون الجميلة بــ"دمشق".

هناك ثلاثة عوامل لنجاح "creative commons"في سورية هي: الناس، الاهتمام، والمحتوى، فحجم التفاعل لديكم كبير جداً، واللذين تبنوا المبادرة كانوا سريعي التحرك بشكلٍ ملفت، وهذا أساسي للنجاح

وكانت المحاضرة الرئيسية في الندوة بعنوان؛"حالة الإبداع الفني في ظل التقانات الحديثة والويب" وقدّمها الدكتور "جوتشي إيتو Joichi Ito"- رئيس مجلس إدارة "مؤسسة المشاع الإبداعي creative commons"، وتحدّث من خلالها عن أهمية بناء قاعدة للتبادل الثقافي المتاح للجميع، ودور هذا التبادل في تشجيع الابتكار وتنشيط العمل الفني، وقدّم العديد من الأمثلة العملية التي تستند إلى واقع المشاريع المنفذة في كلية الفنون الجميلة بــ"دمشق".

باسل الصفدي

كما ألقى الباحث "جون فيليبس Jon Phillips" مؤسس "مكتبة الرسومات العامة Open Clip Art" من جامعة "كاليفورنيا" محاضرةً بعنوان: "استخدام الرخص المفتوحة لتنمية الثقافة وتطوير الأعمال الإبداعية"، وألقى من خلالها الضوء على الطرق التي يمكن استخدامها لترخيص الأعمال الإبداعية بشكل يساعد على تطوير العمل الفني إبداعياً وتقنياً.

في حين قام "باسل الصفدي" مسؤول التطوير والبرمجة في "الأوس للنشر" بالتعريف بمفهوم «المشاع الإبداعي» من خلال عرض تجربة الموقع الإلكتروني "اكتشف سورية" في اعتماد تراخيص «المشاع الإبداعي» لمعظم المحتوى المنشور في الموقع، وذلك بهدف تشجيع القراء على تبادل المحتوى والبناء عليه، بما يساهم في تطوير الحراك الثقافي السوري.

وفي تصريحٍ خاص لموقع "eSyria" قال "باسل الصفدي" أن هذه الندوة تأتي في مستهل سلسلة من الندوات لتوعية الطلاب بأهمية استخدام الرخص الحرة في أعمالهم، وهذا يساعد على تطوير الحيز الثقافي في سورية مستقبلياً، وأضاف قائلاً:«استخدام هذا النوع من الرخص يتيح للآخرين الاستفادة من أعمالهم في الانطلاق إلى أعمال جديدة وأفكار جديدة، فإتاحة العمل الإبداعي مجاناً مع الاحتفاظ بالحق المعنوي لصاحب العمل من شأنه المساعدة في خلق أفكار لم تخطر ببالنا سابقاً قبل إتاحة مفهوم التشارك الثقافي».

وأوضح "باسل الصفدي" بأن "creative commons" منظمة مبينة فوق فكرة حقوق الملكية الفكرية بمعناها التقليدي الذي يحفظ كامل الحقوق المادية والمعنوية للمؤلف، حيث طوّرت المنظمة هذا المفهوم بمعنى أنها تحافظ على الحق المعنوي لصاحب العمل – كذكر اسمه- في حين يستغني هو عن الحقوق المادية لصالح المجتمع لكي يستفيدوا من أعماله ويبنوا عليها أفكاراً جديدة.

