مساحات عمل بناءة وواسعة، وتشاركية مع المجتمعات المحلية في جميع المناطق السورية، أوجدتها جمعية "الوفاء التنموية السورية" بمبادراتها الإنسانية والإغاثية والتنموية الهادفة إلى إعادة زرع الأمل في نفوس السوريين الذين ذاقوا ويلات الحرب وقسوتها.

الجمعية التي كانت في بداية الأزمة مبادرة حملت اسم "الوفاء للوطن" لدعم أسر وأهالي الشهداء، تحولت في عام 2018 من فكرة إلى واقع وأصبحت جمعية بشكل رسمي، وبدأت بالعمل على عدة مشاريع وضعتها كخطة عمل لها لدعم جميع الأسر السورية التي تضررت من الحرب، بحيث يصبح لها مورد رزق آخر يعينها على مصاعب الحياة.

مشاريع رائدة

مديرة الجمعية "رمال صالح" تستعرض في حديثها "لمدوّنة وطن" الأعمال التي قامت بها الجمعية منذ تأسيسها حتى الآن، بالقول: "افتتحنا دورات وورشات لتعليم الخياطة في حي "الميدان" الدمشقي للنساء اللاتي تهجرن وتضررن خلال سنوات الحرب، بالإضافة إلى إعادة إحياء الحرف التراثية والحفاظ عليها من الاندثار ضمن "بيت الشرق للتراث" من خلال إيجاد مكان لأصحاب المهن ممن دمرت ورشاتهم في "ريف دمشق" بفعل الأعمال الإرهابية، ليكون هذا البيت التاريخي حاضنة لهم، حيث تم ترميمه من قبل الجمعية عام 2018، ليصبح مركزاً لتدريب الحرف التراثية كالفسيفساء الحجري والدهان الدمشقي والبروكار والصدف والمقرنصات الدمشقية والبروكار وغيرها من الحرف التراثية، وتعليم الراغبين بامتهان هذه الحرف، إضافة إلى بناء تشاركية مع المؤسسات المعنية لتحويل المشروع إلى أكاديمية لتعليم التراث السوري، وخصوصاً أن هؤلاء الحرفيين هم رسالة "سورية" للخارج، ومن الواجب الحفاظ على مهنتهم ونقلها للأجيال القادمة، من خلال تدريبهم وتعليم الراغبين أصول المهنة وتقنياتها".

فسيفساء حجري من أعمالهم

بيت الإبداع

من الحرفيين ببيت الشرق التراثي

وأضافت "صالح": " بعد ترميم المكان دخلت الجمعية في مشروع تدريب مع "الأمانة السورية للتنمية" بدعم من السيدة "أسماء الأسد" فقمنا بتأمين المكان وأدوات ووسائل الإنتاج، كما حصلنا على نافذة بيع للمنتجات "بالتكية السليمانية"، كما سعت الجمعية إلى دمج الحرفة مع العلم بتأسيس مكتبة تراثية للمختصين والباحثين في التراث السوري، معتبرة أن مقومات العمل في المجال التنموي تقوم على حب الوطن والانتماء له والإيمان بما فيه من قدرات وخبرات واحتضانها".

ومن مشروعات الجمعية أيضاً -حسب "صالح"- مشروع "بيت الإبداع" الذي يهدف إلى تطوير مهارات الشباب السوري من خلال إقامة العديد من الدورات المهنية والتعليمية لتطوير مهاراتهم بالعديد من المهن كالحلاقة والتمريض والخياطة واللغات والمحاسبة وغيرها، بالإضافة إلى مشروع "إعادة وتأهيل وترميم العود الدمشقي" بسوق "ساروجة"، موضحة أن الجمعية كانت أول من سعى لإحياء مشروع "حرفة الأغباني" في مدينة "دوما" وخصوصاً أن حرفة الأغباني كانت الحرفة الأساسية لنساء "دوما" قبل سنوات الحرب، وكان عدد السيدات اللواتي يعملن بهذه الحرفة بالماضي حوالي أربعة آلاف سيدة، فبدأنا بمشروعنا بحوالي أربع سيدات ينسجن أقمشة الأغباني والآن أصبحن حوالي 250 سيدة، وتحاول الجمعية حالياً النهوض بالمشروع ليكون اقتصادياً على مستوى عالٍ، من خلال استقطاب المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال لدعم هذه المشاريع، كما شاركنا بمعارض أقامتها وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة السياحة، وشاركنا بمعرض "دمشق" الدولي لعدة سنوات.

