لكل فصل من فصول السنة مميزاته، ولكن يبقى لفصل الربيع خصوصيته لما يحمله من بهجة وفرح وألفة، حيث تقوم العائلات في هذا الفصل بتنظيف المنزل و"تعزيله" وإزالة كل ما له صلة بفصل الشتاء استعداداً لاستقبال فصل الصيف.

يعد "التعزيل" من العادات الجميلة التي تدل على التعاون والألفة والمحبة، وللحديث عن طقوس "تعزيل" المنزل مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 27 نيسان 2015، ربة المنزل "سوزان درويش" في حي "السادات" التي حدثتنا بالقول: «يعد فصل الربيع من الفصول الجميلة التي تدل على أن الشتاء جهز حقائبه استعداداً للرحيل، مودعين بذلك البرد ومعاناته وبوجه خاص هذه السنة التي عانينا فيها من البرد بسبب نقص المحروقات إضافة إلى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، لذلك هناك الكثير من العائلات التي بدأت باكراً بما يسمى "التعزيل" للتخلص من كل ما له صلة بفصل الشتاء، وأنا من هؤلاء الذين بدؤوا باكراً بـ"التعزيل"، حيث قمت باستدعاء بناتي وزوجات أولادي لمساعدتي، لأن هذا الأمر يتطلب جهداً وتعباً كما يحتاج إلى التعاون لإنجازه.

حتى الرجال في يوم "التعزيل" لهم دورهم المهم؛ فهناك الكثير من الأمور التي لا نستطيع القيام بها نحن النساء من حمل للأشياء الثقيلة وترتيبها، فمثلاً نشر السجاد بعد غسله ولفه ووضعه على السقيفة يحتاج إلى الرجال، وتنزيل الحقائب الخاصة باللباس الصيفي تحتاج أيضاً إلى بنية قوية، لذلك يوم "التعزيل" يمكن تشبيهه بخلية نحل فالجميع له دوره ومهمته التي عليه تنفيذها صغيراً أو كبيراً

فقبل يوم من "التعزيل" قمنا بوضع مخطط أنا وبناتي وزوجات أولادي من أين نبدأ وكيف، حيث يتم توزيع المهام فيما بيننا؛ فهناك من يقوم بإزالة السجاد وغسله ونشره ثم لفه مع وضع قطع من الصابون الجاف داخل السجادة لتحافظ على رائحتها الجميلة بعيداً عن العفونة، ثم يتم وضعها على "السقيفة"، كما يقوم قسم بتنفيذ مهمة فك المدفأة وغسلها ثم وضعها بكيس خاص بها إضافة إلى تنظيف السقف والجدران والنوافذ، كما نتعاون أيضاً بتفريغ الخزن من الملابس الشتوية ووضع الملابس الصيفية بدلاً منها ويتم فرز الملابس التي تحتاج إلى الغسيل ووضعها جانباً، وهذا التوزيع للمهام مهم جداً، أولاً لكيلا يتراكم العمل وينتهي في نفس اليوم، ثانياً لكيلا يعمل أحدهم أكثر من الآخر وتحدث مشكلات وخلافات».

لف السجاد

وتتابع: «حتى الرجال في يوم "التعزيل" لهم دورهم المهم؛ فهناك الكثير من الأمور التي لا نستطيع القيام بها نحن النساء من حمل للأشياء الثقيلة وترتيبها، فمثلاً نشر السجاد بعد غسله ولفه ووضعه على السقيفة يحتاج إلى الرجال، وتنزيل الحقائب الخاصة باللباس الصيفي تحتاج أيضاً إلى بنية قوية، لذلك يوم "التعزيل" يمكن تشبيهه بخلية نحل فالجميع له دوره ومهمته التي عليه تنفيذها صغيراً أو كبيراً».

كما حدثتنا "أماني المعطي" عن تجربتها في "التعزيل" قائلة: «يعد يوم "التعزيل" فرصة للقاء العائلة لما يحمله هذا اليوم من تعاون وألفة ومحبة، وأنا كسيدة متزوجة أقوم بهذه المهمة ثلاث مرات في فصل الربيع، مرة عند أهلي لمساعدة والدتي، ومرة عند أهل زوجي لمساعدة والدته، ومرة في منزلي، ولا يخلو الأمر عند القيام بـ"التعزيل" من بعض الطرائف والمزاح والغناء والعتاب وتبادل القصص، فكما ذكرت سابقاً "التعزيل" فرصة لغسل القلوب واللقاء وتوديع الشتاء، والجميل في الأمر هو لقاء الأجيال واختلاف وجهات النظر، وذلك يظهر من خلال بعض الأهازيج أو الأغاني التي يتم ترديدها أثناء "التعزيل"؛ فالجيل القديم له أغانيه الخاصة به التي نحفظها ولا ننكر جمالها، وجيل الشباب له أغانيه أيضاً التي قد يرددها أو يقوم بالاستماع إليها مباشرة أثناء التنظيف من خلال المذياع أو التلفاز، ولكي يكون "التعزيل" ناجحاً لا بد من إدارة تمتلك القدرة على تحديد الأولويات، من حيث البدء من أين وكيف؟ ودائماً الكبيرات بالسن هن الأقدر على تحديد هذه الأولويات وتنظيم العمل، وذلك يعود إلى خبرتهن عبر الزمن، ولكن للأسف في وقتنا الراهن هذه الطقوس والعادات بدأت تزول؛ فقلة من العائلات التي ما تزال تقوم بـ"التعزيل"، فقد أصبحت بعض العائلات تستخدم الشغالات في عملية "التعزيل" وذلك لانشغالهم بالعمل وعدم قدرتهم على التفرغ لمثل هذا الأمر، وهو ما يفقد أهمية هذا اليوم وتكون سيدة المنزل عبارة عن مراقبة وموجهة فقط من دون لمس أي شيء والإحساس بأهمية هذا العمل».

سوزان درويش

أما الباحث "خالد الفرج" فيقول: «عرف "التعزيل" منذ القدم وهو دلالة على توديع شيء واستقبال شيء جديد، ومعنى "التعزيل" في معجم المعاني الجامع "عزَّل الغرفة: رتبها وأزال ما لا يحتاج إليه"، وللتعزيل أنواع فهناك "تعزيلة الشتاء، وتعزيلة الصيف، وتعزيلة العيدين"، ولكل منها طقوسها وخصوصيتها ومميزاتها، وأدوات "التعزيل" بسيطة وهي عبارة عن: (المكانس، والمماسح، والخرق، وسائل للتنظيف)، ويعد "التعزيل" فرصة لإعادة ترتيب المنزل واستقبال فصل الصيف الذي يحتاج إلى التهوية وإزالة كل ما له صلة بفصل الشتاء، وربة المنزل الناجحة هي التي تعرف من أين تبدأ ومتى تنتهي ضمن مخطط وأولويات، ولا يخلو هذا اللقاء من الطرافة ورش المياه وتبادل القصص وتناول المأكولات البسيطة أو الجاهزة وذلك لانشغال النساء بالتنظيف».