جوتشي إيتو

وعن مدى تأثير مفهوم التشاركية الثقافية أو المشاع الإبداعي على العائدية الربحية لأصحاب الأعمال الإبداعية قال:«يلعب هذا النوع من التشاركية دوراً مهماً في التسويق المجاني للأعمال الإبداعية وعلى المستوى العالمي، مما يعود بعوائد ربحية غير متوقعة، وهناك الكثير من الأمثلة في هذا المجال فمثلاً الفيلم السويدي nasty old people الذي تم وضعه على شبكة الإنترنت من خلال creative commons" " لعدم قدرة أصحابه على تسويقه أو عرضه في دور سينما كبيرة، حظي بفرصة إعادة إنتاجه لصالح "هوليود" مقابل مليوني دولار لأنه اشتهر من خلال الشبكة، وكان الطلب عليه كبيراً جداً، إذاً هذه الطريقة من التشاركية الإبداعية، واستخدام الرخص الحرة ساعدت أصحاب هذا الفيلم وبطريقة غير متوقعة في الوصول إلى منتج في "هوليود"، وحققت لهم بالمقابل عائد مادي أكثر من المتوقع، وهنا يكمن جوهر الفكرة».

وختم "الصفدي" بالقول: «نحتاج في سورية لهذا النوع من المبادرات لسببين أولهما؛ أن تطبيق قوانين حقوق الملكية الفكرية في سورية قد يتسبب بمشاكل جدية في البداية بالنسبة للمستخدمين لأغراض تجارية أو إبداعية على حدٍ سواء، وهنا ستكون "creative commons" حلاً وسطياً من خلال التعامل مع رخص أقل تشدداً، والسبب الثاني هو غنى منتجنا الثقافي السوري، والحاجة إلى تسويقه عالمياً من خلال شبكة الإنترنت».

من جهته تحدّث الدكتور "جوتشي إيتو Joichi Ito" للصحفيين عن منظمة "المشاع الإبداعي"بوصفها جزءً من الحراك الثقافي العالمي الذي يندرج ضمن إطار الثقافة المتاحة للجميع، وأكّد على دور "creative commons" في تشجيع مستخدمي البرمجيات وخاصة الطلاب على ابتكار حلولهم الخاصة، وكتابتها بأنفسهم اعتماداً على البرامج المفتوحة المصدر خاصّـةً أنّها مجانية وأي شخص يمكن أن يستخدمها، ويتعلم منها، ويطور عليها، ورأى "إيتو" أنه من المهم جداً التوعية في العالم العربي لأهمية استخدام هذا النوع من البرامج، بالإضافة إلى الرخص الثقافية المفتوحة أو الحرة، بحيث يصبح لدينا نوع من التشارك الثقافي والتقني، وهذا من شأنه أن يعود على الجميع بالفائدة، وضرب العديد من الأمثلة العملية في هذا المجال مؤكداً أن حركة البرامج المفتوحة المصدر بدأت من أميريكا في حين أن معظم البرامج المشهورة تأتي حالياً من خارج الولايات المتحدة، كالــ "لينوكس"، وأضاف قائلاً :«النقطة الرئيسية في القضية هي تشجيع طلاب الجامعات أو المبرمجين على كتابة حلولهم البرمجية بأنفسهم وبالاعتماد على البرامج المفتوحة المصدر، وهذا سيؤدي إلى الحد من تأثير المقاطعة التقنية لأي بلد، كما يساعد على الدخول في سوق البرمجيات العالمي، ويوفر الكثير من الأموال، إلى جانب التعلم وتعزيز الخبرات، وهذا يؤهلنا للدخول إلى المستقبل».

ومن بين الأمثلة التي قدمها"إيتو" محرك البحث العالمي "Google" الذي اعتمد على البرامج المفتوحة المصدر مما ساعده في تخفيض نفقات التشغيل التي لم تجاوز بضع آلاف من الدولارات، واليوم يجني أرباحاً عالية جداً من بيع الخدمات، فالبرامج المفتوحة المصدر هي التي بنت شبكة الإنترنت.

وختم بالقول:«هناك ثلاثة عوامل لنجاح "creative commons"في سورية هي: الناس، الاهتمام، والمحتوى، فحجم التفاعل لديكم كبير جداً، واللذين تبنوا المبادرة كانوا سريعي التحرك بشكلٍ ملفت، وهذا أساسي للنجاح».