من الأطفال الذين يتعلمون حرفة الدهان الدمشقي

تعميم التجربة

وتابعت "صالح": "نحن نستقبل يومياً وبشكل مستمر عشرات الطلبات والأسئلة بما يخص المشروع الذي سيكون مستقبلاً إنتاجياً أيضاً، إلى جانب كونه تعليمياً، فالشباب الذين سيتعلمون اليوم هذه الحرف، سيكونون هم ومن يليهم في الغد من أهم أسباب استمرار هذه المشاريع، ونطلب من الوزارات والمديريات المختصة أن تعمل على مساعدتنا في تسويق إنتاجنا الذي ستستفيد منه الكثير من الأسر السورية التي تضررت بشدة من الحرب، وهذه المبادرة في الحقيقة يجب أن يكون لدينا العديد مثلها وإن كان في مجالات مختلفة، فالوطن ليس بكامل عافيته اليوم، وعلى أبنائه المبادرة والعمل على عودته إلى ما كان عليه جميلاً ومعافى".

مشاريع تنموية

وفي حديث مع "رشا محفوض" أمينة سر الجمعية قالت: "كنت من المتابعين لأعمال الجمعية ومشاريعها منذ التأسيس، فالجمعية تعمل بطريقة ممنهجة، وبمشاريع موجودة بالفعل على أرض الواقع، وخصوصاً أنها تستهدف من خلال مشاريعها مختلف شرائح وفئات المجتمع كالطفل والشباب الجامعي وأصحاب المهن والحرف اليدوية، وكان من ضمن أعمالها الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة حيث قامت بدعمهم من الناحية التعليمية وتطوير مهاراتهم الفنية والمهنية، كما قدمت الدعم الكبير لفئة الشباب الجامعي، من خلال إقامة دورات مهنية وتعليمية حسب حاجتهم، وكان لأبناء الشهداء والجرحى والمتضررين من الحرب الأولوية بهذا الدعم، لافتة إلى أن ما يميز الجمعية أنها مرخصة بكل أنحاء "سورية" ما سهل علينا التحرك بهذه الجغرافية بخطوات متتالية، وحالياً هناك مشاريع تنموية سنتجه بها نحو المحافظات السورية، فضلاً عن أن العمل الإغاثي كان من أهم نشاطات الجمعية، فقد تم العمل عليه بشكل كبير ضمن أعمال الجمعية منذ تأسيسها وحتى الآن، حيث قامت الجمعية بتقديم المساعدة لحوالي 160 ألف عائلة متضررة من الحرب وإغاثتها".

حاضنة للحرف

وخلال جولتنا ضمن أرجاء الجمعية وفي إحدى الغرف التقينا الحرفي "ماهر بوظو" - يعمل بالدهان الدمشقي منذ حوالي 32 عاماً فأشار إلى أنهم كحرفيين يحاولون إنقاذ الحرف القديمة لأنها تشكل جذور المجتمع السوري وإرثه الثقافي، ونقل هذه الحرف والمهن إلى الأجيال القادمة، من خلال تدريب الراغبين بتعلمها وإتقانها، وهي محاولة لاستعادة إرث وتراث سورية وحمايته من الاندثار، وأضاف: "الجمعية ساعدتنا َعلى تقديم المكان ضمن "بيت الشرق" الذي أصبح حاضنة للحرف التراثية، لنبدأ بالعمل من جديد بعد أن تضررت ورشاتنا أثناء الحرب، وكانت مبادرة خلاقة استطعت من خلالها العودة للعمل".

أجري اللقاء بتاريخ 6 حزيران 2021.