انفرد أهل الشام في "رمضان" بتقاليد وطقوس عن غيرهم من المدن، حتى أصبحت جزءاً من تراث هذا الشهر المبارك، حيث جعلوا استيقاظهم من النوم على أصوات مراسلات المؤذنين وبنغمات متعددة على مدار الأسبوع.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 27 حزيران 2015، الحاج "فريد عبد الوهاب" أحد سكان "دمشق"، الذي قال: «انفردت "دمشق" بمجموعة من الطقوس والتقاليد الرمضانية التي كانت تمارس في المدينة قديماً، فقبل وصول التكنولوجيا الحديثة والمنبهات كان أهل "دمشق" يستيقظون في الزمن القديم على صوت "المسحراتي" الذي اختص بكل منطقة على حدة، إضافة إلى إنشاد المؤذنين على منارات المساجد، وتنار السرج في البيوت وتبدأ طقوس السحور حتى موعد الإمساك، ثم يخيم الهدوء من جديد على المدينة التي يخلد الصائمون فيها إلى النوم».

يتابع الأذان على ھذا النحو، ويستغرق ذلك نحو ساعة من الزمن، يحين بعدھا أذان الإمساك قبيل أذان الفجر، فتطفأ أنوار المآذن، فيكون الإمساك وقد انتھى الناس من سحورھم وعقدوا نيّة الصيام لله تعالى إيماناً واحتساباً. وما ھي إلاَّ لحظات حتى يؤذن مؤذنو المسجد الأمويّ بـ"دمشق" ومؤذنو المساجد الأخرى لصلاة الفجر

وأضاف: «كانت تلك التقاليد لا تتعارض مع تعاليم الإسلام الحنيف فكانوا يعدونها جزءاً من تراث شهر رمضان، ورمضان من دونها يفقد بهجته في نفوسهم، فليالي شهر رمضان في "دمشق" لها نكهتها وروعتها، ففي هذا الشهر تعود السهرات الدمشقية، ويجتمع الأقارب فيتبادلون "النكات" والمزاح وأخبار السلف وأحداثهم، ومنهم من يسهرون في مقهى خاص يستمعون إلى قصص الحكواتي بهم ويخرجون في منتصف الليل بعد أن تبدأ مراسلات المؤذنين بتسابيحهم وتوسلاتهم، كما كان "المسحرون" موزعين على الأحياء، وتنطلق أصواتهم على دقات الطبلة الرتيبة في الهزيع الأخير من الليل».

الباحث منير كيال

ويشير الباحث "منير كيال" حول مراسلات المؤذنين بالقول: «كان مؤذنو مساجد "دمشق" الكبرى حتى أواسط القرن العشرين يقومون بالتراسل "المراسلات" في الثلث الأخير من الليل بالألحان والأوزان التي كانت تتبدّل كل يوم على مدار الأسبوع، وذلك بالتسابيح والاستغاثات والمدائح النبوية والمواعظ والحكم يظّلون على ذلك إلى أن يحين وقت آذان الفجر. وكان لھم في ذلك ألحان وأقوال خاصّة إذا ألمّ بالمدينة خطب أو أمر جلل، كوفاة عالم أو أحد المشاھير بالمدينة فيتسامع الناس الأمر أو لإيقاظ الناس على السحور، يتسارعون لحضور الجنازة وقت تشييعھا».

ويضيف: «كان الفن الموسيقي يرافق أصوات المؤذنين بالإنشاد الديني وقت السحر، ومن ذلك كانوا على "نغمة العشاق" يوم السبت، ونغمة "الحجاز" يوم الأحد، أما يوم الإثنين فكانت نغمة "سيكا" في أول يوم إثنين من الشھر، ونغمة "بياتي" في ثاني يوم إثنين من الشھر، ونغمة "حجاز" في ثالث يوم إثنين من الشھر، ونغمة "شوري على جركاه" إذا كان رابع يوم إثنين من الشھر، ثم نغمة يوم الثلاثاء "سيكاه"، ونغمة يوم الأربعاء "جركاه"، ونغمة يوم الخميس "الحجاز"، ونغمة يوم الجمعة "الراست"».

ويتابع: «في شھر رمضان كان مؤذنو مساجد "دمشق" يتراسلون بالأذان لتسحير الناس في شھر رمضان، يبدأ ھذا الأذان بعد إشعال أضواء مآذن المسجد الأموي وما أن تنطلق تكبيرة الأذان الأولى: الله أكبر الله أكبر، حتى تجاوبھا تكبيرات مماثلة من مآذن مساجد "دمشق"، حتى كأن الليل قد استيقظ على صوت الله أكبر، وأصبح كل شيء في المدينة في ھدأة الليل يلھج بذكر الله».

ويختم: «يتابع الأذان على ھذا النحو، ويستغرق ذلك نحو ساعة من الزمن، يحين بعدھا أذان الإمساك قبيل أذان الفجر، فتطفأ أنوار المآذن، فيكون الإمساك وقد انتھى الناس من سحورھم وعقدوا نيّة الصيام لله تعالى إيماناً واحتساباً. وما ھي إلاَّ لحظات حتى يؤذن مؤذنو المسجد الأمويّ بـ"دمشق" ومؤذنو المساجد الأخرى لصلاة الفجر».

الموسيقي نزيه أسعد

ويشير الباحث الموسيقي "نزيه أسعد" بالقول: «استخدم اللحن الحالي في أداء الأذان عام 1730م من قبل العلامة الشيخ "عبد الغني النابلسي"؛ فكان لكل يوم من أيام الأسبوع نغمة خاصة به؛ ففي يوم السبت تؤدى نغمة "الصبا"، ويوم الأحد "البيات"، والإثنين "النوى"، والثلاثاء "السيكاه"، الأربعاء "العراق"، الخميس "الحجاز"، والجمعة "الرست" وتعني الشيء المستقيم، ومن هنا انطلق بالأذان الجماعي في المسجد الأموي، كما كان يوجد في أعلى مئذنة العروس (الشمالية) في الجامع الأموي كرة معدنية حمراء اللون عاكسة للضوء ترفع للأعلى عند دخول وقت الأذان لتتم رؤيتها من مسافات بعيدة في المناطق التي لا يصل إليها صوت الأذان؛ وقد استعيض عنها اليوم بإشعال مصابيح إنارة على كافة المآذن عند بداية الأذان وإطفائها عند نهايته؛ فيعرف كل من يقف على مسافة بعيدة أن المسجد الأموي بحالة أذان».